كريم، ابن معتقل «سلفي جهادي»، سرق الشكولاتة، فأمضى ثلاثة أشهر في الإصلاحية المدة ذاتها أمضاها نور الدين، ابن سلفي آخر، في السجن بعدما تشاجر مع ابن حيه وتبادلا السب والقذف والضرب، أما أميمة، ابنة المعتقل محمد الشطبي، فغادرت الدراسة بعدما عجزت جدتها عن تحمل مصاريفها. هذه بعض نماذج أبناء معتقلي «السلفية الجهادية» الذين سبق أن اعتبرهم أحمد الرفيق، الملقب بأبي حذيفة، معتقل سابق في ملف السلفية الجهادية، «قنابل» موقوتة ستنفجر يوما ما إذا لم يتم استدراك الأمر. خلف القضبان لم يكن كريم يظن أن سرقة «الشكولاتة» ستقوده إلى الإصلاحية ليمضي ثلاثة أشهر مع الأحداث الجانحين، لم يغالب الطفل لعابه، وتمنى أن يتذوق كسائر رفاقه ما لذ وطاب من الحلويات، فكلفه ذلك قضاء مدة لا بأس بها بعيدا عن أسرته . تقول إحدى قريباته: «إن أبناء السلفيين يعانون أوضاعا اجتماعية صعبة، وجب الاهتمام بهم قبل فوات الآوان. إن السرقة سلوك يجب العقاب عليه، لكن ليس إلى درجة الحكم عليه بثلاثة أشهر، وبالمقابل ينبغي أن تهتم الجمعيات الخيرية بهذه الفئة لأنها لا تحظى بالاهتمام نفسه الذي يحظى به باقي أبناء السجناء الآخرين، إضافة إلى أن نظرات الاحتقار والازدراء الموجهة إلى هذه الفئة تنعكس على حالتهم النفسية». المدة التي قضاها كريم بالإصلاحية، هي نفسها التي قضاها نور الدين، وسبب ذلك تقول عمته فاطمة «تشاجر مع أحد أبناء الحي الذي نعته بابن الإرهابي، فوصفه ابن أخي باللقيط وابن الشارع، فدخلا في دوامة السب والشتم والضرب، فبلغ الملف القضاء الذي أصدر في حقه ثلاثة أشهر حبسا نافذا». فضلت عمة نور الدين رعاية أبناء أخيها على أن تزف إلى زوجها الذي مازال ينتظر مغادرة صهره السجن حتى ينعم بحياة مستقرة. تقول فاطمة وهي تبكي «منذ اعتقال أخي وأنا أعاني الأمرين، فابنه البكر فشل في الدراسة، ودخل إلى مركز التكوين المهني ووجد كل العطف من مديره، لكنه سرعان ما غادره بعدما علم زملاؤه بأن والده معتقل في إطار محاربة الإرهاب». «الاهتمام بموضوع «السلفية الجهادية» يقتضي الاهتمام بأسر المعتقلين وتسليط الضوء على محنهم ومعاناتهم، فهم يعانون أوضاعا نفسية مزرية، فكم من طفل يعاني من اختلالات نفسية بسبب العقد الذي خلفها اعتقال آبائهم»، تقول عمة نور الدين وكلها أمل أن يتلقى أطفال معتقلي “السلفية الجهادية” عناية خاصة من أجل التصدي لأي شعور بالحقد والكراهية قد يتولد لديهم. انقطاع عن الدراسة غادرت أميمة الشطبي (12 سنة) المدرسة بمدينة سلا، بعدما عجزت أسرتها عن تحمل مصاريف دراستها، وهجر بعدها جدها من أبيها المنزل من غير رجعة، لأنه عجز عن العيش مع أحفاده دون أن يساعدهم ماديا بسبب مرضه بالسكري الذي أقعده الفراش. منذ شهرين، استغل جد أميمة غياب كنته رفقة طفليها عن المنزل، فجمع حقيبته وخرج دون أن