موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطروحات حول المسألة اللغوية في المغرب (2/2)

لقد بادرت عموم فئات الطبقة الوسطى ونخبتها القائدة في الحركة الوطنية إلى مقاومة هذا الوضع في سياق مقاوماتها للاستعمار، وتمكنت فعلا وبتحالف مع القصر من إنجاز الكثير في هذا الصدد. ما أدى إلى إعادة اللحمة الوطنية والوحدة المجتمعية وذلك خاصة بجملة آليات وأدوات أهمها كان الإصلاح الثقافي-اللغوي وتأسيس المدرسة الوطنية وبناء الأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة ونهضة الأدب... مستعينة على جميع ذلك بمنجزات شقائقها في المشرق العربي... وتمكنت لذلك من تحقيق مرحلة من استراتيجية الحرية والاستقلال الوطنيين.
لم يكن خطاب «الازدواجية»، كما هو حاله اليوم أيضا، بالخطاب العلمي
أو الواقعي، إنه بالأحرى مخادع ومغشوش. ذلك لأن اختلال العلاقة بين المستويين في الاقتصاد والمجتمع والثقافة واللغة... لا يسمح بالتكافؤ بله التعايش والتضامن بل فقط بالهيمنة والسيطرة للأقوى على الأضعف، وهو ما كان وما يزال حاصلا اليوم بين المجتمعين واللغتين.. في جغرافية الوطن الواحد.
8- واليوم، نحن أمام جديدين مؤثرين في عصرنا:
أ-تعاظم أهمية العلم والثقافة.. في الإنتاج والمعاش ومن تم في السياسة مقارنة إلى دور الوسائط السابقة التي أضحت تقليدية في الإنتاج.
ب-تعاظم الصراع واحتدامه بين الرأسماليات الكبرى في العالم، الأمر الذي ينعكس بالسلب على الشعوب الضعيفة أو المستضعفة. وذلك من خلال استيرادها لتناقضاتهم ولصراعاتهم.. بما في ذلك خاصة حول السوق اللغوية...
ت-في جميع ذلك وغيره، لم يعد المستهدف للاستغلال وحسب، هو الأرض ما فوقها وما في باطنها أو قوة العمل البشري... بل الإنسان نفسه والأوطان كوعي وكذاكرة وكخيال وكأذواق وكسلوك... باختصار كثقافة ولغة وخصوصية أو هوية جغرافية وتاريخية.
إذا كان ذلك وغيره يعتبر حظا للتحرر وللتقدم في إطار إستراتيجية راشدة، فإنه على النقيض من ذلك يضاعف الفاقة الاقتصادية والبؤس الثقافي في إطار سياسة للتبعية. وهو ما يحدث حاليا وتؤدي عواقبه شعوب المغارب مضاعفا بما بلغ درجة الحرب الأهلية في الشقيقة الجزائر.
في هذا الإطار تلاحظ جملة أمور:
أ-محاولات الإمبريالية الأمريكية فتح دكاكين لها في السوق اللغوي المغربي وذلك على جميع مستويات التعليم بما في ذلك الأولي والمؤسسات الثقافية..
ب-محاولات الامبرياليتين الفرنسية والإسبانية الدفاع عن مصالحهما في المغرب بل وعلى مستوى وطنيهما.. وذلك بالرهان على المدرسة المغربية وخريجيها من الأطر والعلماء...
ت-في الحالات الثلاث وبدعوى تجفيف منابع الإرهاب المتمثل عندهم في القرآن الكريم، يتم تعاونهم جميعا على حرب اللغة العربية الكلاسية، وأيضا على العربية الحديثة أو الفصيحة.
ت-اصطناع التناقض ومن تم الصراع بين الفصحى وشقائقها من اللغات الإقليمية المغربية عربية كانت أو بربرية.
ث-محاولة اصطناع «لغة مغربية» هجينة وسوقية وغرائزية منحطة وذلك من خلال:
1-الإذاعات المحلية والتي يبدوا أنها لا ترخص، إلا تحت هذا الشرط.
2-الأفلام الممولة من قبل المركز السينمائي المغربي.
