بصعوبة بالغة ينطق البعض اسمه، في حين يفضل الآخرون الخروج من باب واسع واختصار الكلمة في الطرام الذي فرح به السكان فرحة صغيرة، مثل نشوة حشاش، قبل أن يستعيدوا وعيهم ويعيدهم الواقع من سماء الحلم إلى أرض مليئة بالغبار والبؤس الذي يحلو له رسم لوحات معبرة على الوجوه.. إنه الطرامواي الذي رأى فيه الكثير من السلاويين جرعة حضارية قوية تم حقنها في جسد مدينة ميتة بأطراف وصلت مرحلة متقدمة من التعفن. مشروع سيجعل السلاويين أوفياء لعقدة الرباط، يساقون يوميا إلى العاصمة ليفرغوا ما في جيوبهم في احتساء قهوة وشراء سروال جينز وأكل الصوصيص والذهاب بعدها إلى الطبيب، قبل العودة بنكسة نفسية إلى سلا التي تعني بالدارجة المغربية انتهى. أسئلة طرحناها على عدد من المارة بشارع ابن الهيثم حول شعورهم إزاء الوافد الجديد الذي استقبلته المدينة بحفر عميقة ومئات الندوب التي استقرت على خد الطرقات، لنتلقى ردودا انفعالية بشكل غريب، غير أن الغرابة قد تزول مع حالة الاكتئاب المزمن التي يعانيها السلاويون والتي تفضحها نظرات حزينة توحي بأشياء متناقضة قد تصل حد التهديد بأخذ ثأر لا وجود له... أجوبة لا علاقة لها بالصورة الجميلة للترامواي وهو يخترق الشوراع والتي وضعت بها لوحات كبيرة تحمل عبارة «صبرا ستنتهي الأشغال قريبا»، حيث ساد التهكم الذي اختزلته عبارة شاب تبدو عليه ملامح بطالة انطلقت مع تجربة التناوب: «آش خصك أ السلاوي خصني الترامواي آمولاي»، في حين طالب البعض الآخر باستيراد مسؤولين بعقلية الطرامواي لا بعقلية الزفت والبراريك تكون لديهم القدرة على خلق التوازن بين الجنة الموعودة المتمثلة في مشروع أبي رقراق الممتد على مساحة ستة الآلاف هكتار وجهنم القريبة منها، سلا، والتي تجبر سكانها على النزوح بشكل يومي بحثا عن لحظة سعادة كاذبة في الرباط أو القنيطرة. الترامواي المسكين رغم ملاييره التي تجاوزت المئة سيكون مستقبله غامضا بالمدينة مثل الغموض الذي يكتنف مشروع أبي رقراق، رغم الحفل الذي أقيم خلال هذا الأسبوع بمناسبة زواج المارينا بيخت تائه بعد عنوسة دامت أكثر من اللازم، حيث سيضطر إلى السير في طرق ضيقة تتصارع فيها السيارات مع الحفر والبالوعات التي بيعت أغطيتها وكلاب ضالة لم تعد تكترث لصوت المنبهات، كما أن عدوى الكآبة ستنتقل من البشر إلى هذا المخلوق الآلي القادم من فرنسا، عندما يجد نفسه مضطرا لرؤية آلاف البراريك كل يوم واستنشاق روائح كريهة منبعثة من مزابل عفوية ومراوغة الباعة المتجولين ومئات الحمقى والمعتوهين. والواقع أن سكان المدينة رغم تحاملهم على الترامواي يجب أن يتخلصوا من أنانيتهم ويفخروا بمسؤوليهم الذين حولوا المدينة، عن غير قصد طبعا، إلى أستوديو شاسع يضم مليونا من الكومبارس وبالتالي فعوض أن يقاطعوا الانتخابات يجب أن يبحثوا عن المرشح الذي يستطيع إقناع هوليود ومنتجيها بصرف تعويضات للسكان تجعلهم يتصالحون مع مدينتهم ويرضون عن طيب خاطر بالاحتفاظ بأزبالهم وأسواقهم وقطعان الحمير الهائمة والتي تنوب عن عمال البلدية في جز أعشاب نادرة نبتت في حدائق مهجورة وغيرها من المؤثرات المرئية التي لم تكلف المخرجين فلسا واحدا. أما الترامواي، الذي يسميه سكان الأحياء الشعبية بالماشينة وتران الزناقي، فلا ذنب له والوزر يتحمله الذين جعلوه شامة صناعية في وجه مدينة عجوز. لكن، على الأقل فإن هذه الوسيلة الأنيقة في التنقل ستضمن خلق جيل جديد من أولاد علي «النشالين» سيرتدون بذلات زارا ويمارسون هوايتهم بأصابع ميكانيكية تخصصها البلديات في ألمانيا لجمع القمامة.