كان الولوج إلى سوق «الجميعة» بالدار البيضاء أشبه باختراق جدار منيع له من الخصوصيات والغرائب الشيء الكثير، وكأنك تتجول وسط حديقة حيوانات «مغضوب عليها»، بالنظر إلى أكوام هياكل وجلود الحيوانات المعلقة أمام وعلى جدران المحلات والأقفاص التي تضم زواحف وطيور مختلفة، ما يجعل أصحابه ينسجون حوله عالما من الغموض اللهم إن لمسوا في الزائر بعض الجدية. دعوات ملحة لنسوة و«فقهاء» خصصوا لأنفسهم مجالس أثثتها خيام متراصة فيما بينها، أو «غرف محتشمة» أرخت ستارا بينها وبين الشارع العام، لمداراة نشاطها. «السالبة والمسلوبة والغالبة والمغلوبة والساكتة والمسكوتة...»، ليس هذا مقطعا من أغنية شعبية، بل هي أعشاب تستعمل في السحر والشعوذة ل «تركيع الرجال». «الثقاف» أول خطوة للحفاظ على الزوج «هذا خاصك تحشي ليه الركابي باش يشد الأرض» كانت هذه نصيحة إحدى المشعوذات بسوق «الجميعة» بدرب السلطان بالدار البيضاء، تبدو نابعة عن مهنية، بعد أن أكدت لها أني قصدتها بحثا عن طريقة لاسترجاع محبة الزوج الذي سلبته مني إحدى بائعات الهوى. قالت إن أغلب النساء اللواتي تستقبلهن يأتين إليها منكسرات غير أنها تلملم جراحهن فهي «طبيبة من نوع خاص». هدأت «ف» من روعي مؤكدة بأن المياه ستعود إلى مجاريها عقب إعداد وصفتها السحرية التي سرعان ما سيصل تأثيرها إلى الزوج الذي سيصبح ك«قط وديع» أمامي. ارتاحت لحديث العرافة « ف» جل أفئدة الزبونات اللواتي كن يستمعن إليها بشغف. كان كل الرجال في نظر العرافة «ما فيهم ثقة، العيالات نية وبحالك أبنتي كثار، الأغلبية معمرهم كانوا كيظنوا غادين يجيو هنايا، ولكن جاو، وضروري غادين يجيو لحينتاش الرجال الريح اللي جات تديهم». قبل أن تضيف أن الخطوة الأولى لقطع حبل العلاقات غير المشروعة للزوج المفترض هو «الثقاف»، ويعني تعجيزه عن معاشرة « العاهرات»، وستحتاج إلى صورة الزوج واسمه واسم أمه، وبطبيعة الحال اسم الزوجة «الضحية»، ولما تذرعت لها بأن صورة الزوج ليست معي استدركت قائلة إن ذلك ليس مهما، فالأهم هو ما أسمته ب«الملكية» أو «الزيف» أو «الشرويطة»، وكلها مرادفات لشيء واحد هو المنديل الذي ينظف به مني الزوج أثناء المعاشرة الزوجية، والذي قالت عنه «هو اللي فيه اللعبة وعليه كلشي»، غير أنها قالت إنها لا تحتاجه في «الثقاف» بل إنها تملك « ملكية» لشخص آخر ستستعملها للغرض حتى تكره الزوج في «الحرام». ولما سألتها عن المرحلة الثانية وهل يمكن الاكتفاء بالأولى أجابتني: «ما تزربيش نثقفو الراجل بعدا عاد نشوفو أشنو نديرو من بعد، ولكن من بعد غادين نشوفو» كيف نديروا باش تولي انت هي القلب والروح، ولا كلمة فوق كلمتك»، كان كل ذلك كلاما معسولا نزل بردا وسلاما على قلوب كل الحاضرات اللواتي قلن لي «توكلي على الله أنت باينة باقة غشيمة، احنا بعدا والله ما نحنو فيهم». وفي