بدأت فرحة سكان الرباطوسلا بالترامواي تتلاشى تدريجيا ليحل مكانها استياء واضح من مئات الحفر والأتربة والجرافات العملاقة التي تنهش الطريق لوضع سكة الوافد الجديد رغم أن الأشغال الحالية لم تستهلك سوى 5 أشهر فقط من أصل 24 شهرا، هي المدة الزمنية المحددة لانتهاء الأشغال. على امتداد أهم الشوراع بكل من مدينتي سلاوالرباط، يمكن ملاحظة حركة سير بطيئة وطوابير من السيارات التي تضم أصوات منبهاتها الآذان ومشاحنات لا تنتهي بين السائقين تتطور أحيانا إلى سيل من الكلمات النابية والعراك رغم اللوحات التي وضعتها وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق في عدد من النقط مذيلة بعبارة «صبرا الأشغال تتقدم»، غير أن الصبر في طرقات المدينتين صار عملة نادرة بعد أن أصبح قطع المسافة الفاصلة بين وسط الرباط وحي السلام بسلا (7 كلم) يتطلب حوالي ساعة في أوقات الذروة نتيجة تحويل الاتجاه في عدد من الشوارع وإغلاق أخرى.. حوالي 80 ألفا ممن يمارسون «النزوح» بشكل يومي من مدينة سلا باتجاه العاصمة يجدون أنفسهم مضطرين بدورهم إلى التحلي بالصبر الذي تتحدث عنه لافتة الوكالة، محاصرين وسط الحرارة الرهيبة في حافلات النقل الحضري وسيارات الأجرة أو سياراتهم الخاصة التي نالت الجزء الأكبر من «العصا» على حد تعبير سعيد (33 سنة إعلامي ): «لقد اشتريت سيارتي بقرض طويل الأمد استنزف جزءا مهما من راتبي. والآن أصبحت نادما بعد أن تدهورت الحالة الميكانيكية للسيارة رغم أنها لم تتجاوز بعد سنتها الأولى... لست ضد الأشغال لكني ضد عدم إصلاح ما تم حفره وضد تخريب طريق من المفروض أننا نؤدي ضرائب في مقابل الاستفادة منها». أسئلة كثيرة بدأ سكان العدوتين في إشهارها حول جدوى هذه الوسيلة المتحضرة في مدينة تنافق نفسها لتقنع زوارها بأنها عاصمة للمملكة رغم أنها عاجزة عن إيجاد محطة موحدة للحافلات وجارة لها تضم مليونا من السكان معظمهم محشور في أحياء شعبية تتسكع فيها الدواب بحرية. الساعة تشير إلى الخامسة عصرا قرب مركز البريد بتابريكت.. اختناق مروري وأصوات منبهات تثير الأعصاب بعد أن صدمت سيارة دراجة نارية خرجت كالسهم من خلف الحاجز الذي يحيط بأشغال الترامواي محاولة مراوغة الجميع والإفلات من انتظار قد يمتد لدقائق... صاحب الدراجة سقط أرضا وهو يمسك رجله اليمنى فيما حاصر البعض صاحب السيارة الذي أقسم أكثر من مرة بأنه لم يرتكب أي خطأ وأن» أصحاب الدراجات النارية ديما كيشريوها لعباد الله»، ليستل ورقة نقدية زرقاء كانت بمثابة علاج سحري لسائق الدراجة الذي وقف سليما معافى في الوقت الذي كان فيه طابور طويل من السيارات يغلي بالغضب، حيث لا مجال للتراجع أو التجاوز بفعل ضيق الطريق التي التهمت الأشغال المرتبطة بالترامواي أكثر من نصفها. سائق سيارة أجرة صغيرة رد على سؤالنا حول رأيه في الترامواي وهو يرتشف نفسا عميقا من سيجارته ويسب سائق سيارة محاصر بدوره وسط حركة سير مشلولة: «هذا هو العبث بعينه، عوض خلق فرص شغل للعاطلين وتوفير مساكن للفقراء نصرف الملايير في الحفر وإعادة الحفر من أجل الترامواي»، قبل أن يضيف: «هاد الترامواي إيلا حصل وسط هاد الزحام والله حتى يتكولا ليه الموطور». مشاعر العداء التي أصبح الترامواي المسكين مجبرا على تحملها حتى قبل أن تصل أولى عرباته قادمة من