لم تكن انتفاضة قائد المقاطعة ال 17 بدرب السلطان بالدارالبيضاء ضد قرار تنقيله، مجرد حدث عاد. إنها سابقة بكل ما في الكلمة من معنى، لأنها تعني واحدا من رجال السلطة الذين يفترض فيهم الطاعة وتنفيذ كل الأوامر التي تصدر عن رؤسائهم، خصوصا حينما يتعلق الأمر بقطاع حساس اسمه وزارة الداخلية، التي اصطلح عليها بأم الوزارات، على عهد واحد ممن شغلوا حقيبتها على عهد الراحل الحسن الثاني، وهو إدريس البصري. لذلك رأى الكثيرون في هذه الخطوة، التي ستنتهي بإقالة هذا القائد لأنه راهن على إحداث ثقب غائر في منظومة، قد يكون لها ما بعدها، خصوصا وأن جيلا من الشباب اقتحم اليوم معاهد التكوين الإداري، هو غير الجيل السابق. غير أن انتفاضة قائد درب السلطان، والتي امتدت إلى اعتصام بداخل مكتبه، لن تكون هي الفريدة في انتفاضات عدد من رجال الدولة الذين أعلنوا غضبهم من قرارات المخزن. ومن هؤلاء ما حدث مؤخرا لقاضي العيون قنديل، الذي انتقد وزير العدل واتهمه بالفساد. وما حدث لواحد من ولاة أمن الدارالبيضاء، وهو السيد الموزوني الذي فضل تقديم استقالته على الاستمرار في القطاع. وما حدث أيضا مع قائد سابق بفاس، الذي أقيل لاتهامه ب» النزاهة». وهي الإقالة التي اختار أن يوثقها في كتاب، ويتحول بعد ذلك من رجل سلطة، إلى كاتب للقصة القصيرة. لقد ظلت السلطة مرتبطة بما يصطلح عليه بالعنف المشروع، الذي يحدده «ماكس فيبر» في «القوة التي هي طريقة أو فرصة الفرد بأن يفرض إرادته على الآخر، وجعل هذه الإرادة تنتصر في قلب العلاقة الاجتماعية». ويحدد السيطرة بأنها فرصة مصادفة أشخاص مستعدين للخضوع والطاعة. ففي كل سيطرة سياسية، هناك علاقة أساسية بين طرفين حاكم ومحكوم. وهناك أسباب متعددة تتحكم في هذه العلاقة مثل الاحترام، والخوف، والمنفعة، والانتصار والعرف. وفي المغرب، ارتبطت السلطة في ذهن الكثيرين بالقمع والشطط خصوصا خلال ما سمي بسنوات الرصاص، وتحديدا على عهد وزير أقوى وزراء داخلية الحسن الثاني، ادريس البصري. لذلك كثيرا ما ظلت أساليب الشطط في استعمالها من قبل عمال وولاة وباشوات وقياد طي الكتمان، قبل أن يتذوق بعض هؤلاء من شطط رؤسائهم. كما ارتبطت السلطة أيضا ارتباطا عضويا بمفهوم المخزن. والمخزن كمفهوم لغوي يعني خزن الشيء، أي الاحتكار له أو التفرد بالسلطة في التقرير بشأنه. وهو مفهوم يحيل على التركيز، ويجعل السلطة تطال المخزن بمفهومه العام، بما في ذلك مفهوم الدولة ذاتها. ومن ثمة ينصرف المعني المشاع في الرأي العام حول المخزن، الذي هو سلطة الدولة. فحيثما توجد الدولة يوجد المخزن. غير أن المثير هو أن ينتفض، من يفترض فيهم أن ينفذوا مهام المخزن، ضد المخزن نفسه، وضد «الحكرة» التي يمارسها أحيانا. وهي ثقافة جديدة بدأت تجد لها موطئ قدم، خصوصا أنه حينما جاء محمد السادس إلى الحكم، سيدرك أن هذه الأداة، التي تملكها الدولة، في حاجة للإصلاح بعد سنوات كانت فيها بيد طويلة تصل إلى الجميع ليس دائما بقوة القانون، ولكن برمزية هذا المخزن الذي لا قوة يجب أن تقف في وجهه. لذلك اختار في أكتوبر من سنة 1999 أن يحدد من خلال خطاب ملكي، ما المعنى الذي يجب أن تكون عليه السلطة. إن مسؤوليتها، يقول الملك، «هي أن تقوم على حفظ الحريات، وصيانة الحقوق، وأداء الواجبات، وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون». إنه «المفهوم الجديد للسلطة» الذي يجب أن يبنى على رعاية المصالح العمومية، والشؤون المحلية، وتدبير الشأن المحلي، والمحافظة على السلم الاجتماعي. وهي مسؤولية لا يمكن النهوض بها داخل المكاتب الإدارية، التي يجب أن تكون مفتوحة في وجه المواطنين، ولكن تتطلب احتكاكا مباشرا بهم، وملامسة ميدانية لمشاكلهم في عين المكان، وإشراكهم في إيجاد الحلول المناسبة والملائمة. هل وصل خطاب الملك لرجال السلطة هنا وهناك؟ ألا يمكن اعتبار هؤلاء الذين انتفضوا اليوم ضد سلطة المخزن، ضحايا فقط لأنهم سعوا لتطبيق هذا المفهوم الجديد للسلطة، أم أنهم أدوا ثمن سوء تطبيقه؟ في هذا الخاص عرض لبعض نماذج رجال دولة انتفضوا ضد المخزن. فيهم القاضي، القائد ورجل الأمن. قائد درب السلطان.. «ثائر» على قرارات الداخلية اعتقل قبل أن يصدر في حقه قرار العزل هي سابقة عرفتها وزارة الداخلية، أن ينتفض أحد قيادها ويختار الاعتصام بداخل مكتبه احتجاجا على قرار تنقيله من مقر عمله. إنه قائد المقاطعة 17بدرب السلطان بمدينة الدارالبيضاء، الذي لم يصدق أن يصدر قرار بتنقيله إلى مقر العمالة. لم يصدق لأن ما ظل يقوم به هذا الشاب، الذي عين بمنطقة شعبية لها الكثير من الخصوصية لأنها ترتبط بأكثر من سوق غير منظم، وإن كانت تتحرك فيه الملايين، كان عملا اسثتنائيا. لقد اعتصم هذا القائد بمكتبه، ورفض مغادرته احتجاجا على توصله بقرار نقله إلى مقاطعة أخرى. ولم يغادر إلا بتدخل عامل المنطقة، التي كان يشتغل بها القائد، حيث سييصدر أمره عبر هاتفه المحمول بإخلاء مكتبه ولو بالقوة. مباشرة بعد ذلك، ستتحرك مصالح الأمن لتوقف هذا القائد، قبل أن تصدر قرارا بعزله. المتتبعون لملف قائد درب السلطان يقولون إن قرار تنقيله جاء بسبب توالي الاحتجاجات ضده من قبل مواطنين اتهموه بالابتزاز، خصوصا في منطقة سوق الحفاري حيث تكثر أعداد الباعة المتجولين. في مقابل من يتحدث على أن قرار الإعفاء جاء بعد أن نجح هذا القائد في تنقية السوق، وفرض الكثير من الضبط على هؤلاء الباعة، الذين نظموا في أكثر من مرة وقفات احتجاجية ضد عملية التنظيم التي باشرها رجل السلطة هذا، قبل أن ينظم أنصاره، حينما قرر الاعتصام بداخل مكتبه، هم أيضا وقفات احتجاجية مساندة. نزل قرار العزل من قبل وزارة الداخلية. وتحرك القائد لإسماع صوته حينما حاول لقاء الملك، الذي تربص بموكبه وهو في الطريق إلى القصر الملكي، متنكرا في زي مدني. لكن مصالح الأمن ستبادر إلى إيقافه ووضعه رهن الاعتقال بكوميسارية درب السلطان. كان لا بد أن يتم عرض القائد على المجلس