محاولة للانعتاق من قبضة الدجالة أكدت لها أني سأعاود زيارتها في أقرب فرصة ممكنة فقالت: « دخلتي دخلتي ما تمشيش بلاش وخا غير الكارطة ب 30 درهم»، ثم جذبت نحوها مائدة صغيرة مغطاة بمنديل أسود كانت تضع فوقها «وراق الكارطة»، وقسمتها إلى ثلاث مجموعات، وقالت: «قولي ها قلبي، هاتخمامي، ها باش يآتيني الله»، ورغم أن كل المعطيات التي أدليت بها كانت من وحي الخيال إلا أنها قالت أشياء من نسج خيالها أيضا ولا تمت إلى الواقع بأي صلة، وهو ما يعني أنها تختلق الأوهام وتبيعها للزبناء لا أٌقل ولا أكثر، من قبيل: «راجلك ما مزيانش، كيفسد بزاف» و«راه عندو شحال من وحدة في حياتو» و«راه عندك معاه وليدات» « راه يله مرض مؤخرا» « كاين هاذ الشي أولا ما كاينش» فطأطأت رأسي بالإيجاب رغم أن الذي قالته لا يمت إلى الواقع بشيء. مشعوذ و«حافظ 60 حزب» غير بعيد عن «الشوافة» الأولى عرض علي شخص آخر خدماته، كان يبدو من مظهره الخارجي أنه فقيه، وبالفعل أقر لنا بأنه من حفظة القرآن الكريم. كانت «غرفة العمليات» الخاصة به فسيحة نسبيا، وبها رائحة كريهة هي جزء من المواد التي يشتغل عليها. كانت الغرفة مرتبة، نسبيا، تضم كنبات مهترئة للجلوس وبعض الأوراق البيضاء التي طالها الاصفرار، ومادة «الصماخ» التي تستعمل في رسم خطوط ملتوية لا أول ولا نهاية ولا معنى لها. كان الفقيه الذي يبدو تقليديا في مظهره، رغم حداثة سنه، يرتدي جلبابا وطاقية، حفاظا منه على الموروث الثقافي الذي يربط بين الفقيه والجلباب، وربما يرى في لباسه نوعا من المصداقية. كان يتأبط لوحا كتبت عليه بعض الطلاسم التجريبية التي كانت تومئ بأشياء لا يفهمها غيره، قصصت عليه مشكلتي المختلقة مع الزوج «المزعوم» فأجابني مبتسما بأنني أحسنت الاختيار عندما لبيت دعوته، وقال: «جربي وغادة تشوفي بعينيك، هذ الشي اللي كنكول لك راه مافيهش الكذوب، ياك غير راجلك مشا فيها والله حتى يشد الطريق بزز منو»، بدأ يجمع المواد الأولية التي سيحتاجها في كتابة الحرز، وقبل أن يبدأ عملية التخطيط كان لا بد أن يتحدث عن نوعية الخدمة التي أريدها فقال: «قبل ما نبدا خصني نعرفك أشنو بغيتي تديري ليه، واش كلشي في مرة ألا تبقاي تجي عندي مرة مرة، ونبقاو معاه دقة دقة حتى يروم الطريق»، فطلبت منه أن يشير علي فأجاب: «خصنا أولا نثقفوه على الزنقة، لأن هذا الكتاب/ الحرز، غادي يكرهو في العيالات ديال الزنقة»، وإذ ذاك تأتي المرحلة الثانية التي هي «المحبة» التي قال عنها الفقيه إنها أمر بسيط وإنه سيجعل الزوج يهيم حبا بي، وأضاف أنه في حالة العجز عن إحراق الحرز داخل بيت الزوجية، مخافة أن يكتشف الزوج الأمر، فيمكنه شخصيا أن يحرقه وحدد الفقيه الثمن في 250 درهما فما فوق بالنسبة إلى «الثقاف» و«التباريد» ابتداء من 100 درهم، وهو يعني أن الزوج يصاب ببرود جنسي أمام أي تجربة غير