هي قصة تكشف كيف اختفى حي سكني بأكمله من الوجود بجرة قلم، ليباع مع منازله وقاطنيه في غفلة منهم، قصة انطلقت فصولها بعد شكاية تقدم بها مدير الديوان الحالي لرئيس الحكومة قبل أن يتفجر ملف غريب ينفلت من المساطر ونصوص القانون ومن المنطق، بعد أن حولت شهادة إدارية وثغرة قانونية حياة أكثر من 3500 أسرة إلى جحيم يعيشونه بشكل يومي في سيناريو يمكن أن تمتد تفاصيله ليكتوي بها آلاف المغاربة، ممن اشتروا عقارات وشيدوا عليها منازلهم دون تسوية وضعيتها لدى المحافظة العقارية أو على الأقل عمدوا للتثبت من حالتها. يستغرب المغاربة حين يطلبون استخراج شهادة إدارية بأنهم أحياء، لكن هذه الغرابة يمكن أن تزول مقارنة بتسليم شهادة إدارية جعلت حيا سكنيا يختفي من خارطة مدينة سلا بعد أن تم اقتناؤه بناء على شهادة سلمها عون سلطة وقائد ملحقة تشير إلى أنه أرض عارية. ثمن الشراء كان 14 درهما مقابل كل متر ضمن أربعة هكتارات آهلة بالسكان ثمنها الحقيقي يتجاوز 22 مليار سنتيم فارغة وأكثر من 100مليار مبنية لكنها بيعت ب62 مليون سنتيم. المثير أن هذا العقار ورغم طريقة اقتنائه التي أثبتت تحريات الفرقة الوطنية أنها تنطوي على نصب واحتيال واضحين، فقد تم التمكن من تحفيظه واستغلال هذه المسطرة من أجل استصدار حكم قضائي في مواجهة جماعة سلا بأداء تعويض للمشتري قدره 2.5 مليار سنتيم كتعويض عن ما اعتبر اعتداء على أجزاء من العقار من خلال شق طرق، وإحداث مرافق، علما أن هذه الأخيرة كانت موجودة منذ سنوات طويلة قبل أن تطير مع أكثر من 600 منزل اختفت بموجب شهادة إدارية. المتضررون جربوا الاحتجاج أمام المحاكم ومكاتب المسؤولين واستخدموا مكبرات الصوت لتعبئة آلاف الأسر التي حاول البعض سحب التراب من تحت منازل شيدت بعرقها، قبل أن تباشر الفرقة الوطنية تحقيقات قادت إلى خلاصات واضحة خلقت ارتياحا لدى المتضررين، خاصة بعد صدور حكم ابتدائي بأحقية الأسر في البقع قبل أن ينقلب الأمر إلى نكسة مفاجئة أمام محكمة الاستئناف بعد تعويم الملف وإغراقه من خلال قرار بطلب خبرات فردية على كل عقد، ما يعني حسب قول أحدهم «سير تضيم». الفرقة الوطنية وبصمات الاحتيال الفرقة الوطنية تدخلت في هذه القضية بعد تعليمات من نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسلا إثر توصله بشكاية من مدير ديوان رئيس الحكومة الحالي جامع المعتصم، الذي كان يشغل حينها منصب النائب الأول لعمدة مدينة سلا، وهي الشكاية التي تمحورت حول وجود عملية نصب في ملف عقاري، هم عقارا كان في ملكية شخص يسمى بن الصغير والذي قام ببيعه في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على شكل بقع أرضية وفق عقود عرفية يتوفر عليها المشترون. وحسب مضمون الشكاية التي فجرت هذا الملف فإن العقار تحول إلى تجزئة غير منظمة خلال الثمانينيات، وبعد صدور قانون التجزئات تقدم مالك العقار الأصلي سنة 1996 بطلب تسوية وضعيتها القانونية، وكانت تتضمن حينها 480 بناية مكتملة، ومجهزة بالماء والكهرباء والتطهير، فضلا على الأزقة، لكن