لأن رصيدها المعجمي يتجاوز 12 مليونا و300 ألف كلمة، ويمكن اشتقاق أكثر من 95 مليون فعل فيها (نستخدم منها فقط 0,04 %). (قاموس أكسفورد يضم فقط: مليون كلمة 40 % منها مقترض/معجم الفرنسية مائة ألف كلمة، وهي مهددة بالانقراض، في حدود منتصف هذا القرن «Gradoll»)، وهو سبب «فوبيا العربية» لدى نخبتهم الحاكمة، وطابورها المحلي.. «غربان» اللغة العربية يشبهون عدميي الوطنية، يشيعون مناخا تيئيسيا محبطا، وذلك في «عدوان ثقافي-لغوي» تشرف عليه قيادة أركان استعمارية لحزب مفترس، رجعي وسري، متعدد الأذرع ومصاصات الدماء، وذلك في مواجهة: لغة عريقة، شاملة، موحدة وموحدة، محصنة ومحصنة، تعتبر أغنى «رأسمال غير مادي» في عصرنا، مرنة في الاقتراض والاستيعاب (من دوارجها ومن أخواتها ومن خارجها) تملك سوقا مباشرا من حوالي 400 مليون نسمة، وغير مباشر من مليار يستعملون حروفها، وأكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم يحمون ويقدسون كتابها الذي يربطهم إلى بعضهم ويربطهم إلى السماء (الكتاب المقدس الوحيد في لغته عالميا وراهنا) المرشحة لدور لغة كبرى خامسة (بعد الصينية، الهندية، الإسبانية والإنجليزية)، وقرائن ذلك متعددة: 60 مليونا يستعملونها في الشابكة حاليا بزيادة تصل إلى 2500 %، وهي الأسرع انتشارا في العالم الراهن، حتى مقارنة بانتشار الإسلام نفسه (كما كان الأمر قبلا في العصر الوسيط) والتي أظهرت نجاعة استثنائية، بل وريادة في الإعلام الفضائي الدولي، والأيسر في الترجمة الفورية بالنسبة إلى جميع اللغات السائدة، والوحيدة التي تسمح للأطفال والمراهقين الناطقين بها بالاتصال المباشر، ودون وسيط أو ترجمة، بنصوص تعود إلى 1500 عام (=عمرهم الثقافي عمليا). اللسان الفصيح هو، اليوم، الموحد عموديا للمكونات الجهوية والدينية والطبقية والقبلية والطائفية.. لكل شعب عربي على حدة؛ وهي وحدها اليوم، مع رصيدها الثقافي، من يوحد العربيات إلى بعضها والعرب إلى بعضهم؛ ولهذا هي محاصرة ومستهدفة بالحروب من قبل الاستعمار الجديد والصهيونية... وذلك بعد أن نجحوا، مؤقتا، في إشاعة التنافر الاقتصادي والبلقنة السياسية في الجغرافيا العربية، مشرقا ومغربا. لكل لغة عبقريتها الخاصة، وفضائل العربية أنها: 1) لغة انصهارية مكونة من سوابق + أواسط + لواحق، وهذه خاصية لا حضور لها في أية لغة من لغات العالم؛ 2) تكتب بدون حركات، وتقرأ بالحركات، أي أنها تقرأ بالدماغ وليس بالبصر، وهو أمر منعدم في اللغات الأخرى؛ 3) أصواتها تغطي كافة جوانب جهاز النطق، خلافا للغات العالمية التي تغطي أجزاء متفرقة منه؛ 4) تتكون من الجذور والوزن، والكلمة التي لا جذر ولا وزن لها، ليست من نظامها، وهذه أيضا خاصية لا توجد عند غيرها (الحناش)؛ 5) قابليتها الجبارة على التوالد والنمو الذاتيين، اعتمادا على قواعد رياضية بسيطة ومحدودة؛ و6) انضباطيتها ومنعتها الذاتية من خطر السقوط في ما يتهدد اللغات السائدة اليوم (الإنجليزية خاصة) من تضخم وفوضى سرطانية لمصطلحاتها. ما تحتاجه العربية، اليوم، هو نفسه