3-الأفلام المدبلجة من قبل التلفزة المغربية
4- عض الصحف المختصة في تشويه العربية، وبعض الصحفيين المأجورين والمبثوثين في بعض الصحف الخاصة (وهي ليست بالضرورة مستقلة).
5-التوظيف المطلق للقناتين الرسميتين لهذا الغرض.
6-الاختراق المتدرج لبعض البرامج المدرَّجة بما فيها نشرات أخبار القناة الوطنية الأولى نفسها.
7-محاربة «الأمية» بالدارجة (؟!)
8-الحرب الشاملة على الحرف العربي على مستوى الإعلانات واللافتات والواجهات التجارية.
9-تشجيع التعليم الخاص التجاري منه والأجنبي الاستعماري.
10-تكريس سيادة اللغة الأجنبية الفرنسية في الاقتصاد والإدارة والتعليم العالي العام والتجاري المغربي منه والأجنبي.
11-إبعاد اللغات البربرية عن تراثها من جهة وعن شقائقها العربية وذلك بتبني الحرف الفينيقي لكتابتها.
9- لا يقتصر التهديد في حقيقته على شعوب الجنوب المستضعفة وفي المقدمة منها العربية والإسلامية، بل إنه يعم الإنسانية جميعها بل والأرض كذلك.
إن الرأسمالية ونخبتها المنظرة والحاكمة... تتخلى تدريجيا عن إرثها الإنساني والحداثي-الديمقراطي... وفي سياق دفاعها عن مصالحها، تخرب الكثير في البيئة والطبيعة: الضجيج ? تلويث المحيطات والبحار والأنهار التصحر تناقص الغطاء والتنوع النباتي والحيواني ? ارتفاع الحرارة وثقب الأوزون.. إلخ.
وفي الاقتصاد: المضاربة ? الاحتكار، صناعة وتجارة السلاح، واصطناع الحروب ? والتبييض والتهريب ? وتجارة المخدرات والقمار والرقيق الأبيض... إلخ.
وعلى مستوى القيم الثقافية: شيوع النزعة الاستهلاكية ? احتقار العمل ? المتعة الغريزية ? سيادة الإعلان والدعاية وما يسمى بالثقافة الجماهيرية والتمييز القومي والعدمية والانتهازية والأنانية والنزعات الانتحارية...إلخ.
لا يتصل الأمر إذن وفقط على انتهاك الخصوصيات الوطنية وحق الشعوب في تقرير مصائرها وبناء دولها الحرة والمستقلة وذات السيادة... إلخ. بل إن المواطنين في الغرب يتعرضون هم أنفسهم لأزمات لا يبدو أن لتواليها حدا ستقف عنده.
إن الاعتداء على اللغات الوطنية والعدوان على الخصوصيات الثقافية هو جزء من عدوان اقتصادي ? سياسي شامل لنظام العلاقات الرأسمالية الظالمة في مراكزها والاستعمارية لأطرافها، إنها الأزمة أو الأزمات التي ينتجها الشمال وتصدر عواقبها بشكل مضاعف نحو شعوب ودول الجنوب، عساها تنقذه ليس على المستوى الاقتصادي وحسب بل والثقافي-اللغوي كذلك، وأيضا إعاقة نهوضها منعا لمنافستها المحتملة...
10- وبالنسبة للمغرب، فإن ما يعاني منه شعبه على المستوى الثقافي
اللغوي وبالتالي الاقتصادي? الاجتماعي والسياسي هو الفرنكوفونية وهي في منظور هذا البيان غير الفرنسية. وهنا يجب التوقف للتوضيح.
إن اللغة الفرنسية، كغيرها من لغات مختلف الشعوب، هي بالنسبة لشعبها مثل العربية بالنسبة لنا. ولا تناقض لذلك لدينا معها بل على العكس، إنها لغة تاريخية عظيمة لشعب عظيم وتحمل في ذاكراتها ونصوصها من القيم والخيرات الثقافية ما لا يمكن لعاقل أن ينكره. خاصة في عصري التنوير ثم الثورة الفرنسية، التي تعتبر أعظم حدث توجت به الإنسانية عصر حداثتها ودمقرطتها وإعلان حقوق الإنسان فيها.