التأديبي، نتيجة رفضه إخلاء مكتبه بعد توصله بقرار تنقيله من نفوذ منطقة الفداء درب السلطان، تم استصدار قرار بعزله نهائيا من مهامه، ليتم تنصيب قائد جديد في المقاطعة المذكورة خلفا للقائد المعزول، وهو الذي تم استقدامه من مقاطعة درب الكبير. لم تنته حكاية قائد درب السلطان عند هذا الحد. لقد بادر المعني بالأمر إلى طلب التحقيق في الأسباب الحقيقية التي انتهت بعزله من سلك السلطة، بعد أن انطلقت العملية بتنقيله. لقد اعتبر هذا القائد أن تنقيله جاء للتضحية به بعد الحملة التي شنها في منطقة درب السلطان، والتي تعتبر مرتعا للباعة الجائلين الذين يشكلون «لوبيا» حقيقيا، يبسط سيطرته على شوارع وأزقة المنطقة، حيث يقدر حجم الأموال الرائجة في هذه التجارة غير المنظمة بمئات الملايين من السنتيمات. كما أعتبر أن تضرر تجار الفداء والقيساريات الكائنة بها من حملته، هي مبرر التنقيل ثم العزل، خصوصا وقد استطاع رجل السلطة هذا، تحرير جميع شوارع وأزقة المجاورة لقيسارية الحفاري، وكراج علال، والزنقة الشهيرة باسم زنقة الشمال، والزقاق الذي يمر أمام سينما الملكي وغيرها. كما فرض على المحلات الالتزام بالمسموح به أمام مساحة الدكاكين، دون التطاول على المساحات الموجودة أمامها من الملك العمومي وممرات الراجلين، التي يقال إنه يتم كراؤها لبعض هؤلاء الباعة. مهما تكن أسباب قرار تنقيل قائد المقاطعة 17 لدرب السلطان، قبل أن يتم عزله حينما رفض الامثتال لأوامر رؤسائه، فما أقدم عليه هذا القائد يعتبر سابقة. والمطلوب اليوم هو أن تباشر وزارة الداخلية تحقيقا نزيها في أمر ما يتداوله تجار المنطقة. هل تقرر تنقيله بعد اتهامه بالابتزاز، أم أن قرار التنقيل كان لجبر خاطر «لوبي» التجار بهذه المنطقة الحساسة من أسواق الدارالبيضاء. بالإضافة إلى أن انتفاضته، ثم قرار الاعتصام الذي أقدم عليه، لا يجب أن يشكل عنوان إدانته. فثقافة الاحتجاج يجب أن تقتحم أسوار أم الوزارات رغم صلابتها من أجل التفعيل الحقيقي للمفهوم الجديد للسلطة. قنديل.. قاضي العيون الذي انتفض ضد الرميد قال إن القاضي إما منافق أو جبان أو شجاع ونزيه على الرغم من أن إصدار العقوبات ضد بعض القضاة الذين تثبت في حقهم بعض الأخطاء، ليس أمرا طارئا على قطاع حساس اسمه العدل، إلا أن خطوة مصطفى الرميد ، وزير العدل والحريات، بتوقيف قاضي العيون في مستهل السنة الجديدة، شكلت حدثا اسثتنائيا بعد أن رفض القاضي الموقوف قرار الوزير، الذي اتهم القاضي محمد قنديل بارتكاب «أفعال مخلة بالشرف والوقار». وكان بلاغ لوزارة العدل والحريات قد تحدث عن إحالة القاضي المذكور على المجلس الأعلى للقضاء، نظرا لما نسب إليه من أفعال تعد إخلالا بالشرف والوقار. كما أشار البلاغ إلى أنه تقرر إجراء بحث تولته المفتشية العامة بالوزارة، للنظر في ادعاءات القاضي بشأن خروقات بالمحكمة الابتدائية بالعيون، مؤكدا على أن الوزارة ستتخذ الإجراءات اللازمة على ضوء نتائج البحث. نزل