يدلهم على مكانه. تقول زوجته (65 سنة) التي عادت من إسبانيا بعد علمها بخبر رحيله، وهي تبكي: “لم أعرف إلى أين ذهب، وهو مريض، ولا يقوى على الحركة كثيرا فهمت أن سبب مغادرته المنزل جاء بعد توقيف إرسالي المال إليه من أجل أن ينفق على الأسرة”. عجزت الجدة عن الاستمرار في العمل في ضيعات وحقول الإسبان، لأن المشغلين يفضلون تشغيل النساء الشابات على تشغيل امرأة تجاوزت سن الستين. لم تجد أميمة، ابنة المعتقل محمد الشطبي، المحكوم ب20 سنة سجنا نافذا، وأحد الفارين من السجن المركزي بالقنيطرة، أي صعوبات داخل المدرسة، فلم يسبق لأحد أن عيرها ب«ابنة الإرهابي»، كما حدث لنور الدين، وسبب ذلك تقول أميمة: «ربما لأنني دائما أجيب صديقاتي كلما سألنني عن أبي بأنه مسافر إلى إسبانيا، لكن الأساتذة والمدير يعرفون أنه معتقل وكانوا يعاملونني معاملة جيدة، وتأسف مدير المدرسة على انقطاعي عن الدراسة». حبها للدراسة دفعها إلى أن تراجع مع أخيها الأصغر عبد الرحمان دروسه يوميا وتحب أن تقوم بدور المعلمة، وتتمنى ألا يغادر مثلها الدراسة، خاصة أن مدرسته حرمت من مبادرة مليون محفظة. عقد نفسية «الاهتمام بالوضع النفسي لأبناء السلفية الجهادية يجب وضعه ضمن أولويات برامج المهتمين بالطفولة، سواء رسميين أو غيرهم، لأن هذه الشريحة من الأطفال تدخل ضمن ضحايا أحداث 16 ماي الإرهابية التي خلفت ضحايا كثرا»، تقول زوجة نور الدين الغرباوي، المحكوم ب10 سنوات سجنا نافذا. مثار اهتمام زوجة غرباوي بالوضع النفسي مرده معاناة طفلتها، البالغة من العمر 12 سنة، التي تدخل في كثير من المرات في نوبات بكاء مستمرة، سواء داخل المدرسة أو خارجها، وتسأل في كل مرة عن أبيها وسبب اعتقاله. عادة بعد اعتقال أي معيل للأسرة تعاني الأخيرة من التشتت، ف«من زوجات المعتقلين من أفرغت من سكناها لعدم قدرتها على أداء واجبات كراء البيت، واضطرت إلى نقل أبنائها عند عائلة الزوج أو الزوجة مع ما ترتب عن ذلك من مشاكل انتهت في غالب الأحيان إلى المجهول»، حسب رأي عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، فإن هذه الأوضاع أدت إلى انقطاع عدد من الأطفال عن الدراسة، وكل هذا في غياب تام لدعم ومساندة جمعيات الطفولة والمرأة العاملة بالساحة، إضافة إلى “ما خلفته النظرة الناقصة والدونية لأبناء المعتقلين باعتبار نسبهم إلى من أدينوا وحوكموا على خلفية الأحداث، فلكم أن تتصوروا الأوضاعهم النفسية والاجتماعية» يضيف مهتاد. ويوضح رئيس جمعية النصير، في تصريح ل«المساء» أن عددا من أطفال المعتقلين اضطرتهم ظروف العيش إلى الخروج إلى سوق الشغل مبكرا، ومنهم من انحرف وساءت أخلاقه، ومنهم من جنح واقترف من الأفعال المجرَّمة قانونا، ما كان سببا في اعتقاله ليجد نفسه في جناح الأحداث بالمؤسسات السجنية، إلى جانب والده في جناح الكبار.