المفاجأة حسب الشكاية حدثت سنة 2007 بعد أن قامت سيدة وعن طريق ابنها الذي لم يكن سوى جمال المنظري المحامي والمستشار ببلدية الرباط، وأمين عام حزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، باقتناء الرسم العقاري من الورثة وبمبلغ لا يتجاوز 14 درهما للمتر المربع في منطقة يفوق فيها ثمن المتر مربع 7000 درهم على أساس أنه أرض عارية، وفارغة من أي منزل. ثقب أسود تحريات الفرقة الوطنية انطلقت في البداية من المحافظة العقارية بسلا حيث تم التثبت بأن الأمر يتعلق بعقار مساحته الإجمالية تفوق 4 هكتارات يوجد بقبيلة عامر دوار العيايدة بسلا التي أصبحت تحمل اسم حي الانبعاث حاليا، كما تم رصد مسار هذا العقار منذ سنة 1969 إلى سنة 2006، وهي السنة التي اختفى فيها الحي إداريا، وظهرت فيها عقود بيع موثقة لفائدة أم المنظري لكامل العقار بثمن لا يتجاوز 62 مليون سنتيم هي قيمة بيع أربعة هكتارات تضم أزيد من 600 منزل و3500 أسرة.
ملياران هدية من القضاء الفرقة الوطنية قامت باستدعاء ممثل عن جماعة سلا للبحث في مضمون الشكاية المتعلقة بالنصب، ليؤكد بأن العقار البالغ مساحته 42 ألف متر مربع قد تم اقتناء رسمه من طرف سيدة سنة 2007 على أساس أنه أرض عارية، في حين أنها كان تضم تجزئة سكنية آهلة بالسكان، قبل أن تقوم السيدة نفسها، ودائما حسب تصريحات الممثل القانوني للجماعة، وعن طريق ابنها، بالضغط على السكان من خلال التعرض على رخص تعلية البناء، أو إضافة طابق وفق تصميم التهيئة، ليتطور الأمر بعدها إلى رفع دعوى قضائية ضد الجماعة الحضرية لسلا بمبرر قيام الجماعة بشق طرق وأزقة في أرضها «العارية»، والتي اقتنتها سنة 2007، علما أن المالك الأصلي والمستفيدين من العقار هم من أنشئوا تلك التجهيزات قبل سنوات طويلة، والمفاجأة الكبيرة أن السيدة حكم لصالحها بالفعل على تعويض قدره 3000 درهم عن كل متر مربع سبق وأن اشترته قبل شهور فقط مقابل 14 درهم والفضل يعود لشهادة إدارية قامت بمسح مئات المنازل من الوجود. مبلغ التعويض الإجمالي الذي حكم به وصل إلى 2.5 مليار سنتيم عن مساحة 8250 متر بدعوى أنها مساحة الأزقة والطرق، لكن الغريب أن مقتنية العقار تقدمت أيضا بطلب لإدارة التسجيل والتنبر تطالب فيها بتخفيض قيمة التسجيل، بمبرر أن الأمر يتعلق بأرض عارية تقع ضمن الفصل 96، وذلك بتطبيق قيمة 2.5على الأراضي العارية على أساس أنها ستقوم لاحقا بتشييد بنايات بها رغم أن العقار مبني بالكامل، وهو ما أثبتته نتائج خبرة عقارية أمرت بها المحكمة الابتدائية بسلا، أكدت بشكل لا لبس فيه أن العقار موضوع الدعوى هو عبارة عن قطعة أرضية تحولت إلى حي سكني اقتصادي مبني عن آخره به أزقة ومحلات سكنية متنوعة. نتائج هذه الخبرة وضعت على الرف من قبل القضاء الإداري الذي أمر بخبرة أخرى تقتصر على مساحة الأزقة والشوارع، وهي الخبرة التي تم على أساسها الحكم بأداء تعويض قدره 2.5 مليار سنتيم قبل أن تتدخل محكمة الاستئناف الإدارية وتقضي بإلغاء الحكم المستأنف وإرجاعه للمحكمة الإدارية بالرباط للبت فيه من جديد. بعدها توالت المفاجآت تباعا بعد أن وجد العقار طريقه للتحفيظ على أساس أنه أرض عارية، وهو ما يثبت أن المحافظة لم تقم بمعاينته، واكتفت فقط بالاستناد على الشهادة الإدارية التي تقول بلسان حال مسؤول في السلطة إنه فارغ ولا منازل فيه؟ الاعتراف لم يعد سيد الأدلة ممثل الجماعة أعلنها وبشكل رسمي أمام المحققين، وقال إن عملية اقتناء العقار تعتريها شكوك حول وجود عملية نصب محتملة بالنظر لعدد من الوقائع، ومن بينها أن مالكه الأصلي قام ببيعه على شكل قطع أرضية وفق عقود مسجلة لدى إدارة التسجيل، كما نبه إلى احتمال وقوع عملية تزوير لأن أحد الورثة كان بتاريخ عقد البيع نزيلا بالسجن، وأضاف أن الجمعية حصلت على إشهاد اتضح من خلاله أنه لم يقم ببيع حصته وأن العقد المحرر من طرف إحدى الموثقات في حقه هو تلفيق وتزوير. الاستماع إلى الورثة الذين قاموا ببيع العقار للمرة الثانية كشف جزءا من ملابسات هذه القضية الغريبة، بعد أن أكدوا أن سمسارا في مجال العقار تربطه علاقة بالمحامي والمستشار الجماعي، أخبرهم أن هذا الأخير يرغب في شراء نصيبهم على الشياع في العقار بحجة مساعدة السكان على سلك مسطرة التحفيظ بحكم أنه محامي وعلى علم بجميع الحيثيات القانونية، الأمر الذي جعلهم يوافقون ويلتقون بمكتب موثقة يقع مكتبها بحي أكدال. وأضاف الورثة أنهم فوجئوا بعقود البيع جاهزة ولا ينقصها سوى إمضاؤهم بعد أن حدد الثمن في ثمانية ملايين سنتيم للذكور، وأربعة ملايين سنتيم للإناث، وهي المبالغ التي لم تسلم إليهم إلا بعد انتهاء الموثقة من مسطرة التحفيظ ليتوصلوا بشكايات محررة بأسمائهم ليتم بيع الحي. شهادة الورثة لم تقف عند هذا الحد بل أكدت بأن المستشار الجماعي، وزعيم الحزب السياسي قام بمعاينة ميدانية للعقار ووقف على أن الأمر يتعلق بحي سكني آهل بالسكان، كما أضافوا بأنه وقت بيع نصيبهم على الشياع كانوا على علم بأن والدهم باع العقار. كيف «طار» الحي عناصر الفرقة الوطنية قامت بعدها باستدعاء الموثقة التي أكدت بدورها أن زعيم الحزب اتصل بها وأخطرها بأن والدته ترغب في اقتناء عقار، وأنه سينوب عنها في عملية الشراء، وأضافت بأنها اطلعت على ملف الرسم العقاري على مستوى المحافظة، فوجدت أن الأمر يتعلق بأرض فلاحية لتخطر زعيم الحزب بوضع العقار، وبأن قيمة تسجيله تحدد في 5 في المائة، ليطلب منها إنجاز العقود على أساس أنه سيقوم بتشييد بنايات في الرسم العقاري في أجل سبع سنوات، وذلك طمعا في الحصول على تخفيض رسوم التسجيل ال2.5 في المائة، هذا رغم العلم بأن العقار مبني بكامله، ولا توجد به سوى قطعتان فارغتان إحداهما مسجلة باسم مالكها، والثانية يعود تدبيرها لقاضي المحاجير. الموثقة حرصت على دفع أي شبهات جنائية أو جنحية قد تحوم حولها بعد أن أكدت أمام المحققين أن لا علاقة لها بالشهادة الإدارية التي تم على أساسها تحرير عقود البيع، ورغبة في تبييض صفحتها أضافت بأن عقود البيع تضمنت بندا يفيد أن المشتري ووالدته عاينا الرسم العقاري على أرض الواقع وقبلا به على أساس أنه أرض