قرار توقيف القاضي محمد قنديل من قبل وزير العدل على خلفية كشفه لما وصفه ب»التلاعب الخطير في محاضر الجلسات» عبر «تسجيل صوتي»، يدور فيه الحوار بينه ورئيس المحكمة الابتدائية للعيون، إبراهيم الحارث، ويطلب منه هذا الأخير «إجراء تغيير في تاريخ رسمي لجلسة عمومية، برمجت في الثاني من شهر يونيو الماضي، وتمديد الموعد ل9 من الشهر نفسه». قال القاضي، محمد قنديل، إن الأمر»جريمة جنائية» يعاقب عليها الفصل 352 من القانون الجنائي، الذي يقضي ب»منع أي قاض أيا كان إجراء تغيير في وثيقة رسمية»، إضافة إلى أن الأمر الذي وجهه رئيس المحكمة يعتبر «غير أخلاقي»، حسب تعبير القاضي قنديل، الذي سيصف، بعد أن وصله خبر التوقيف، الوزير مصطفى الرميد ب»الرجل غير المحترم»، متهما إياه بالفساد، وبالذي يدعي ما ليس فيه، ولا يعلم معنى الوقار. واستنكر القاضي ما قام به الوزير، حينما قال إن هذا التوقيف» جاء كوسيلة ضغط من أجل إسكاته»، وأن «فساد الوزير» ظهر له عندما اعترف له الرميد بأن المحكمة الابتدائية بالعيون«فاسدة». غير أن «الرميد أوضح له أنه لا يمكن التعامل مع القضاة الفاسدين لحساسية المنطقة، وترك المجال للمفسدين ليصلحوا أخطاءهم». وأضاف القاضي أن الرميد كان قد أخبره كحل وسط بأن يختار أي محكمة يريد وسيعمل على نقله لها « في تغييب مطلق للمجلس الأعلى للقضاء»، بما معناه أن «الرميد هو المجلس» يقول القاضي. كما طالب القاضي قنديل، وزير العدل المصطفى الرميد بتقديم استقالته إن كان يريد الحفاظ على ماء وجهه. مضيفا بأنه لا يعترف بالمجلس الأعلى للقضاء في غياب رئيسه الفعلي وهو الملك محمد السادس، ملتمساً من الملك حضور جلسة المجلس الأعلى للقضاء، كي يعاين «محاكمة قاض لم يفعل شيئا سوى التشبث بوحدة التراب الوطني وتفعيل أوامر جلالته». لقد اعتبر قنديل أن ما قام به دفاع عن النفس، بعدما اتهم بالطيش واختلاس الأموال عقابا له على نزاهته. مضيفا أن الوزير لا يتردد في طلب التبليغ عن الفساد. لكن حينما قمت بذلك عاقبني. قبل أن يضيف أن الرزق بيد الله، وأنا لم أعتبر القضاء يوما رزقا، بل اعتبرته رسالة وإنصافا للناس. وكان القاضي محمد قنديل قد دأب على نشر مجموعة من الانتقادات التي يوجهها إلى المحكمة الابتدائية بالعيون، ومنها حينما قال إنه لا يشرفه أن ينتمي رئيس هذه المحكمة إلى المسؤولين القضائيين. كما قسم الجسم القضائي إلى خمسة أقسام، أن يكون منافقا، أو حاقدا أو حاسدا، أو جبانا، أو مثيرا للشفقة، أو شجاعأ ونزيها. قبل أن يضيف أنه أخبر الوزير بقوله «إنه لا يشرّفني الانتماء لجهاز فاسد. لكن الرميد، كما يقول قاضي العيون، رفض وطلب مني اختيار أي محكمة، بعد أن قال لي «لن أقبل الاستقالة، ولن افّط في قاضي مثلك». لكنك أرسلتني للتهلكة، يضيف محمد قنديل». هي معركة بين قاض ووزيره في العدل تبادلا الاتهامات فيما يشبه رهان القوة. ففي الوقت الذي يعتبر فيه الرميد أن قاضي العيون ارتكب خطأ يفرض عليه التوقيف