عمدت السلطات المحلية بفاس يوم الثلاثاء الماضي، في أجواء مغلفة بالسرية، إلى دفن 74 من الأطفال المتخلى عنهم توفوا في ظروف وسياقات مختلفة في مقبرة جماعية بمقبرة «فدان الغربة» بباب فتوح بالقرب من المدينة العتيقة. وفي الوقت الذي قالت فيه مصادر من قسم الشؤون العامة بولاية جهة فاس بولمان إن السلطات احترمت المعايير المعمول بها في دفن هؤلاء الأطفال، بإشراف الوكيل العام للملك باستئنافية فاس ومندوبية وزارة الصحة، أشار شهود عيان إلى أن عملية الدفن تمت بسرعة كبيرة وفي ظروف وصفت بغير اللائقة، داعين إلى فتح تحقيق في الموضوع. وقالت المصادر إن هذه القبور التي ستترك دون عناية لن يمر عليها إلا بعض الوقت فقط ليعاد استغلالها لدفن موتى آخرين فيها بعد إعادة حفر أجزائها العليا. وعمد المشرفون على عملية دفن هؤلاء الأطفال، وضمنهم طفلان مشردان لا يعلم عن هويتهما أي شيء، إلى دفنهم على شكل مجموعات ضمت، في قبر واحد، ثلاثة إلى أربع جثث، قبل أن يقرروا دفن ما تبقى في قبرين. وضم أحدهما، طبقا للمصادر، حوالي 40 جثة طفل، وكإجراء كفيل بإنهاء عملية الدفن بسرعة، وكذلك ربحا للفضاء في مقبرة «مجانية» تشرف بدورها على الامتلاء. وليست هذه هي المرة الأولى التي تعمد فيها السلطات إلى إحداث مثل هذه «المقابر الجماعية» للتخلص من جثث الأطفال المتخلى عنهم، والتي تم جمعها في قمامات الأزبال وفي أماكن خالية وفي بعض الزوايا المظلمة بالمدينة، بعدما تخلت عنهم أمهاتهم اللواتي حبلن بهم بطرق غير شرعية. فقد أشار أحد سكان حي صهريج كناوة، المحاذي لمقبرة «فدان الغربة» إلى أن السلطات تعمد، بين الفينة والأخرى، وفي فترات لا تتجاوز الشهرين، إلى دفن هؤلاء الأطفال في مقابر جماعية. وأقر مصدر بقسم الشؤون الداخلية بولاية جهة فاس بولمان بهذا المعطى، موضحا بأن السلطات المختصة تعمد إلى دفن هؤلاء الأطفال كلما امتلأ جناح خاص بهم في المستشفى الجامعي الحسن الثاني. وإلى جانب الظروف المحيطة بدفن هؤلاء الأطفال، فإن الأعداد الكبيرة التي تحتضنها مقابرها في كل مرة، تكشف عن تفشي ظاهرة الحمل غير الشرعي، وما يرتبط بها من التخلص من الابن بمجرد ولادته في أقرب فرصة ووضعه في قمامة أزبال أو في منطقة خلاء، ليواجه الموت وحده، قبل أن يعثر على جثته، إذا لم يصبح «مأدبة» لكلاب ضالة تعاني من الجوع. ويبدو أن الجهات المعنية قررت نقل المقبرة الجماعية لهؤلاء الأطفال إلى هذه المقبرة، بسبب ملء مقابر مجاورة، واستحالة دفنهم في مقابر «خاصة» نظرا للمبالغ المالية المرتفعة التي يبيع بها مالكوها القبور لعائلات المتوفين. ووجدت السلطات مقبرة «فدان الغربة» كفضاء أنسب لدفن هؤلاء لأنها مقبرة مجانية يشترط فقط للدفن فيها الحصول فقط على وثيقة من المجلس الجماعي تفيد بأن عائلة المتوفى تعاني من الفقر ولا تستطيع الأداء.