«الاعتقال»، «البوح والكلام عن الألم السياسي»، «الكتابة وحرية التعبير»، «الكتابة بين اللغات»، «قتل الأب في الأدب أو سلطة اللغة»... كانت أهم الموضوعات التي أثارها مهرجان الأدب الذي اختتمت فعالياته الأسبوع الماضي بالرباط بقراءة نصوص إبداعية، بلغات مختلفة، على أنغام إيقاعات موسيقية. وهكذا أنشد عدد من الكتاب والشعراء، خلال حفل اختتام المهرجان، الذي نظم تحت شعار «الكتابة بين السطور» (2 - 4 يونيو)، مقاطع من بعض نصوصهم الإبداعية إما بلغتهم الأم أو مترجمة، حيث تألقت الشاعرتان عائشة البصري (المغرب) وكريستين أوتين (هولندا)، بإنشاد كل واحدة منهما قصائد الأخرى، مصحوبة بإيقاعات موسيقية. كما تناوب على إلقاء نصوص إبداعية (شعر ورواية) كل من جاكلين بيشوب (الولاياتالمتحدة) وأحمد المسيح (المغرب) ويوسف أمين العلمي (المغرب). ونظمت قبل ذلك مائدة مستديرة، في موضوع «الكتابة بين اللغات»، تناول فيها المتدخلون قضايا تهم بالخصوص العلاقة بين الكاتب واللغة، ومغامرة اختيار الكتابة الإبداعية، ومن يمتلك اللغة: الكاتب، أم أن اللغة هي التي تمتلك المبدع؟ إضافة إلى محاور أخرى. وقد أجمع المتدخلون خلال هذا اللقاء، الذي نشطه الأستاذ الجامعي الطيب بلغازي، على أن مغامرة الكتابة تبدأ من اللغة الأم، مبرزين أنه وإن كان الكاتب يكتب بلغة واحدة، فهو يهاجر من لغة إلى أخرى، من خلال استحضار مخزونه من القراءات. فاستحضار هذا المخزون في حد ذاته يحيل على عدد من الأمور من جملتها، حسب الكاتب المغربي يوسف أمين العلمي، مواجهة الكاتب للصفحة عند شروعه في الكتابة «حيث يمنعه مخزونه من القراءات من الكتابة (..)، إلا أنه يتغلب على ذلك باللجوء إلى مفهوم (المحو)، أي محو المقروء، لينطلق المبدع في عوالم الإبداع اللامتناهية». وفي معرض تطرقهم لموضوع «قتل الأب» في الأدب، أو «سلطة اللغة»، تناول المشاركون محاولات التخلص من سلطة المبدعين الكبار في الأدب أو سلطة الأب الحقيقي، كما هو الشأن بالنسبة للكاتبة الفرنسية ماري رودوني، التي أكدت أنها تكتب لتتحرر من «وصاية سلطة لغة الأب»، وبالتالي البحث عن لغة بديلة، سمتها «اللغة المفقودة داخل اللغة الفرنسية». وفي السياق نفسه، أكدت المبدعة الأمريكية جاكلين بيشوب أنها عندما تتحدث عن التخلص من الوصاية، فهي تقصد، بالخصوص، التخلص من «وصاية الأم» الحاضرة في كل إبداعاتها وبقوة، مشيرة إلى جذورها الكاريبية التي «تكون فيها للأم سلطة قوية». كما تم بالمناسبة عرض لقطات من شريط «عظم الحديد» للمخرج هشام العسري، الذي يحكي قصة ثلاثة أصدقاء من نفس الحي، يجوبون محطات الحافلات لجمع المال لصديقهم الذي يتابع دراسته بالجامعة. وفي نفس هذا اليوم شهدت قاعة المحاضرات بالمكتبة الوطنية للمملكة لقاء مابين الكتاب والمركز المغربي للقلم الدولي الذي كان يترأسه الفقيد عبد الكبير الخطيبي، والذي يضم بدوره كتابا، بحضور زوجة الفقيد في سياق الاحتفاء بالراحل. وكان محور هذا اللقاء: «حرية التعبير»، حيث دارت المناقشة حول حرية التعبير والعراقيل التي تواجه الكاتب، و قدمت خلال هذا اللقاء مرية الزاكي قصيدة شعرية مهداة إلى روح الفقيد. اليوم الثاني من المهرجان تميز بدوره بعرض فيلم «خطوات صغيرة» للمخرج لحسن زينون، عرض لأول مرة، و يحكي عن تجربة أخت أبراهام السرفاتي مع أخيها الذي كان رهن الاعتقال، ووثق لها اعتمادا على وقع الأقدام في قالب قريب من الرقص. بعد عرض الفيلم نظم لقاء مع كل من الكاتبة والصحفية الجنوب أفريقية أني كروك حول كتابها «بلد جمجمتي» هو عبارة عن سيرة ذاتية ومتابعة صحافية في قالب روائي شعري يرصد الجلسات العمومية للإنصاف والمصالحة بجنوب أفريقيا، ويعتبر من أكبر المراجع حول الحقيقة والمصالحة، وقد تحول هذا العمل الإبداعي إلى فيلم يحمل نفس العنوان. ومن خلال هذه الجلسة التي نشطها إدريس كسيكس، تناول مع الكاتبة كيف تنظر إلى الكلام والبوح عن الألم في تجربة أفريقيا، وتم طرح نفس الموضوع مع كتاب آخرين كوديع الآسفي وعبد الحي مؤدن، الذي عالج الموضوع من خلال رواية كانت قد صدرت له في سنة 2004، تحمل عنوان: «خطبة الوداع»، تتحدث عن العلاقة الصامتة وفي نفس الوقت المتوترة بين التصور النضالي للحياة، وبين صمت الشرائح الواسعة من المجتمع، من خلال بطلي الرواية أحمد وسعيد. ويقول عبد الحي إن هذا اللقاء أتاح له إعادة النظر في الرواية انطلاقا مما عايشه في تجربة الإنصاف والمصالحة، واعتبر المشاركون في هذه الندوة النقاش، الذي تابعوه ،من أغنى النقاشات حول مسألتي الحقيقة والمصالحة من زاوية الإبداع والفكر، وقدم في هذا اللقاء كل مبدع قراءته لنصوص تعكس هذه التجربة بلغته مع ترجمة مصاحبة للقراءة. وتميزت هذه الدورة أيضا بمشاركة كتاب من أندونيسيا وجنوب إفريقيا وهولندا وتركيا والولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، بالإضافة إلى المغرب.