نجتمع اليوم في الدورة الأولى لمجلسنا الوطني بعد المؤتمر الثامن، وشعبنا الفلسطيني في غزة يعاني ويلات حرب مجرمة حصدت أرواح أطفال ونساء ومدنيين عزل، وحطمت الطرقات والمستشفيات والمساجد والمدارس، ومست بشكل خطير بحظوظ إحلال سلام دائم وعادل في المنطقة. إن حزبنا، وهو يعبر كباقي أفراد الشعب المغربي ، عن غضبه لهذا العدوان الغاشم، وعن تضامنه المطلق مع الشعب الفلسطيني إلى حين تحقيق دولته الوطنية وعاصمتها القدس الشريف، يطالب بوقف هذا العدوان، ورفع الحصار عن غزة، والاستجابة الفورية لمطالب الشعب الفلسطيني بالاستقلال والحرية، كما يعبر عن أمله في أن يستعيد الصف الفلسطيني سريعا ، بعد هذه المحنة القاسية، وحدته وتماسكه، وأن يجعل من تحرير الوطن الفلسطيني قضية فوق كل الخلافات والاعتبارات. أخواتي، إخواني يأتي انعقاد مجلسنا الوطني كذلك بعد النجاح الذي حققه المؤتمر الثامن في شوطه الثاني، بمصادقته على التقارير وعلى الأرضية السياسية والبيان العام، وبانتخابه لكل أجهزته القيادية بمنهجية ديمقراطية قائمة على التنافس النزيه والشفافية الكاملة،الشيء الذي خلف صدى إيجابيا لدى الرأي العام ولدى الفاعلين السياسيين، ولدى وسائل الإعلام في الداخل والخارج، وأكد للجميع أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعرف كيف يواجه مشاكله بجرأة، وكيف يستعيد زمام المبادرة السياسية، ويحافظ على موقعه في الحقل السياسي الوطني، فاعلاً ومؤثراً ومشاركاً بنجاعة ووضوح في بناء صرح الدولة الحديثة. وإنها لمناسبة أتقدم فيها بتهنئتي الخالصة لكل الأخوات والإخوة الذين فازوا بثقة إخوانهم في المؤتمر، متمنيا لهم جميعا كل التوفيق والنجاح للاضطلاع بهذه المسؤولية الجسيمة التي تطوقنا بمهام كبرى ستؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ حزبنا، سواء من حيث تحديث آليات عملنا وهياكلنا، أو من حيث بلورة خط سياسي يعيد الثقة والمصداقية للعمل السياسي، ويَُسَرِّع وتيرة الإصلاح ويواجه كل مظاهر الفساد الاقتصادي والسياسي. كما أنها مناسبة كذلك لنقف بإجلال وتقدير أمام قادة حزبنا الذين صنعوا تراثنا النضالي المشترك، وبنوا هذا البيت الاتحادي بإيمان وتفانٍ وإخلاص، وجعلوا من حزب القوات الشعبية حزب النضال اليومي من أجل الحرية والكرامة، ومن أجل إشاعة القيم الكونية المرتبطة بهما في مجتمعنا. إننا نعبر للراحلين منهم المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بن جلون عن تشبعنا بقيم الوفاء والصمود التي جعلوا منها منهجا للمدرسة الاتحادية، كما نعبر لأخوينا عبد الرحمن اليوسفي ومحمد اليازغي عن مشاعر امتناننا وتقديرنا لما قدما من تضحيات جسيمة، وجهود جبارة لجعل بلادنا تدخل غمار تجربة سياسية جديدة تقطع فيها مع مناهج الاستبداد والقسر، وتشرع بمقتضاها في بناء صرح الدولة الديمقراطية الحديثة. إننا مطالبون جميعا بتقوية هذا الرصيد، فخورون بانتمائنا، معتزون بهويتنا