صدر عن مركز الجزيرة للدراسات كتاب جديد بعنوان «دارفور: من أزمة دولة إلى صراع القوى العظمى» من تأليف الكاتب والباحث وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية في السودان د. عبده مختار موسى. ويأتي هذا الكتاب في مرحلة دقيقة من تاريخ نزاع دارفور متعدد الأبعاد، ولاسيما بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير في الرابع من شهر مارس 9002. وبغض النظر عن مآلات القرار وتداعياته، تظل قضية دارفور تبحث دائما عن الحل الجذري من أجل إنسانها الذي يعاني من حرب مستمرة وآثار مدمرة وإقليم تحول إلى مسرح لصراع القوى الكبرى. مشكلة دارفور قد يصدق عليها القول إنها حتمية وإن انفجارها كان ينتظر اللحظة التاريخية المناسبة، فقد توافرت كل المعطيات والظروف الموضوعية التي تجعل منها أمرا لا مفر منه، ليس بحساب الصراع التقليدي الداخلي وحسب، بل وفق معطيات التفاعلات الإقليمية والدولية. فمشكلات دارفور على غاية من التعقيد والتركيب، وبمرور الوقت انتشر الوعي بحدة تلك المشكلات، خاصة مع ظهور نخبة متعلمة من أبناء الإقليم، فارتفعت أصوات المطالبين بالتنمية وتوفير الخدمات الأساسية التي تتمتع بها بقية أقاليم السودان، وإن بدرجات متفاوتة. لكن لم تجد مطالبهم الاستجابة الكافية أو الاهتمام اللازم من الحكومة المركزية منذ ستينيات القرن العشرين فبدأ التصعيد وانفجرت الأزمة تزامنا مع ثورة الاتصالات ونشأة الفضائيات واتساع دائرة استخدام الشبكة العنكبوتية وتوفر منابر دولية ومناخ سياسي عالمي غير قابل بأطروحات «التطهير العرقي» و«انتهاك حقوق الإنسان» و«الإبادة الجماعية» و«التهميش» و»الإقصاء» إلى غير ذلك. هذا الكتاب يسعى إلى وضع المشكل السوداني الأساسي في أبعاده الكاملة ويتصدى لجوهر الأزمة ويبحث في أسبابها الحقيقية. فهو يركز على ضرورة فهم طبيعة المجتمع السوداني وتركيبته، وهيكل القوى الفاعلة وعلاقتها بالتركيبة الاجتماعية، ودور النخبة السياسية وكيف أسهمت في تعقيد المشكلات الموروثة والمتراكمة. فتولدت أزمات لولبية كشفت هشاشة الدولة في السودان وبدأت تهدد استقرارها وتماسكها، بل وجودها. لا شك أن هناك اتفاقا على وصف النزاع في دارفور بأنه معقد ويحتاج إلى تفهم خلفياته وخلفيات التطورات الجارية في الإقليم وعلاقة تلك التطورات بالديناميات القومية والإقليمية والدولية، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب.