لم يكن يتوقع رشيد المناصفي، الذي رأى النور في 20 شتنبر 1966 من أب رباطي وأم سلاوية، في يوم من الأيام، أن يكون محققا خاصا، ولكنها تصاريف القدر شاءت له ذلك. غير أنه منذ حداثة سنه كانت لديه استعدادات فطرية لكي يصبح محققا، خاصة وأن أباه كان يعمل في سلك الشرطة مما جعله يعشق مهنة التحري. الساعة الواحدة بعد زوال يوم الثلاثاء (26 ماي 2009) يعود رشيد المناصفي إلى مقر شركته «....» الموجدة بمراكش، بعدما قام بمهمة تحقيق في قضية بمنطقة تحناوت. رشيد المناصفي ليس رجل أمن وليس عنصرا من عناصر الاستخبارات، ولكنه محقق من نوع متميز، محقق يعمل لحسابه الخاص بطلب من أشخاص ذاتيين أو معنويين. في ذلك اليوم، طلب منه بعض الأشخاص التحقيق في قضية تتعلق بنزاع حول أرض باعها أحد الأجانب ثلاث مرات لأشخاص مختلفين. يقول رشيد المناصفي: «ذهبت إلى عين المكان، وأخذت الصور، واستمعت إلى المعنيين بالأمر. لقد قمت بتحرياتي، ووجدت أن الشخص الأجنبي احتال عليهم وهرب. لذلك سأعمل كل ما في وسعي لكي أعرف، أولا، ما إذا كانت لهذا الأجنبي سوابق داخل المغرب أو خارجه، وما إن كان قد غادر المغرب أم مازال داخل ترابه. فإذا كان مازال موجودا بالمغرب فالأمر سهل جدا، إذ سأعمل على تحديد مكانه، وحينها سنقدم كل ما استطعنا جمعه من معطيات ومعلومات معززة بالصور إلى زبنائنا، وهم الذين يمكنهم بعد ذلك أن يقدموا تلك المعطيات إلى رجال الأمن». لم يكن يتوقع رشيد المناصفي، الذي رأى النور في 20 شتنبر 1966 من أب رباطي وأم سلاوية، في يوم من الأيام، أن يكون محققا خاصا، ولكنها تصاريف القدر شاءت له ذلك. غير أنه منذ حداثة سنه كانت لديه استعدادات فطرية لكي يصبح محققا، خاصة وأن أباه كان يعمل في سلك الشرطة. ويتحدث رشيد نفسه عن هذه الفترة من حياته قائلا: «منذ نعومة أظافري، كنت شغوفا بالسفر والمغامرات. كل ما كنت أشاهده على شاشة التلفزة كان يروق لي، ولكنني كنت أحبذ أن أخرج بنفسي لأتعلم من تجاربي. بمدينة القنيطرة التي ترعرعت بها، كانت لدي علاقات جيدة بالسياح الذين كانوا يأتون، من وقت إلى آخر، إلى شاطئ المهدية من أجل ممارسة رياضة ركوب الأمواج. وعندما بلغت العشرين من العمر، كان لي أول لقاء مع أوربا، حيث قضيت ثلاثة أشهر من العطلة بباريس. ولما رجعت إلى أرض الوطن، قررت أن أستعد للسفر لكي أرى باقي بلدان العالم. كبرت بمدينة القنيطرة وبها تلقيت تعليمي. بعد حصولي على شهادة الباكلوريا، تابعت دراستي بشعبة القانون باللغة الفرنسية بجامعة محمد الخامس بالرباط. وفي يوم 23 دجنبر 1989 كانت بداية المغامرة.. بداية التعلم والتدرب. فبعد قضاء عامين بالجامعة، اكتشفت أن الوقت قد أزف لكي أرحل لاكتشاف العالم الآخر. بدأت بجريزة إيبزا بجزر الباليار. وقد اخترتها لأني كنت أعرف صديقا لي هناك وبحكم احتكاكي بعدد كبير من السياح المتحدرين من هناك.. تمكنت من زيارة عدد كبير من الدول والبلدان». وبعد قرابة عشرين عاما قضاها بالمهجر، عاد رشيد المناصفي إلى المغرب ليؤسس شركة للأمن الخاص، ويعمل محققا خاصا بالرغم من أن التحقيق الخاص لم تعترف به السلطات بشكل رسمي، ولكنها تتغاضى عن ممارسة هذا النشاط. «هو ميدان جديد مثل الحراسة الخاصة التي لم يُعترف بها قانونيا بعد، وقريبا يمكن أن تصبح كذلك، ولكن التحقيق الخاص مازالت أمامه مدة طويلة من أجل أن يقبل. لأن التحقيق الخاص لم يتأصل بعد في ثقافتنا مثل البلدان الغربية»، يقول رشيد المناصفي. ليست هناك مواصفات خاصة يجب توفرها في المحقق الخاص، ولكن من المحبذ أن يكون المحقق ذكيا، وممتلكا لشبكة من العلاقات تمكنه من الحصول على المعلومات، والمهارة في جمع المعلومات وفي كيفية تحليلها، حيث يعتقد رشيد المناصفي أن مهنة المحقق الخاص هي مثل مادة الرياضيات، فالمحقق يقوم بتتبع خطوات الشخص المعني بالتحقيق، ويتحرى عنه ويجمع عنه المعلومات: أين يذهب؟ أين يأكل؟ برفقة من؟ وفي أي وقت؟ وأشياء من هذا القبيل. بعدها، يقوم المحقق بتحليل تلك المعطيات وتقديم الخلاصات إلى الشخص الذي طلب منه إجراء التحقيق. ومن هنا، يرى رشيد المناصفي أنه من المحبذ أن يكون المحقق قد عمل في السابق شرطيا أو دركيا، لأن هذه الوظائف تساعد كثيرا على اكتساب ملكة التحقيق. ليست هناك بذلة خاصة يلبسها رشيد المناصفي خلال التحقيق، بل يتخفى ويحاول التأقلم مع كل حالة على حدة ومع كل ملف ملف. يوضح رشيد قائلا: «اللباس يتغير حسب المهمة التي سأقوم بها والشخص الذي سأتكلم معه، وحسب المعلومات والمعطيات التي يجب الحصول عليه، قد ألبس بذلة مع ربطة عنق في حالة، وقد ألبس سروال جينز وأنتعل حذاء رياضيا في حالة أخرى، وأحيانا قد يلبس المحقق جلبابا، وقد يبيع السجائر بالتقسيط، أو يصبح حارس سيارات.. يجب أن يتأقلم المحقق الخاص مع الواقع الذي يحقق فيه، المهم أن يحصل على المعلومات». أي قضية مهما كانت يمكن أن تكون موضوع تحقيق، حسب رشيد المناصفي، ولكنه يعتقد أن حدودا يتعين على المحقق ألا يتجاوزها، فهو يتفادى، على سبيل المثال، التحقيق في ملفات تتعلق بالمخدرات والإرهاب. يقول: «أي جريمة من أي طبيعة كانت يمكن التحقيق فيها، وليست هناك حدود لعملية التحقيق، الذي هو جمع المعلومات والمعطيات، باستثناء القضايا الكبرى، مثل قضايا المخدرات والإرهاب، فهذه لا يجب التحقيق فيها». وعندما يتجاوز المحقق الخاص تلك الحدود فإنه سيجد نفسه في مواجهة مع السلطة. يقول رشيد المناصفي: «لدي عشرون عاما من التجربة، وشخصيا ليس لدي أي مشكل مع السلطة، لأنني بكل بساطة درست القانون وأعرف حدودي، وأعرف حدود السلطة. لدي علاقة ممتازة معها. هي علاقة تعاون واحترام والكل يعرف حدوده». حقق رشيد المناصفي في قضايا عديدة، ولكن أغرب قضية باشر فيها التحقيق كانت تتعلق بمصير فأر بعث به مغربي من فرنسا إلى المغرب عبر الطائرة، ولكن لم يصل إلى وجهته. يقول رشيد ضاحكا: «اتصل بي أحد الأشخاص وطلب مني أن أحقق له في اختفاء فأر، قمت بتحرياتي وتحقيقاتي، فاكتشفنا أن الفأر عوض أن يتجه إلى المغرب، وجد نفسه في باكستان». غير أن القضايا المتعلقة بالخيانة الزوجية هي القضايا التي يحقق فيها رشيد بشكل كبير، فهو على سبيل المثال يحقق في الوقت الحالي في ست حالات تتعلق بالخيانة الزوجية. ألا يعد هذا الأمر تدخلا في الحياة الشخصية للأفراد؟ سألنا رشيد المناصفي، فكان جوابه واضحا لا لبس فيه: «نحن نظل محايدين ونعمل كملاحظين، ولا نتدخل في الحياة الزوجية.. نقوم بتحرياتنا وبتسجيل ملاحظاتنا، ونخبر زبوننا بما رأيناه بدون زيادة أو نقصان وبدون كذب. إذا كانت هناك خيانة نخبره بها وإذا لم تكن نخبر بذلك. عندما يقدم المحقق الخاص تقريره إلى الزبون الذي طلب خدماته، فإن المحقق ملزم باحترام سر المهنة، فهو يلتزم أخلاقيا بعدم ذكر اسم الزبون أو مهنته أو أي شيء يتعلق به أو يحيل عليه. «أهم نقطة في مهنة المحقق الخاص هي العلاقة بالزبون وسر المهنة. عادة ما يكون المحقق الخاص منعزلا ولا يختلط بالناس كثيرا و«شاد التيقار». المحقق الخاص، كما تدل على ذلك تسميته، هو شخص يقوم بالبحث وجمع المعلومات وتحليلها لصالح شخص ذاتي أو شركة يكون لها الحق لوحدها في استغلال تلك المعطيات والمعلومات التي يجمعها» يوضح رشيد المناصفي. وغالبا ما يلجأ الأغنياء والشرائح الاجتماعية ذات الدخل الكبير إلى الاستعانة بخدمات المحققين الخواص، في حين أن الفقراء والشرائح الاجتماعية ذات الدخل الضعيف يستحيل عليهم اللجوء إلى طلب مساعدة المحققين التي يكون ثمنها باهظا. فعلى سبيل المثال، يشتغل رشيد المناصفي ب60 أورو فأكثر للساعة الواحدة، أي 600 درهم تقريبا. ولا يمكن لأي كان أن يدفع مثل هذا المبلغ، خاصة وأن التحقيق في قضية واحدة قد يصل، في الحد الأدنى، إلى عشر ساعات إذا كان الأمر مرتبطا بملف داخل نفس المدينة أو داخل المغرب، أما إذا كانت القضية تقتضي الانتقال إلى الخارج فالمقابل المادي للخدمات يصبح أكبر بكثير. ويقدر رشيد المناصفي الحد الأدنى الذي قد يحصل عليه في قضية واحدة ب7000 درهم، أما الحد الأقصى فلا وجود له، لأنه قد يصل في بعض الأحايين إلى الملايين.