إن محاولة بلورة إستراتيجية تهدف إلى عقلنة العمل السياسي داخل الوسط الاجتماعي، تستدعي بالضرورة تظافر كل الجهود المبذولة الرامية إلى استعادة الثقة في إمكانية العمل سياسي كوسيلة لتعضيد مسار الديمقراطية في بلدنا. إن تعزيز هذه الجهود وتقويتها في اتجاهها الصحيح لاشك سيكون معبراً لخلق الأمل في المشهد السياسي حتى يكون في مستوى ما يطمح إليه الفاعل السياسي وما يرتضيه المجتمع المدني. وإذ نؤكد من خلال هذا الطرح على أن وجهة النظر هذه تستحضر الأزمة من زاوية ثقافية تحاول مد جسور التواصل بين المكون الثقافي والسياسي. وإن كنا لانجهل ما لتفاعل هذين المكونين في خلق مناخ إيجابي لنمو مجتمع فاعل يمكن من توفير أدوار اجتماعية ملائمة لواقع الأفراد ولطموحاتهم الجماعية. من هذا المنظور يمكن مقاربة أزمة العمل السياسي في وسطنا الإجتماعي مقاربة لا تأخذ بصفة مطلقة المعطيات المنهجية والنظرية إلا كوسيلة تقربنا من التحليل الموضوعي، دون أن ننفي مدى أهمية إنتاجات المعرفة العلمية في ميدان يهتم بالأساس بالفرد في وسطه الاجتماعي. العزوف السياسي خطاب نسمعه حاليا لدى جل الفاعلين السياسيين، فمنذ الإعلان عن نتائج الانتخابية الأخيرة التي كشفت بصورة جلية عن ضعف الممارسة السياسية لدى غالبية الفئات الاجتماعية.! فإنه لاشك أن إدراك ما لهذا الضعف من تأثير سلبي في عرقلة مسار التطور الديمقراطي المجتمع يقود إلى وضعه في أعلى هرم الأولويات، وبذلك، فقد تم بناء على ذلك اتخاذ مجموعة من المواقف إزاء هذا المشكل من طرف جميع الأحزاب باعتبارها ركيزة العمل السياسي الذي يخول للأفراد دورهم في المشاركة السياسة، ولاشك أن جميع هذه المواقف تنطلق من وعي ذاتي بمدى مسؤوليتها في تقرير هذه الحصيلة المزرية. ويمكن لمس هذا في كل تلك الانتقادات الذاتية التي تطرق إليها جل الفاعلين السياسيين داخل أحزابهم. مما يوحي بلا شك بصدق الرغبة في البحث عن الأسباب والعوامل المساهمة في خلق أزمة العمل السياسي في المغرب. فكان ظهور مفهوم العزوف والذي تم ربطه مباشرة بالشباب على اعتبار أن ضعف الممارسة أو المشاركة كان دائما أكبر في صفوف الشباب على اعتبار فتوة المجتمع المغربي. واذ نؤكد على وجود مثل هذا العزوف لايجب أن نغفل عن تحديد أوجه هذا العزوف وكيفية تفاعل مجموعة من المكونات في بلورة الظاهرة. اذ نحن سلمنا بها كظاهرة. إن أول خطوة يمكن أن تقودنا إلى تحديد بعض من ملامح يفترض التمييز فيها قبل كل شيء بين العزوف كسبب للأزمة العمل السياسي وبين اعتبار العزوف نتيجة لممارسة سياسية حزبية أدت عبر صيرورة تاريخية إلى فرز واقع اجتماعي يفتقر إلى ثقافة سياسة تعمل علي حلق مناخ سياسي يتسم بالفاعلية والمشاركة. إن التمييز بين هذين المستويين في تناول أزمة العزوف يمكن أن يبين بصورة أكثر وضوحا شكل العزوف، وبالتالي يجعل مقاربة الأسباب أيسر وأقل صعوبة. ربما من هذا المنحى سنحاول تلمس مرضوع العزوف كنتيجة لخلل في ممارسة وليس كسبب في وجود هذا الخلل. إن استقراء بعض المعطيات المرتبطة بصيرورة العمل السياسي بالمغرب عبر تطوره في الزمن سيكون الوسيلة المثلى لتتبع منشأ الخلل ، لانقصد هنا قراءة كرنولوجية لمجموع الأحداث التي شكلت ظهور الأحزاب السياسية ولانعني تحديد وضع تقيم إجمالي نؤطر بداخله العمل الحزبي، وإنما فقط سنحاول استلهام بعض التصورات التي يمكن أن تكون معبراً لفهم وتمثل بعض العوائق التي يشهدها الحقل السياسي.