الاشتراكية التقدمية، منتبهون أشد ما يكون الانتباه إلى المخاطر التي تتهدد مكاسبنا السياسية، ومصممون على متابعة جهودنا لترسيخ هذه المكتسبات وتقويتها وحمايتها من كل انتكاس أو جمود، ذلك أننا جميعا مقتنعون من خلال تجربتنا المشتركة أن العمل السياسي في ديمقراطية فتية بل وحتى في أعرق الديمقراطيات، يقتضي الصبر والمثابرة، والقدرة على مراجعة النفس ووضعها موضع تساؤل، والجرأة في اتخاذ المبادرة، والحرص على توحيد الجهود والإرادات والتحديد الدقيق للأولويات، وأولاً وأخيراً التمسك بالمضمون الأخلاقي للسياسة الذي لا يمكن بدونه أن نصون استقرار البلاد وأمنها وتقدمها. أخواتي، إخواني إن مجلسنا الوطني ، في هذه الدورة الأولى، مطالب باتخاذ قرارات تأسيسية، مطالب باستحضار روح المؤتمر الثامن، وبالحرص وفقاً لذلك على بلورة رؤية للمستقبل. لقد عبر الاتحاديون والاتحاديات جميعهم في المؤتمر وقبل المؤتمر عن تطلعهم لتجديد الحزب في هياكله وآلياته وأساليب عمله، لذلك فإن المجلس الوطني مطالب اليوم بالاستجابة لهذا التطلع، والعمل على تقوية دوره في المراقبة والمتابعة والاقتراح، والربط المحكم بين أشغال لجنه الوطنية، وأشغال اللجن النيابية ضمانا لتفعيل دور البرلمان الحزبي وجعله في علاقة مستمرة مع القضايا الوطنية المرتبطة بحياة المواطنين اليومية وحاجياتهم ومشاكلهم. ولاشك أن أعضاء المجلس ، وهم يضعون اللائحة الداخلية، ويهيكلون لجن المجلس الوطنية ، سيأخذون بعين الاعتبار ضرورة إعطاء نفس جديد لعملنا، بالانفتاح على الطاقات الحية في المجتمع وترسيخ تقاليد الالتزام والمحاسبة، وتحديث أساليب العمل، واستقطاب الشباب والنساء والمستخدمين والعمال والصناع والتجار، وتعزيز صفوف الحزب بالمثقفين، والخبراء، والباحثين والمبدعين والفنانين والفاعلين الاقتصاديين، وذلك حتى يكون حزبنا مرآة حقيقية للمجتمع المغربي في بداية القرن الواحد والعشرين في تنوعه وحركيته،وذلك بموازاة مع تجديد نخب الحزب المحلية، وفتح فروع حزبية مرتبطة بالمواطنين، والانخراط في العمل الميداني في كل ما يرتبط بحياتهم. إن الهدف من تشييد هذا الصرح الحزبي الحديث والمتجدد ليس هدفا تنظيمياً مجرداً، بل إنه تعبير عن إرادتنا في بناء أداة قوية وفعالة تساهم بنجاعة في بناء البلاد، وتطبيق التوجهات التي أقرها مؤتمرنا الوطني الثامن، بواسطة حزب جذاب بأفكاره وبرامجه وقربه من المواطنين. إنكم تعرفون جميعا، أيتها الأخوات أيها الإخوة ، أن مؤتمرنا قد ربط ربطاً وثيقاً بين مهامنا التنظيمية لإعادة هيكلة الحزب وبنائه بمنظور جديد، وبين مهامنا السياسية للانخراط في أفق جديد للإصلاح، ولتحضير انتخابات سنة 2009 بما يضمن مساهمتها المباشرة في خلق نقلة نوعية في حقلنا السياسي وفي بناء مؤسساتنا الديمقراطية. لقد بادر إخوانكم في المكتب السياسي بخلق ديناميكية فعالة للشروع في تطبيق قرارات المؤتمر. ففضلاً عن انتخاب المكتب السياسي في أجواء