في انتظار ما سيقوله المجلس الأعلى للقضاء، لا يتردد محمد قنديل في اتهام وزيره في العدل بالفساد ويطالبه بتقديم استقالته. عنبر.. قاضي محكمة النقض المثير للجدل قال إن الملك رفض التوقيع على قرار عزله مرتين رفض محمد عنبر، القاضي ورئيس غرفة بمحكمة النقض، والنائب السابق لرئيس نادي قضاة المغرب، أن يختار الصمت حينما تعرض لما اعتبره تعسفا في حقه بسبب المواقف التي أبداها من أجل استقلال حقيقي للقضاء. واعتبر عنبر أن ثمة جملة من الأسباب التي كانت وراء محنته، رغم أن الملك محمد السادس رفض التوقيع على العزل مرتين. لكن الوزير كان مصرا على ذلك. ومن هذه الأسباب، الموقف الذي عبرعنه بشأن إيقاف التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا. وهو الموقف الذي أزعج عدة أطراف من بينها وزارة العدل ووزارة الداخلية، والمخابرات المدنية. لقد انطلقت محنة هذا القاضي في العاشر من شهر شتنبر الماضي حينما تم اعتقاله من أمام باب محكمة النقض، وإخضاعه للاستنطاق دون الأخذ بالاعتبار صفته كقاض بعد أن حاول دخول مبنى محكمة النقض وتم توقيفه من طرف رجال الأمن المكلفين بالحراسة. أما السبب الذي أدى إلى زيادة تشنج علاقته بوزارة العدل فهو أن القاضي عنبر كان قد شارك في ورشة عمل مع قاض فرنسي حول تجميد المغرب لاتفاقية التعاون القضائي بين الرباط وباريس. قال عنبر في تصريح صحافي، بعد أن تفجرت قضيته: «إنني تعرضت صباح يوم الأربعاء 10شتنبر 2014 لانتهاك كرامتي واستقلاليتي كقاض بمحكمة عليا، واحتجاز تحكمي من طرف السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة الداخلية ووزارة العدل. فقد قام رئيس الدائرة السادسة لأمن حي الرياضبالرباط بمنعي من ولوج محكمة النقض لممارسة عملي القضائي وكرئيس غرفة بمحكمة النقض». مضيفا: «تم إبعادي عن المحكمة من طرف ستة عناصر من الأمن وحارسين من إدارة السجون، برفعي من أطرافي الأربعة ورمي بداخل سيارة الأمن. كما تم اقتيادي حوالي الساعة العاشرة صباحا للدائرة السادسة بحي الرياض، وتم حرماني من أي اتصال بالعالم الخارجي. وفي الساعة الواحدة ظهرا تقريبا تم اقتيادي إلى مقر الشرطة القضائية دون أن يتم التكلم معي بأي شيء. وعند ولوجي مكتب رئيس الشرطة القضائية في حالة احتجاز وبحضور رئيس دائرة حي الرياض، سألني رئيس الشرطة القضائية هل أريد أن أصرح له بشيء عما حدث فرفضت الإدلاء بأي تصريح مذكرا إياه بمقتضيات المادة 264 من قانون المسطرة الجنائية .فتم إدخالي لمكتب أحد عمداء الشرطة وتناوب على حراستي عدة عناصر للحراسة. فلم أكن أقضي حاجاتي الطبيعية إلا بمرافقتهم. قبل أن يتم إخلاء سبيلي على الساعة التاسعة والنصف ليلا». لقد سجل القاضي عنبر، بعد هذه الواقعة، ما اعتبرها «جملة من الانتهاكات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان أهمها عدم الأخذ بعين الاعتبار أية ضمانات قانونية لرجال القضاء، خاصة المادة 264من قانون المسطرة