الرسالة التي بعث بها فؤاد عالي الهمة من منصة مهرجان خطابي في الشمال إلى الشباب المغربي، التي يشجّعهم فيها على فضح الفاسدين والمفسدين، بكل الوسائل والسبل المتاحة، بما في ذلك كاميرات الهواتف المحمولة، كما يفعل قناصو «يوتوب» و«دايلي موشن»، والذين يفضحون رجال حسني بنسليمان المرتشين، دليل آخر على أن المسؤولين في هذا البلد، «يشللون» أيديهم يوما وراء يوم من تحمّل أي مسؤولية لإصلاح الوضع المعوج في البلاد ويرمونها على عاتقنا نحن، مع احتفاظهم لأنفسهم بلقب «المسؤولين»! وهكذا، صار المواطنون المغلوبون على أمرهم مدعوين على سبيل المثال، إلى حماية أنفسهم بأنفسهم من اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق، بمُلازمة بيوتهم مع غروب الشمس، وعدم المغامرة بحمل الأشياء الثمينة عندما يتجولون في الشارع بالنهار، بعد أن استشرت السرقة والنشل، وصار واجبا على كل من تعرّض للسرقة أن يجمع تلابيب ملابسه بين أسنانه ويركض وراء اللص حتى يقبض عليه، ويذهب به إلى مفوضية الشرطة، ما دام رجال الأمن لا يستجيبون لنداءات المواطنين، إلا عندما تسيل دماؤهم على قارعة الطريق. وشوف تشوف! واليوم يأتي السيد فؤاد عالي الهمة، ليشجع الشباب على فضح المرتشين والمفسدين، في انتظار أن يأتي من ينصحنا بإقامة محاكمات لهم، وسط الساحات العامة، مثلما كان يحدث في العصور الغابرة، ما دامت محاكم المملكة، حسب ما يبدو، ليست صالحة للقيام بهذه المهمّة! وقد بدأنا نسمع مؤخرا عن إقامة محاكمات رمزية لبعض المسؤولين من طرف فعاليات المجتمع المدني. سوّلو غير محمد ساجد راه عاد دارو ليه واحد المحاكمة بحال هادي! إلقاء المسؤولية على عاتق المواطنين صار «موضة» لدى المسؤولين المغاربة، وأكبر دليل على هذا الكلام يتمثل بشكل واضح في تكاثر جمعيات المجتمع المدني بشكل كبير. هذه الجمعيات، وإن كان تناسلها شيئا محمودا، إلا أنه يعبّر في نفس الوقت، عن غياب واضح للحكومة على الساحة الاجتماعية، حيث صارت هذه الجمعيات من تقوم بتشغيل الناس، خصوصا في البوادي والقرى النائية، عبر خلق مشاريع صغيرة، تقي المواطنات والمواطنين الضعفاء من التسوّل، وتبحث عن إعانات مالية من الخارج، من أجل شقّ الطرق وتعبيدها، وحفر الآبار بحثا عن المياه، بينما الحكومة لا تفعل شيئا آخر غير توزيع الوعود على العباد، بخلق عشرات الآلاف من مناصب الشغل، لكن أحدا لا يرى أثرا لهذه المناصب الوهمية، وكأنهم يخلقونها على أرض المرّيخ! فماذا يمكن أن ننتظر من حكومة يقودها شخص اسمه عباس الفاسي، سبق له أن «ضحك» على ثلاثين ألف شاب مغربي في قضية «النجاة» الشهيرة، عندما كان وزيرا للتشغيل، أو بالأحرى وزيرا للعطالة! نحن بطبيعة الحال لا ننتظر منه شيئا، لكنه مع ذلك يصرّ على أن يكون رجلا معطاء، خصوصا عندما يقترب موعد الانتخابات. «عطاء» الرجل بطبيعة الحال لا يتجاوز إطار الوعود التي لا تجد طريقها مع الأسف إلى أن تصبح حقيقة! فقُبيْل الانتخابات التشريعية الماضية، كان حزب الاستقلال قد وعد الناخبين المغاربة بخلق مائتين وخمسين ألف منصب شغل إذا ما فاز في الاستحقاق الانتخابي، أي ما يعادل خمسين ألف منصب شغل كل عام، وهاهو حزب الاستقلال يقود الحكومة، وعوض أن يقضي على البطالة أو التخفيف منها كما وعد، تستمر هذه الأخيرة في ارتفاع مستمر! فلو كانت وعود هؤلاء المسؤولين وأحزابهم تتمتع ولو بقليل من المصداقية لقام عباس الفاسي بتشغيل ثلاثين ألف شاب الذين أسقطهم في فخ «النجاة» في العام الأول لتوليه «الحكم»، وأضاف إليهم عشرين ألفا آخرين، خصوصا من الدكاترة وحملة الشهادات المعطلين. لكن شيئا من كل هذا لم يحصل، فما زالت رؤوس هؤلاء تنبت البرقوق الذي تزرعه فيها هراوات قوات الأمن أمام مقر البرلمان، فيما ضحايا النجاة يتجرعون مرارة «الشماتة» في صمت قاتل، علما أن خمسة منهم انتقلوا إلى عفو الله انتحارا بسبب الفقصة العباسية! لذلك نقول لكم أيها السادة المسؤولية لا تنحصر في ارتداء بذلة أنيقة وربطة عنق فاخرة، والظهور على شاشة التلفزيون لتوزيع الوعود الفارغة. المسؤولية هي أن تعد وتفي بوعدك، أن تضع مصالحك الشخصية جانبا حتى تحقق مصالح الناس. لكن ما يحدث عندنا هو العكس، ونتيجة لذلك، نعترف لكم بأنكم حقا تتحملون المسؤولية كاملة، في كل هذه الكوارث التي نتخبط فيها بطبيعة الحال!