قبل أسابيع، خصّصت القناة الثانية حلقة من برنامج «مباشرة معكم»، لمناقشة موضوع «عزوف الشباب عن السياسة»، وكأن الذين اجتازوا مرحلة الشباب يهتمّون بها، والحال أن أغلبية المغاربة لم يعودوا يهتمون بالسياسة، وحتى القلة القليلة التي ما زالت تذهب إلى صناديق الاقتراع، يتناقص عددها بعد كل دورة انتخابية، ليس لأن الناس تعبوا من السياسة، وإنما لكون السياسيين في هذا البلد، هم الذين جعلوا المغاربة يكرهونها، بعد أن استغلوها خير استغلال، أو بالأحرى شرّ استغلال، من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية، والوصول إلى مناصب تدرّ عليهم أجورا سمينة على رأس كل شهر، وتعويضات بلا نهاية. وبعد أن حققوا مرادهم، رموا كل «المبادىء» و«القيم» التي كانوا يؤمنون بها خلف ظهورهم، وجلسوا يتفرجون علينا ويضحكون، ومع ذلك يريدون منا أن نهتمّ بسياستهم. فمتى سيفهم هؤلاء السياسيون أن المغاربة لم يعودوا يرضعون أصابعهم. ومتى سيفهمون أننا لم نعد أطفالا صغارا. ومتى سيدركون أن الجواب الوحيد الذي ينطق به أي مغربي تسأله عن عدم اهتمامه بالسياسة هو أن المؤمن الحقيقي لا يُلدغ من الجحر مرتين! وحتى لا نكون سذجا، فالسياسيون المغاربة في واقع الأمر لا يهمهم إن كان الشباب المغربي أو المغاربة عموما يهتمّون بالسياسة أم لا، وإنما الذي يهمّهم بالتحديد هو أن يهتمّ الناس بالمواعيد الانتخابية فقط، ويشاركوا في عملية التصويت بكثافة، حتى لا يصبحوا أضحوكة أمام أنظار العالم، خصوصا وأن الخلاصة الوحيدة لعدم إقبال الناس على صناديق الاقتراع، هو أن السياسيين لا يتمتعون بأية مصداقية! ولهذا السبب بالتحديد، نرى السياسيين يخرجون هذه الأيام من «جحورهم» واحدا تلو الآخر، يأتون إلى التلفزيون كي يناقشوا ويتساءلوا عن الأسباب التي تجعل الشباب عازفين عن السياسة، ويتكلفون بمصاريف الجنائز، ويقيمون حفلات لختان الأطفال الصغار، ليس حبا في سواد عيون المغاربة، بل لأن هذه الفترة بالتحديد، هي «موسم الحرث» بالنسبة لهم، يدوم شهرين أو ثلاثة، ليأتي بعده «موسم الحصاد»، والذي يدوم خمس سنوات كاملة، يحصدون فيه ثمار الوعود الفارغة التي زرعوا، ونحصد نحن الريح! فلماذا سيهتم الشباب بالسياسة إذن، ما داموا يرون ألا فائدة من ذلك. ولماذا سيهتمون بها، وهم يرون الانتهازية والوصولية تشعّ من عيون السياسيين. ولماذا سيهتمون بها وهم يرون الأحزاب السياسية المغربية تدير ظهرها للشعب، بعد أن وصلت أخلاق أصحابها إلى الحضيض، حيث يغيبون عن الساحة بعد سماع النتائج النهائية للانتخابات، ولا يظهر لهم أثر إلا عندما تقترب الانتخابات التي تليها، ليكيلوا التهم لبعضهم البعض، ويستخرجوا جثث الموتى من القبور ليتخذوها «وقودا» لحملاتهم الانتخابية، ويهتمون بسفاسف الأمور، ويتركون القضايا التي تهمّ الشعب جانبا! كيف يريد هؤلاء أن يهتم الشباب بالسياسة، وهم لا يقدمون أي شيء لهذا الشباب. اذهبوا فقط إلى المركبات الثقافية ودور الشباب على قلتها، لتروا، كيف أن الشيء الوحيد الذي يوجد في هذه الفضاءات هو الفراغ! لا أنشطة ثقافية، ولا ندوات فكرية، ولا أمسيات فنية، ولا عروض مسرحية ... وقارنوها بالمراكز الثقافية الأجنبية، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن تجد لافتة أمام أبواب هذه المراكز تدعوك لحضور حفل فني، أو عرض مسرحي، أو ندوة فكرية. وعندما تقارن بين هذه المراكز، والفضاءات الثقافية المحلية، سينتابك إحساس عميق بأننا حقا، نحن الشباب، غرباء داخل وطننا. وما أصعب الغربة داخل الوطن! لكن، مع كل هذا، لا تقلقوا يا معشر السياسيين. فالشباب المغربي يهتم بالسياسة، وللتأكد من ذلك، يكفي أن تزوروا منتديات النقاش، والمواقع الالكترونية على الأنترنت، لتكتشفوا أن هناك اهتماما كبيرا بالسياسة من طرف الشباب المغربي. وأكبر دليل على ذلك، هو أن عباس الفاسي، الذي ضحك على ثلاثين ألف شاب في قضية «النجاة»، تم «تتويجه» خلال هذه السنة، كأسوأ وزير أول في تاريخ المغرب!.