الجنائية مما يجعل واقع التعليمات يتحكم في حقوقهم وحرياتهم بشكل واسع ودون مرجعية مشروعة، وانعدام أي رقابة علنية لواقعة الاحتجاز في إدارة الشرطة، مع اتباع التعسفات بحجب المعلومة على أي وسيلة للإعلان، وقطع التواصل مع العالم الخارجي في جو يسوده السرية والكتمان، وفرضه على العاملين التابعين لإدارة الشرطة ليبقى لواقع التعليمات مجال واسع للتعسف انعدام أي آلية للرقابة على هذه الأعمال يعطي لأصحابها مجالا واسعا للتعسف والحماية من أي مساءلة مستقبلية. عجزي كقاض عن فرض احترام القانون وتعرضي للإهانة يجعلني في نظر المجتمع غير قادر على حماية حقوقه وحرياته، وهذا هو هدم استقلالية السلطة القضائية وتقويض أحد أهم ركائزها مما يجعلها ضعيفة وغير عادلة»، يقول القاضي عنبر . ويضيف القاضي عنبر أن ثمة أسبابا غير مباشرة هي التي دفعت وزارة الرميد لممارسة ما وصفه ب»الشطط منها أنه منذ إقرار دستور فاتح يوليوز 2011، ساهم في تأسيس جمعية نادي قضاة المغرب كجمعية عملت على فضح الحرس القديم في القضاء الذي يستفيد من الريع القضائي». بالإضافة إلى سهره على تقديم دعوى ضد وزير الداخلية السابق بسبب الشطط في استعمال السلطة وخرق مقتضيات الفصل 111 من الدستور الذي يعطي للقضاة الحق في تأسيس جمعيات مهنية. وتنظيم احتجاجات ووقفات لأول مرة في تاريخ المغرب بالبذل أمام محكمة النقض، وأمام وزارة العدل من طرف قضاة النادي. مع المساهمة الفعالة والجادة في النقاش حول استقلال النيابة العامة ليس فقط عن عضو الحكومة المكلف بالعدل، بل أيضا عن السلطة التنفيذية ككل. ومعارضة المسودتين اللتين وصفهما بالكارثيتين المتعلقتين بالقانونين التنظيميين للسلطة القضائية، وتنظيم وقفة كانت ستكون أمام مقر وزارة العدل منعت من طرف الإدارة الداخلية. وتوزيع مطبوع يتضمن مشروع مسودة القانون التنظيمي للسلطة القضائية على المحاكم والمؤسسات التشريعية والوزارية وعلى الجمعيات الحقوقية والمدنية من إنجاز تنسيقية محكمة النقض لنادي قضاة المغرب. وغير ذلك من المواقف التي تكون قد أزعجت وزارة المصطفى الرميد. «فنيش.. قائد مصاب ب«داء النزاهة أصدر رواية سماها «بالأبيض والأسود» ظل يونس فنيش، القائد الذي غادر وزارة الداخلية وأضحى كاتب قصة، يوصف من قبل زملائه بأنه مصاب بداء النزاهة. لكن خصومه من داخل « أم الوزارات» اعتبروه طائرا يحلق خارج السرب، لذلك كان لا بد أن يؤدي ثمن اختياره أن يكون رجل سلطة نزيه. هو أحد خريجي مدرسة استكمال تكوين أطر وزارة الداخلية المتواجدة بمدينة القنيطرة، والتي التحق بها بعد حصوله على الإجازة في القانون ليتخرج منها في نونبر 1996 كرجل سلطة في منصب قائد. كان أول منصب ستختاره وزارة الداخلية للشاب يونس، هو ولاية فاس حيث سيتم تكليفه بعدد من المقاطعات الإدارية كان أولها مقاطعة المشور، وآخرها مقاطعة النرجس. لم تشغله اهتمامات السلطة بكل جبروتها وإغراءاتها كثيرا. بل إنه راح يكتب الرواية حيث سيصدر