«الموتى الذين لا نحسن دفنهم يعودون إلى أحلامنا مثل كوابيس مزعجة أحيانا» هي الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها كل من تابع اتهام عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، حميد شباط، ل«شهيد الاتحاديين» المهدي بنبركة بضلوعه في اغتيال «شهيد الاستقلاليين»عبد العزيز بن إدريس. طلبت من أحد أعرف الاستقلاليين بمفتش الحزب الأسبق بمراكش عبد العزيز بن إدريس وبخبايا المرحلة الدامية من تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال رأيه في اتهامات عمدة فاس للمهدي بنبركة بالوقوف وراء اغتياله في قرية تحناوت قرب مراكش. فصمت الرجل لحظة يسيرة، ثم أجابني: «شباط لم يعش تلك الفترة من تاريخ المغرب، ولم يعاصر المهدي بنبركة والشيخ عبد العزيز بن إدريس، وإن كان يتوفر على معطيات جديدة بخصوص حادث الاغتيال فليكشفها.. أقول لكل من يتهم بنبركة بالضلوع في الحادث: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، واكشفوا ما خفي عن الشعب المغربي من حقائق». قبل أن يتابع قائلا: «من العيب أن توجه مثل تلك الاتهامات إلى المهدي بنبركة رحمه الله الذي كان يكن احتراما كبيرا للشهيد عبد العزيز بن ادريس ويقدره حق تقديره، أو أن يتم إقحام اسمه، وهو القيادي الذي قدم خدمات جليلة إلى البلاد، في مثل هذه الملفات». ويؤكد مولاي العربي الزروالي: «صحيح لدينا خلافات سياسية، وكل فريق اختار طريقه بعد الانفصال في سنة 1959، لكن لا يمكن أن نغمط أي قائد من قادة حزب الاستقلال التاريخيين حقه، ونتنكر لتاريخه الوطني». وإن كان الزروالي يصر أشد ما يكون الإصرار على دفع «تهمة» الوقوف وراء اغتيال مفتش حزب الاستقلال آنذاك عن زعيم الاتحاديين، فإنه لا يستبعد تورط «مسؤولين محليين انفصلوا عن حزب الاستقلال». ويحكي الزروالي ل«المساء» عن واقعة اغتيال بن إدريس في ال 24 أبريل 1959، فيقول: «بعد الواقعة انتقلت إلى أوكايمدن بمعية المرحومين هاشم أمين ومحمد النتيفي والحاج بلعيد ومولاي الحسن البزيوي، حيث أطلعنا أحد الأصدقاء، استنادا إلى رواية شقيقه الذي كان حاضرا أثناء حادث الاغتيال، عن تفاصيل ما وقع ذلك اليوم»، مضيفا: «بعد إطلاع سيدي علال الفاسي بما انتهى إلى مسامعنا خلال زيارتنا لأوكايمدن، أمرنا بالإدلاء بشهادتنا أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط، وهو ما كان». بن إدريس وصراع الإخوة الأعداء «نحن نعرف من أمر بالمذبحة الشهيرة ضد الزعيم عبد العزيز بن ادريس، الذي كان الرجل الثاني بعد علال الفاسي، ومن قتل عباس المساعدي، ولا أظن أن حزب الاستقلال، الذي هو حزب وطني، يلجأ إلى إثارة هذه الملفات، ولكننا نضطر، في بعض الأحيان، إلى ذلك لأننا لا يمكن أن نتطلع إلى المستقبل ونحن نجر وراءنا ثقل الخمسينيات»، بهذه الكلمات يكشف شباط عن فصل جديد من فصول الصراع بين الإخوة الأعداء، الممتد على فترات طويلة من التاريخ السياسي والنقابي للمغرب. فبعد 4 أشهر من تاريخ انشقاق المهدي بنبركة، عبد الله إبراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي، وتكوينهم لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أقدمت مجموعة يتزعمها لحسن بن محمد بن الحسين باشوش، الملقب ب«السيكليست»، على اغتيال مفتش حزب الاستقلال بمراكش عبد العزيز بن إدريس، عند وصوله إلى قرية تحناوت بمراكش لإلقاء محاضرة. وبالرغم من أن التحقيق، الذي بدأ في 25 أبريل 1959 ولم ينته إلا في 22 يونيو 1961، أثبت ضلوع مجموعة «السكليست» المتكونة من 21 متهما، فإن أصابع الاتهام داخل حزب علال الفاسي ظلت منذ ذلك التاريخ متجهة إلى قياديي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. تصريحات شباط خلال المهرجان الخطابي، الذي نظمته مفتشيات حزب الاستقلال ومكاتب الفروع بفاس تخليدا للذكرى الخمسين لاغتيال بن إدريس، يوم الجمعة 24 أبريل الماضي، وإن كانت قد أعادت إلى الأذهان ملف الصراع الحزبي بين «الاستقلال» و«الاتحاد الاشتراكي»، فإن مصادر تابعت فصول ذلك الصراع، ترى أن «بن إدريس دفع نيابة عن الحزب، الذي كان يتهم في ذلك الوقت بالقيام باغتيالات، ثمن أخطائه»، وأن «إعادة النبش في موضوع قتل بن ادريس غير ذات جدوى، مادام الفاعل معلوما». أيا كانت حقيقة اغتيال مفتش حزب الاستقلال بن إدريس، فإن ما أثاره شباط من اتهامات نارية ضد الزعيم الاتحادي يبقى جولة جديدة من حروب طويلة خاضها الحزبان، منذ تاريخ انفصال رفاق بنبركة وتأسيسهم للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بيد أنها هذه المرة أيقظت الموتى من قبورهم، وكشفت أن جزءا من تاريخ مغرب ما بعد الاستقلال ما زال في حاجة إلى مزيد من النبش.