يروي الكولونيل عبد الله المنصوري، الذي كان ضمن آخر فوج لضباط المدرعات الذين تخرجوا من المدارس الفرنسية في نهاية الخمسينيات، أن عائلته دفعت ثمنا باهظا بسبب موقف ابنها في «إيكس ليبان»، وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد وعد العائلة بأن تسترجع كل أملاكها، لكن الموت عاجله. يقول المنصوري في حديثه إلى «المساء» إن حزب الاستقلال لم يستوعب أن يكون شقيقه محمد المنصوري قائدا من القواد العصريين في تاحناوت، قريبا من مراكش حيث كان الباشا التهامي الكلاوي. وخلال زيارة للمقيم العام الفرنسي لمراكش التقى بشقيقه وأعجب به واختاره لتمثيل القواد العصريين في «إيكس ليبان»، على أن يمثل الكلاوي القواد التقليديين، وعندما علم الاستقلاليون في مراكش بذلك، وبينهم محمد بنحمو وعبد السلام الجبلي، فكروا في معاقبة عائلته، فتشكلت لجنة تابعة لمفتشية الحزب بمراكش حكمت على والد المنصوري بمصادرة نصف أملاكه، بينما حكمت على ابنه محمد بثلثي أملاكه، بعدما وجهت إليهما تهمة الخيانة الوطنية دون أي دليل، إذ إن تهمة الخيانة كانت تلقى يمينا ويسارا للابتزاز. ويقول المنصوري إن الانتقام من شقيقه كان بسبب الموقف الذي عبر عنه في «إكس ليبان»، عندما طالب بعودة الملك محمد الخامس، وكذا بسبب علاقاته ببعض أفراد جماعة «الهلال الأسود» للمقاومة، التي كان حزب الاستقلال وجيش التحرير يحاربانها. تم إبلاغ والد المنصوري، الذي كان تاجرا كبيرا وحاصلا على الحماية الإنجليزية، بأن عليه أن يضع مبلغ 3 ملايين سنتيم في صندوق ضريح سيدي بلعباس، حتى لا ينكشف أمرهم، على أن يأخذوها هم بعد ذلك بتنسيق مع حارس الضريح الذي تم إخباره سلفا بالمهمة، لكن والد المنصوري رفض أداء المبلغ، فاعتقله الاستقلاليون مع ابنه، وصودرت أملاكه، وتم تكليف البراحين بأن يبلغوا الناس في الأسواق بأن أراضي المنصوري معروضة للكراء لمن أراد أن يتقدم لها. يقول الكولونيل المنصوري: كنت في فاس عندما سمعت بالخبر، فذهبت إلى الجنرال الكتاني، وشكوت له الأمر، فأرسلني إلى الكولونيل أبو الحمص، الذي حملني معه إلى الأمير مولاي الحسن، دخلت على الأمير ورفعت إليه شكواي، فنادى الأمير على مولاي أحمد العلوي الذي كان مديرا لديوانه وأمره بالاتصال بوزير الداخلية بن مسعود، فبحث هذا في ملف والدي ورد على الأمير: «إن ملف المنصوري فارغ»، فقام أحمد العلوي دون أن يرجع الخبر إلى الأمير وأمر بإطلاق سراح والدي، فأطلقوا سراحه بأمر من الداخلية، لكن حزب الاستقلال استشاط غضبا، فذهب علال الفاسي إلى محمد الخامس ليشتكي قائلا: «نحن نعتقل الخونة وأنتم تفرجون عنهم، فعاتب الملك الأمير وأعيد اعتقال والدي». ويضيف الكولونيل المنصوري بحسرة ومرارة وهو يستعيد شريط الذكريات، أن الكولونيل الدكالي، الذي كان مراكشيا أيضا ولديه علاقات عائلية مع المنصوري، أخبر الحسن الثاني بالموضوع في الثمانينيات، وأن الملك الراحل قال له «قل للمنصوري إنني أعرف أنكم متضررون ومظلومون وسيكون خير». وعد الحسن الثاني بحل المشكلة مع مشكلات أخرى معلقة من تلك المرحلة بعد عودة الفقيه البصري، لكن الفقيه البصري عاد إلى المغرب ولم يتم أي شيء، إلى أن مرض الملك الراحل وتوفي بعد ذلك.