ما تحتاج إليه جميع جوانب حياتنا العامة: الإصلاح، وفي المقدمة منه الإصلاح الثقافي، الديني، التربوي والأخلاقي... الحرب على الإصلاح هي ما يوحد الفرانكفونيين (حزب فرنسا) بالرجعيين المخزنيين، المحافظة على التقليدانية في اللغة والثقافة.. هو من صنو بقية الأصوليات الرجعية في الدين والريع والإدارة والسياسة... إن الرجعية (=الأصالة) هي الوجه الثاني للتبعية الفرانكفونية، والتي تصف نفسها زورا بكونها حداثة (=معاصرة). حزب أمريكا (في طور التأسيس مغربيا) لا يقل في هذا الصدد خطورة، رغم خطابه الذي يبدو فيه مدافعا عن العربية. إن خبث «الأخلاق اليهودية» (=التجارية) يقتضي منه لعب دور الطابور الخامس، وذلك لأجل التخريب من الداخل، من ذلك مثلا خلط بعض «رموزه» المحلية، بين اللغة وتراثها الأدبي (=الإيديولوجي)، تقربا منهم إلى الإسلامويين. ومحاولاتهم تفجير الألغام الثانوية، تفتيتا للإرادة الوطنية في مواجهة العدو الرئيس في الموضوع، ثم تشجيعهم لضراتها في: الإشهار، الإعلام، السينما والأدب (=الزجل، مثلا). الأمن الثقافي والسيادة اللغوية.. هما الأخطر اليوم في زمن العولمة الإمبريالية؛ ولا ديمقراطية ولا تنمية ولا علم.. بدون اعتماد اللغة الوطنية؛ واختطاف الأطفال وحرمانهم واغتصابهم لغويا في بعض روض الأطفال الممولة، كليا وبالمجان، من قبل الاستعمار الفرنسي، هو «جريمة ضد الإنسانية»؛ والعدوان اللغوي في الإدارة وفي الإعلام وفي الإشهار... على الفصحى، بالعاميات وبالحرف اللاتيني...، هو إرهاب روحي يفترض في المشرع أن يضمن تجريمه في «قانون الإرهاب». ترى، ما فائدة إنقاذ صناديق «الاقتصاد السياسي» إذا كانت صناديق الاقتصاد اللغوي والاقتصاد الثقافي والاقتصاد الأخلاقي... تستنزف، إلى أن نصبح شعبا مستباحا مستتبعا مشتتا..، بدون سيادة، بدون ذاكرة وبدون هوية.. مصائره بيد الاستعمار والصهيونية (؟!) وكل ذلك تحت لافتة الجهوية «المتقدمة» نحو الفيدرالية الإقطاعية.. سلب الثروات أهون كثيرا من استلاب الإنسان المواطن: تهميش لغته وتحقير ثقافته ومحو ذاكرته وامتهان ذوقه، وإفقار خياله وسحق هويته... في تقرير «المبادرة اللغوية للأمن القومي» الذي أمر بإنجازه بوش II )2006)، وذلك لمحاولة فهم مقاومة غزوهم للعراق، مقارنة بالورود التي استقبل بها «ربيعهم» في أوربا الشرقية، كانت خلاصة التقرير أن السر يكمن في: «إن اللغة العربية ذات طبيعة استراتيجية، بل ومصيرية»، ولذلك دعا التقرير إلى الاهتمام بها وتعلمها والاستعداد لمناهضتها. ومنذ ذلك، تضاعفت الحروب ضدا عليها، وضدا على ثقافاتها وكتابها المقدس وذاكرتها... وذلك مغربا ومشرقا، مع تكييف للطرق والوسائل حسب الأقطار وحسب خصوصيات الشعوب العربية، فقط؛ أما الهدف فهو نفسه بالنسبة إلى الجغرافية العربية جميعا. الاستعمار القديم كان «أرحم»، مقارنة براهن الاستعمار الهمجي والمتوحش، بالنسبة إلى قضايا الهوية والخصوصيات الثقافية والحقوق اللغوية... للشعوب المستضعفة والمقهورة.. خاصة منها العربية-الإسلامية اليوم. عبد الصمد بلكبير