أما الفرنكوفونية فهي أمر آخر تماما، إنها التوظيف الاستعماري للغة الفرنسية لا من أجل الحوار الحضاري والمثاقفة والتضامن ودعم الأقوى للضعيف وتسييد قيم الحرية والمساواة والإخاء... بل لأجل السيطرة والاستغلال وخلق وتأبيد وضع التبعية والاستضعاف.
إن شعوبنا هي اليوم أحوج إلى قيم وفضائل المؤسسين وبناة الثقافة الفرنسية ومن رموز الإنسانية التحررية من أمثال ديكارت فولتير ومونتسكيو وهيجو و... وأكثر من له مصلحة في ترسيخها وإشاعتها هم الناطقون باللغة العربية.. أما النخبة الفرنسية السائدة والحاكمة اليوم.. فهي أكثر من تخلي ويتخلى يوميا عن تلك القيم النبيلة، لا على مستوى علاقات الدولة الفرنسية بشعوب ودول مستعمراتها القديمة وغيرها... بل على مستوى علاقاتهم بمهاجريهم إليها وأيضا وبالأحرى بالشعب الفرنسي نفسه.
نعم إذن للغة والثقافة الفرنسيتين ولا الفرنكوفونية.
نعم للتعدد اللغوي والثقافي ولا للسيطرة والاحتكار اللغوي.
فنفتح نعم ولكن على جميع اللغات النافعة لا السجن بين جدران لغة واحدة، هي نفسها تعاني في ظل سيادة حكم بئيس من حالات تقهقر يومي في فرنسا وعلى صعيد علاقتها الخارجية جميعا.
«إن دولة تحتل أرض.. شعب آخر، لا يمكن أن يكون شعبها حرا»
11- إن الوجه الآخر للفرنكوفونية، والخصيم الثاني للعربية هو التقليدانية وذلك من حيث إنها تسوغها وتتكامل معها وتتوزعان بينهما الأدوار، إنها الازدواجية القاتلة مرة أخرى. اللغة الأجنبية للحياة العملية المنتجة في الاقتصاد والإدارة... والعربية للمحافظة على التقاليد الدينية والاجتماعية...
ارتبطت سيادة الفصيحة الكلاسية على الإدارة والعلم في الماضي بإصلاحها (ع. الملك بن مروان) ولولا ذلك لبقيت هامشية أمام لغتي الحضارة القديمة. وكذلك هو الأمر اليوم، لا يتصل وحسب بإحلال لغة مكان لغة دونما تأهيلها والاستعداد لإصلاحها.
إن المحافظ الحقيقي دائما هو المجدد، أما الخوف على العقيدة من ذلك فهو خطأ سيؤدي إلى ضياعهما جميعا. إن الذي يحفظ القرآن اليوم هم في أكثريتهم الساحقة غير عرب أصلا.
وهذا الأمر لا يعني بحال تأجيل التسييد إلى حين الإصلاح، إن شرط الإصلاح الأول هو إقحامها في الإدارة والمصنع والتعليم العالي والتقني... وانفتاحها خلال ذلك على جميع ما يمكنها الاستفادة منه. هذا فضلا عن الحاجة المستعجلة إلى تبني ما هو معروف ومطروح وموروث من اجتهادات ومقترحات بل واستعمالات وقع التخلي عنها في زمني التقليدانية قبيل وخلال التعرض للاحتلال الأجنبي.
عزل اللغة العربية عن الحياة الاقتصادية والإدارية... وعن البحث العلمي... ليس وحسب تهميش لها. بل هو اغتيال مع سبق الإصرار والترصد..
12- الأنكى في موضوع محاولات النفوذ والسيطرة من قبل الفرنكوفونية على شعوب الشمال الإفريقي وعموم مستعمراتها السابقة. أن يتم ذلك تمويلا على حساب مداخيلنا الوطنية الفقيرة أصلا، يقع ذلك في الاقتصاد والإدارة كما في التعليم والإعلام والثقافة... إن فرنسا التي تتفق على حماية لغتها ونشرها، أكثر مما تتفق على دفاعها الوطني. بل وتعتبر ذلك من صلب وفي المقدمة من جبهات الدفاع على سيادتها واستقلالها... لا تقتصر على ذلك، بل ترغمنا نحن ضحايا التبعية اللغوية لها والاغتراب الثقافي على «مساعدتها» في تمويل برامجها الإنقاذية تلك للغتها ولثقافتها أمام المزاحمة الدولية الشديدة وأمام تناقص أعداد الناطقين بها، ما ينعكس علينا في وجه ثالث أقبح هو استنزاف أطرنا بأبخس الأجور مقارنة إلى ما صرفته عليهم دولهم وشعوبهم وأسرهم من وقت ومن أموال.