رواية اختار لها عنوانا معبرا « بالأبيض والأسود». وفي عناوين هذا الأبيض والأسود، يوجد بحث عن الحقيقة، والمنبوذون، وعلي بابا والأربعون كذابا، وجنحة الحقيقة، ومغامرات السيد جونتي فريد، وزطاط، والحياة والموت، ثم كلام القائد. وبين صفحات هذه الحكايات نكتشف مجموعة من الحوارات بين فئتين متناقضتين من رجال السلطة. فئة فاسدة حتى النخاع، في مقابل فئة أخرى تطوق وتطمح إلى تأسيس جهاز سلطة جديد مبني على مبادئ التخليق والنزاهة والشفافية والمصداقية. وخلال مسار الرواية بكل فصولها يراهن الكاتب، الذي ليس غير رجل سلطة، على فضح الفساد الإداري المكرس من قبل الرؤساء المباشرين في سلك الإدارة العمومية التابعة لوزارة الداخلية. كان أول الجزاء هو أن يتعرض قائد فاس لعدد المضايقات، سواء من قبل رؤسائه المباشرين في مقر عمله، أو من الذين عملوا على تجييش حشد من الشيوخ والمقدمين للإضراب عن العمل مع القائد فنيش وعدم الالتحاق به، ليباشر بمفرده أمور المقاطعة الإدارية المسنودة إليه، والمتكونة من ما يقارب 9000 نسمة. بعد ذلك سيعيش هذا القائد رحلات ذهاب وإياب بعد الاستدعاءات المتتالية والمتكررة التي كانت توجه له من قبل الكتابة العامة للولاية لاستفساره بخصوص إصداراته ومطالبته بتقديم شروحات كتابية حول الدواعي والأسباب التي حفزته للقيام بنشر إصداراته الفاضحة للفساد. غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ تمت دعوته ذات مرة إلى مقر الولاية لتتم مخاطبته بأسلوب مهين:» احط سوارت الدار، وسوارت الطونبيل وسير بحالك أنت ما بقيتيش قايد». وتتم مطاردته في دهاليز الولاية أمام مرأى ومسمع كل المواطنين الحاضرين. وفي نهاية المطاف، سيتسلم رسالة من لدن مسؤوليه المباشرين مفادها أنه معزول من سلك رجال السلطة. لم يجد يونس فنيش، القائد الذي صدر في حقه قرار العزل، بدا من اللجوء إلى القضاء بحثا عن الإنصاف، حيث تقدم بطلب للمحكمة الإدارية بالرباط بالطعن في القرار. هذا القرار الذي شابته مجموعة من الخروقات شكلا وجوهرا جعلته يتسم بالظلم والتعسف والشطط في استعمال السلطة. لأن سلطة التعيين هي التي كفل لها القانون إمكانية العزل، بعد ضمان كافة حقوق الموظف المعني بالاستماع إليه وعرضه أمام أنظار مجلس تأديبي محايد. كما أن القرار صدر عن جهة غير مختصة مادام لم يصدر به ظهير، على أساس أن تعيينه السابق في صفوف رجال السلطة، تم بمقتضى ظهير صدر باقتراح من وزير الداخلية تفعيلا لما ينص عليه الفصل 20 من ظهير 038-63-1 المؤرخ في فاتح مارس من سنة 1963 بشأن النظام الأساسي الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2629 الصادر بتاريخ 15 مارس 1963. ستصدر المحكمة الإدارية بالرباط في سنة 2004 حكمها بإدانة وزارة الداخلية من جراء تسرعها بعزل القائد يونس فنيش بمجرد رسالة صادرة عن ولاية فاس. واعتبرت المحكمة أن القرار كان مشوبا بعيب الشطط في استعمال السلطة. مطالبة إياها بالتراجع