عارية. تحقيقات الفرقة الوطنية وقفت أيضا على مفارقة غريبة تمثلت في أن المشتري وعكس ما هو معمول به التزم في عقود البيع بأنه هو من سيؤدي الصائر والرسوم المترتبة عن عملية البيع، والتي يتحملها البائع عادة، غير أن المشتري الذي تمكن فعلا من الاستفادة من تخفيض رسوم التسجيل إلى 2.5 في المائة لم يؤدي بعد ذلك أي صائر بما فيها الضريبة على الأراضي العارية غير المبنية. التحقيقات كشفت أيضا عن مفاجأة تتمثل في اختفاء الشهادة الإدارية التي تشير إلى أن الأرض عارية من نسخ الملف المكون للرسم العقاري، سواء لدى المحافظة العقارية أو من قبل إدارة التسجيل بمدينة الرباط وفي ملابسات لم يتم توضيحها. رقبة تساوي 62 مليون سنتيم
بعد استدعاء المشتري للاستماع إليه من قبل الفرقة الوطنية المكلفة بجرائم الأموال ومواجهته بتصريحات الورثة التي تفيد بأنه عر ض عليهم شراء العقار لمساعدة السكان نفى ذلك، ووظف إمكانياته في المحاماة لتعويم أسئلة المحققين من خلال التأكيد على أن عقود التوثيق لا تتضمن ذلك، قبل أن يقدم تفسيره لشراء حي سكني آهل بالسكان على أساس أنه أرض عارية بالقول إنه اشترى الرقبة وليس ما عليها، وإن العقار عبارة عن 75 في المائة من البقع المبنية، في حين تبقى 25 في المائة عبارة عن بقع أرضية فارغة وطرقات. المحققون واجهوا المشتري بسؤال حول تحايله على إدارة التسجيل من أجل الاستفادة من تخفيض يجعل الرسم يهوي من نسبة 5 في المائة إلى 2.5 في المائة على أساس أنه أرض فلاحية غير مبنية، وذلك رغم معاينته للعقار والوقوف على أنه تجزئة سكنية تضم حوالي 400 منزل، بالقول إنه طلب الاستفادة من هذه التسعيرة المخفضة استنادا على وضعية العقار المسجلة لدى المحافظة العقارية التي تشير إلى أنه أرض عارية، رغم إدراكه بأن الواقع عكس ذلك. خلاصات عارية تحريات وتحقيقات الفرقة الوطنية خلصت إلى أن المشتري كان على علم بأن العقار هو عبارة عن حي سكني مكتمل البناء، ورغم ذلك عمد لشرائه بثمن 14 درهم للمتر المربع، في حين أن ثمنه يفوق حاليا 8000 درهم في استغلال واضح لوضعية العقار لدى المحافظة كعقار عار، بحكم أن الذين اشتروا القطع لم يقوموا بسلك مسطرة التحفيظ والتسجيل. ونبهت تحريات الفرقة الوطنية إلى أن زعيم الحزب السياسي ورغم إفادته بأن هدفه من اقتناء الرسم العقاري هو البقع الفارغة إلا أن «سوء نيته» جعله يقدم على اقتناء الرسم العقاري بأكمله من أجل «النصب والاحتيال» على الجماعة الحضرية، ومطالبة الدولة بالتعويض عن طرق كانت موجودة أصلا، وأيضا بهدف ابتزاز السكان عن طريق منعم من تسجيل وتحفيظ منازلهم وتعليتها. كما وقفت خلاصات التحقيقات التي باشرتها مصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على أن المشتري استغل والدته والامتياز القضائي الذي يتمتع به. غير أن كل هذه الخلاصات لم تنجح في فك خيوط هذا الملف المتشابك الذي حكم على حوالي 3500 أسرة بالتيه في المحاكم وبضياع صراخها في الوقفات الاحتجاجية، ليصبح مصيرها معلقا على نتائج الخبرات وقرارات القضاء.