إن هذا التقهقر اللغوي-الثقافي للفرنسية على الصعيد العالمي. يؤثر ويعكس في نفس الوقت التقهقر السياسي لنخبتها الحاكمة مقارنة إلى التراث التنويري والتحرري لفرنسا الحداثة والديمقراطية. إن صعود اليمين الفرنسي وتحكمه.. ارتبط بجملة تراجعات ذات طبيعة استعمارية وعنصرية (العودة لسياسة الأحلاف العسكرية الاستعمارية ? التراجع في المسألة الفلسطينية ? الموقف من الهجرة والمهاجرين ? التطرف العلماني ? التدخلات العسكرية في إفريقيا...إلخ) ليست الفرنكوفونية إذن بالسياسة الخاصة أو المعزولة عن استراتيجية تراجعية عامة حتى بالمقارنة إلى الإرث الدوغولي.
13-إن وضعيتنا اللغوية في ظل سيادة الاستعمار الجديد هي اليوم أسوء مما كانت عليه في المرحلة السابقة للاستعمار.
لقد كانت إدارة الحماية تحترم درجة ما من «الازدواجية، وتحفظ للمجتمع درجة من المنعة وحماية الخصوصية الثقافية... أما اليوم:
أ-لم تعد للإدارة الاستعمارية الجديدة أدوار تحديثية... بل تخريبية غالبا...
ب-أضحت الفرنكوفونية دعوة للنخب الاقتصادية ? السياسية الحاكمة وأكثرية من هم في صفوف «الإصلاحية».
ت-مخططات اصطناع وتعميق التناقض والصراع داخل اللغات الوطنية.. أضحت مضاعفة ومديرة بشكل منهجي وتدريجي وعنيف...
ث-تعليم البعثات بلغ درجة من الفساد ومن الإفساد، أمسى معه تهديدا وطنيا ماثلا: تدريس العربية الدارجة / نشر الانحلال والتشجيع على المخدرات... إفساد مسبق للنخبة المنتظر أن ترث سلطة الحكم وسلطة الاقتصاد.
ج-أما التعليم الخاص والذي كان «حرا» فلقد تحول عموما إلى «تجارة» يقلد حرفيا أحيانا تعليم البعثة الفرنسية.
ح-لقد بلغ الأمر حد اقتراف الجريمة، عندما يفرض على أطفال الحضانة والروض فضلا عن الابتدائي... أن يتلقنوا لغة غير لغة الأسرة والمحيط الاجتماعي. إنه اغتصاب ثقافي وجريرة بالنسبة للشرعة الدولية لحقوق الطفل.
(أين هي هيئة وجمعيات حقوق الإنسان ؟!)
14- الانقسام المصطنع والعمودي للشعوب والأمم على المستوى اللغوي-الثقافي.. يعتبر خطرا وتهديدا موضوعيا بالحروب الأهلية والتطهير البشري-الثقافي. والحال أن بلاد المغارب هي موضوعيا توجد في هذا الشرط وتستهدف لهذه الغاية وما حالة الشعب الجزائري الشقيق بالبعيدة عنا زمنا وجغرافية. ووطننا راهنا هو اليوم يعيش نوعا من الحرب الأهلية الثقافية الصامتة. وما ردود الفعل الدينية والسلفية وحتى المتطرفة والعنيفة سوى مظهر من ردود الفعل تلك أمام العدوان اللغوي-الثقافي الفرنكوفوني الغاشم.
إن التعدد الثقافي واللغوي للمغاربة هو إغناء لوحدتهم ولنوعهم الخاص في العالم. أما تعايش لغتين وثقافتين... فهو مستحيل عمليا وهو لذلك يستبطن صراعا موضوعيا حول السيادة وهو لذلك أيضا مرشح وفي كل لحظة للتصعيد نحو عنف الدفاع أمام عنف العدوان واضطهاده لمقومات وخصوصيات الشخصية الوطنية المستقلة وذات السيادة على أرضها وشعبها وإدارة دولتها واقتصادها...