عن هذا القرار الجائر. غير أن هذه الوزارة ستعمد إلى طريقة أخرى للتنفيذ، حيث ستوظف المعني بولاية الرباط ليس كقائد ولكن كمتصرف مساعد هذه المرة. إلا أنه في أبريل 2007، ستتضافر الجهود على مستوى وزارة الداخلية لاعتبار يونس فنيش موظفا شبحا بغية التخلص منه نهائيا. هي حكاية لا تشبه بقية الحكايات، لأنها كشفت كيف أن سلطة وزارة الداخلية تشتغل وفق نظام أشبه بالنظام العسكري، الذي يعتمد أساسا على مبدإ تنفيذ الأوامر التي تصدر عن الرؤساء. الموزوني.. والي الأمن الذي استقال احتجاجا على تنقيله تم تنقيله إلى زاكورة بسبب غضبة ملكية لا يخفي الكثير من رجال الدرك والأمن أن كل زيارة ملكية، هي بمثابة اختبار من نوع خاص تشكل فيه عودة الملك محمد السادس إلى عاصمة ملكه بدون غضب، عنوان النجاح. وفي مدينة عملاقة كالدارالبيضاء، كثيرا ما تسببت غضبة الملك في تنقيلات تأديبية، كما حدث مع المصطفى الموزوني، الذي تم تنقيله إلى زاكورة بدون مهمة. أما السبب فهو أن أحد المهاجرين المغاربة المقيمين بايطاليا، قام برشق الملك محمد السادس بظرف أصفر به مجموعة من بطاقات التعريف الوطنية. لقد كان الظرف يحتوي على قطعة من فئة 10 دراهم، أراد الشاب أن تثقله ولكي لا يسقط أرضا بفعل الرياح، إلا أن الظرف أخطأ العنوان، وأصاب الملك في وجهه مباشرة وبقوة بالقرب من عينه. مما جعل الأجهزة الأمنية تستنفر قواتها بعين المكان التي عمدت إلى البحث عن أصحاب بطاقات التعريف الوطنية، وفتحت تحقيقا مع أكثر معهم عشرة أشخاص، حيث اتضح بعد التحقيق، أن المتربصين بالملك سعوا للاستفادة من «الهبات» الملكية، بعدما استفاد منها عدد من أبناء جيرانهم. لكن حينما تم اعتقال هؤلاء الشبان، كانت ولاية أمن البيضاء تغلي من الداخل، خاصة أن الإدارة العامة للأمن الوطني، ومسؤولي أمن الملك، اعتبروا أن الحادث، وإن كان غير مقصود، ولم تكن فيه خطورة على حياة الملك، إلا أن تمكن شخص من قذف شيء باتجاه الملك دون أن يتم رصده، يعتبر خطيرا، ويظهر تراخيا كبيرا من طرف المسؤولين الأمنيين. وهو ما عجل بتنقيل مصطفى الموزوني، إلى مدينة زاكورة، كقرار عقابي. فيما تم تنقيل رئيس المنطقة الإقليمية لأمن أنفا كذلك إلى مدينة فكيك، لنفس السبب، خصوصا وأن الإدارة العامة للأمن الوطني بعد تحقيقها في الحادث، حملت المسؤولية للموزوني ورئيس أمن آنفا. سيرفض مصطفى الموزوني، والي أمن الدارالبيضاء السابق، ومسؤول المنظمة الدولية للشرطة «الأنتربول» بالمغرب، ونائب رئيسها آلأسبق والذي أعفي في 17 غشت 2011، من مهامه، قبل أن يتم تجميد وضعيته المهنية، مدة فاقت السنة، قرار إدارته. لذلك سيقدم بعد ذلك على طلب الموافقة على استقالته من سلط الأمن الوطني، أو إحالته على التقاعد النسبي. وهو القرار الذي ستوافق عليه إدارة بوشعيب الرميل، ليختار بعد ذلك تجريب السياسة، حيث قرر الالتحاق بالحزب الجديد «حزب الديمقراطيين الجدد، الذي أسسه الأستاذ الجامعي محمد ظريف.