مشروعة، و حرز «المحبة» ابتداء من 50 درهما. «العطارة» و« الشوافات» .. خدمات متبادلة نجاح الوصفة السحرية التي ستتم على يد «الشوافة» أو «الفقيه» لن يتم إلا بوجود الطرف الثاني في المعادلة، وهو «العراك» أو «العطار»، الذي له دراية واسعة في مجال الأعشاب التي تستعمل جنبا إلى جنب « الملكية». توجهت إلى أحد العطارة وطلبت منه مدي ب«الحضانة» فأخذ يشرح لي أنها تتكون من 18 عنصرا، وحين استفسرته عن أسمائها رفض لأنه شك في صدق نواياي قائلا: «ما كاينش شي واحد اللي ما كيعرفش الحضانة، ديال الزيف بوحدها، وديال الشمعة بوحدها». لكني تحايلت لأعرف أسماء عناصرها التي لا تخرج عن «الكبار، حب المشابك، السودانية، الورد، بنصر، زغيبات علو، حبة كري، الجاوي لبيض، البزار لبيض، شضوق الجمل، الغالبة، السالبة، الحجرة الزرقاء، الخزامة، الزعزاع، القرنفل». وهذه المواد قد تطبخ في إناء ويستعمل ماؤها كما قد تجمع في قارورة وتنضاف إليها مواد أخرى وتحرق، غير أن طريقة استعمالها تبقى وفق اختيار المشعوذة أو المشعوذ. كان كل العشابة بسوق «الجميعة» ينظرون إلى مرتادي السوق نظرات فاحصة متربصة، ويدعونهم بإلحاح لاقتناء كل المستلزمات التي لن تخرج عن السياق الذي يعمل فيه أغلب الحرفيين بالسوق، وهي عبارة عن نباتات أو جلود حيوانات أو بيضها أو عضو من أعضائها، مثل مخ الضبع وأجزاء من الغراب والعقارب السامة و... «مواد خطيرة» أيضا للسحر. ويتفنن أصحاب المهنة في استعمال «المنديل» بطرق متعددة غير أنها تصب في اتجاه واحد، فهناك طريقة الشمعة، التي يتم اختيار لونها وفق لون بشرة الزوج، حيث يدون عليها اسم الزوج والزوجة ويتم إشعالها إلى أن تذوب بشكل تام، وكلما احترق فتيل الشمعة وذابت كلما احترق قلب الزوج وذاب في حب الزوجة، حسب تأكيد أحد العطارة. كما قد يتم استعمال مواد أخرى مثل السيليسيون و«أسبرو وطابة وروح جافيل» وتمزج هذه المواد وتحرق في موقد «مجمر». وحين استفسرنا أحد بائعي العقاقير «دروكري» عن مادة «السيليسيون» أكد لنا أن عددا كبيرا من النساء يطلبنه إضافة إلى «الدوليو» ويكون طلبهن مقرونا بمواد أخرى هي «أقفال ومسمار الهند من الحجم الكبير» غير أن التاجر أكد أنه لا يبيع هذه المواد إلا لزبنائه من الحرفيين، وليس لأي حرفي بل إلى الذين تربطه بهم علاقة وطيدة، مؤكدا أن معرفته باستعمالات هذه المواد في السحر والشعوذة جعلته يتخذ الحيطة، علما أن بيعها لهؤلاء النسوة وغيرهن من المدمنين قد يضمن له مدخولا يزيد عن 1000 درهم في اليوم، غير أنه قال: «كما تدين تدان، إن أنا ساعدت النساء على إلحاق الضرر بأزواجهن فأنا أيضا يمكن أن ييسر أحد لزوجتي فعل ذلك والعكس صحيح، وضميري أصلا لا يسمح لي بذلك»، وأضاف في السياق ذاته: «كون الخوخ يداوي كون داوا راسو، هذاك الشي كله تخربيق، وكيغضب الله سبحانه وتعالى».