15- إن أحد شروط التنمية الإنسانية هو محاربة الأميات وهذه لا يمكن أن تتم بلغة أجنبية، وأحرى إذا كانت ذات طبيعة استعمارية. ولهذا نعاين كيف أن وطننا وبعد أكثر من نصف قرن من استقلاله المفترض، لازال يحمل عار انتشار بل وسيادة الأمية بين صفوف شعبه خاصة نسائه وفلاحيه.
إن العواقب القبيحة لذلك لا تنعكس وحسب على مستوى الانتاج الاقتصادي والاجتماع والسلوك البشري... بل وعلى المسألة الديمقراطية نفسها أي مستوى مطامحنا في دولة الحق والقانون والمؤسسات... إذ أن انتشار.. في حالتنا، سيادة الأمية تعرقل ذلك ولا تسمح به. وتشجع على نقيضه... الاستبداد وفكر الخرافة والسحر وسلوك التواكل واحتقار الزمن والعمل والإنسان.
إن شعوبا غاية في الفقر بل ومحاصرة، تمكنت من القضاء على الأمية في صفوف شعوبها بلغاتها الوطنية وذلك في شروط أسبق وأسوء من شروطنا الوطنية الخاصة.
إن الشعوب الأمية، لا تستطيع في عالم اليوم أن تنافس.. وبالتالي أن تجد لها مكانا محترما في التوزيع الدولي للعمل والإنتاج... إلا ما كان من الاستجابة لحاجيات الآخرين، بما في ذلك القبيحة منها..
16- لا يوجد عيب في اللغة العربية نفسها يبرر تهميشها بل وحتى العمل على اغتيالها جميع اللغات مؤهلة موضوعيا للاستجابة لحاجيات ومطالب الإنسان في الاقتصاد والإدارة والمعرفة والعلم. المشكل إذا وجد، يكمن في الإرادة السياسية السيادية والحرة لإدارة الدولة والأمثلة حولنا أكثر من أن تحصى سواء بالنسبة للغات وقع إحياؤها من موات طال أمده أو لغات حديثة العهد بحياة.
لا علاقة للغة بالحداثة، لقد تمت هذه الأخيرة بلغات. والتحديث يتم اليوم بلغات أخرى، وذلك بصورة أنجع مما لو تم بلغاته الأسبق. بل إن المظهر الأول للحداثة، هو أولا سيادة اللغات الوطنية بما قد يقتضيه ذلك من تحديثها الذي يعني أولا وأخيرا استعمالها في الاقتصاد والمختبر والإدارة والتعليم بجميع أسلاكه.
إن اصطناع التناقض وحتى الصراع بين العربية والتحديث. لا يسقط في الفرنكوفونية وحسب بل وينتج تناقضا وصراعا مزيفين ومن تم اختيارا محرجا وفاسدا بين حداثة فرانكوفونية أو هوية تقليدانية. والحال أن الخيارين كليهما زائف وفاسد، إذ لا تناقض بين المحافظة على الخصوصية الوطنية وبين الحداثة إلا في شرط استعماري مفروض كما حال هو وطننا اليوم، أصالة هي في حقيقتها تقليدانية، ومعاصرة هي في حقيقتها استلاب وتبعية وفرنكوفونية. وهذه في الحقيقة هي إرادة الاستعمار واستراتيجته المدبرة لشعوبنا.
هذا مرة أخرى صراع عمودي لا يساعد على التقدم، بل بالعكس كما حصل عند جارتنا الشقيقة. يقسم النخبة ويعزلها عن مجتمعها، ويعزل المجتمع عن إدارة دولته، ويعزل الشعوب والدول العربية عن بعضها... إلخ والحال أن الخيار الأمثل هو الخيار الثالث الوطني والعلمي والديمقراطي، نقتحم تحديات الحداثة بمؤهلاتنا الذاتية الطريف منها والتليد المبتكر والموروث.. وأهمه اللغة الوطنية التي اختارها شعبنا لوحدته ولنهضته منذ قرون وأكدت في ذلك جدارتها ومردوديتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.