فرنسا تزداد حدتها لدى بعض أصحاب المحلات التجارية الذين تقلصت حركة معاملاتهم كثيرا بفعل الأشغال خاصة المقاهي، حيث هرب الزبائن من ضجيج الجرافات وركام الأتربة والمنبهات القوية للسيارات بحثا عن أماكن أخرى تتوفر فيها شروط الراحة. كما أن عددا من المواطنين عبروا عن امتعاضهم من الأشغال ووصفوها بالبطيئة وبكونها تتسبب في تدمير البنية التحتية للمدنية التي تعاني أصلا من الهشاشة بعد أن اتضح أن أشغال الإصلاح، التي أوكلت وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق مهمة إنجازها إلى شركات خاصة، كانت عبارة عن ترقيعات لم تراع مواصفات الجودة وحولت الطريق إلى ما يشبه لوحة مليئة بالمطبات بعد انخفض مستوى الطريق بعدد من الشوراع التي تم حفرها في وقت سابق في إطار أشغال تحويل شبكات الربط. عمدة مدينة سلا إدريس السنتيسي أكد أن «الأشغال الجارية، بما فيها من إزعاج، هي تأثيرات جانبية لا بد منها في مشروع عملاق مثل الترامواي، «وأنه «ينبغي التحلي بالصبر بالنظر إلى الإيجابيات الكبيرة التي سيأتي بها مشروع الترامواي من خلال التخفيف من أزمة النقل في محور الرباطسلا»، كما أن «هناك تنسيقا دائما بين مجلس الجماعة ووكالة التهيئة التي تتولى إنجاز المشروع من أجل إيجاد حلول لبعض المشاكل المرتبطة بالأشغال». محمد، 46 سنة بقال، «ظل يحدق في جرافة عملاقة وهي تجرف ركاما من الأتربة قبل وضعها في شاحنة، تحدث عن مشاعره تجاه هذه الوسيلة في النقل بعفوية كأنه كان ينتظر الفرصة لذلك منذ زمن: «لست مقتنعا بهذا «التران»، ولا أفهم كيف سيكون بإمكانه السير في شوراع مليئة بالحفر والعربات والباعة المتجولين، ثم لماذا يتم حفر الشوراع وتركها لتمتلئ بالأزبال»، «قبل أن يختم كلامه متسائلا: «واش حتى هو غادي يوقف فالضو لحمر». فئة ثانية من المواطنين تجمع في رأيها بين التأييد والتحفظ على المشروع مثل مراد (أستاذ جامعي) الذي يعتبر أنه «لابد من أن يقترن مشروع الترامواي بتغيير شامل في وضع المدينتين حتى لا يصبح الترامواي نقطة الضوء الوحيدة التي يتم التغني والإشادة بها كانجاز عظيم، في حين تغرق المدينة بأكملها في الأزبال والظلام والأسواق العشوائية ودور الصفيح، أعتقد أننا في المغرب لازلنا نعاني من غياب القدرة على وضع مشاريع متكاملة». التراموي تبلغ القيمة المالية لمشروع الترامواي 3 ملايير و300 مليون درهم ما بين210 مليون درهم مخصصة للدراسات وتتبع الأشغال، وتغيير شبكات ستمتد شبكة الترامواي على طول 20 كم من خلال خطين: الأول سيربط بين حي كريمة بسلا وحي أكدال بالرباط على مسافة 11.7 كلم، فيما سيخصص الخط الثاني للأحياء ذات الكثافة السكانية المرتفعة، مثل بطانة بسلا والمحيط ويعقوب المنصور بالرباط على مسافة 7.8 كلم. سيبلغ العدد الإجمالي للعربات التي سيتم تشغيلها في شبكة الترامواي 22 عربة، طول كل واحدة 60 مترا بطاقة استيعابية تصل إلى 560 مسافرا لكل عربة، وسيتم تشغيل العربات بالكهرباء اعتمادا على الربط الجوي. سيتوقف الترامواي في 32 محطة موزعة على الرباطوسلا، وتضم أهم النقط والمحاور بالمدينتين. وإنجاز مركز لصيانة العربات (220 مليون درهم) والتجهيزات (650 مليون درهم)، إلى جانب تخصيص350 مليون درهم للأشغال التي سيتم إنجازها على مستوى قنطرة مولاي الحسن الجديدة.