أخوية للأخ فتح الله ولعلو نائبا للكاتب الأول، وتوزيع المهام بين أعضائه، وعمله اليومي في لجن مختصة تباشر شؤون الخط السياسي والتنظيم والانتخابات والإدارة والإعلام والاحتفاء بالذكرى الخمسين لتأسيس الحزب، فقد عمل على سن علاقة مستمرة ومباشرة مع الجهات والأقاليم وقطاعي الشبيبة والنساء، وسيكون علينا ابتداء من هذه الدورة أن ننخرط في عمل جماعي سيعرضه المكتب السياسي عليكم من خلال ما حضره بالنسبة للقضايا التنظيمية والانتخابية. على أنني أود أن أشير هنا إلى إرادتنا جميعا في إرساء تقاليد جديدة في عملنا تسعى إلى عقلنة إمكاناتنا المادية والبشرية، وإلى تحسين شروط عملنا، وتنظيم هذا العمل بما يضمن سرعة الإنجاز، وفعالية المتابعة، وضرورة الحصول على نتائج ملموسة. إننا سنبدأ احتفاء وطنياً بمرور خمسين سنة على تأسيسنا ابتداء من يوم الغد، يوم 25 يناير . وهناك لجنة تسهر منذ فترة على تحضير تظاهرات سياسية وثقافية بالمناسبة وعلى إعداد معرض كبير حول ذاكرة الاتحاد، أحداثاً ومناضلين وتضحيات، وستعرف الأجيال الجديدة من خلال هذه الذاكرة الحية صفحات هامة من تاريخ المغرب الحديث، من خلال مسار حزب انخرط بكل قواه وطاقاته الإبداعية في الحياة السياسية، والاجتماعية والنقابية والثقافية والفنية والإعلامية والحقوقية للمغرب المستقل، وأصبح مرآة صادقة لتحولاتها وإنجازاتها وإخفاقاتها. إن هذا المسار هو التعبير الأكثر فصاحة عن الفرق بين المُفْتَعَل والأصيل في حياتنا السياسية، وعمَّا توجب دفعه من ثمن باهظ ليصبح مغرب اليوم أفضل من مغرب الأمس. وهو التعبير الأكثر قوة كذلك عن حاجة المغرب حاضراً ومستقبلا لقوى سياسية ذات جذور حقيقية وذات أفق واضح. إنه رصيد يضع على عاتقنا مسؤوليات كبيرة، ليس فقط على مُستوى أداتنا الحزبية التي نتطلع إلى إعادة هيكلتها وتطويرها، ولكن أيضاً وبالأساس على مستوى الأفق السياسي الذي نتطلع إليه. لقد بادر المكتب السياسي مباشرة بعد المؤتمر إلى الشروع في تطبيق التوجهات السياسية التي أقرها مؤتمرنا. فعقد مع حلفائه الأساسيين اجتماعات طرح فيها حزبنا رؤيتنا للمستقبل وأكدنا أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لا تهمه المشاركة في الحكومة في حد ذاتها، أو لتدبير الشؤون الجارية، بل تهمه هذه المشاركة في إطار تنفيذ مشروع إصلاحي واضح يهم حياتنا السياسية والدستورية، ويهم تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، ويهم تطبيق سياسة اجتماعية لصالح الفئات الشعبية المحرومة، ويهم تحسين الحكامة، وتطبيق سياسة جهوية سليمة. ولقد كان تثبيت الكاتب الأول للاتحاد في موقعه بوزارة العدل، وربط هذا التثبيت بضرورة إصلاح القضاء، فرصة ليؤكد فيها الحزب من جديد اعتزازه بالأهمية القصوى التي يوليها جلالة الملك لدور ومكانة حزبنا في الحياة السياسية الوطنية، ولقدرته على قيادة ورش كبير للإصلاح في مجال من أكثر المجالات حيوية وحساسية في حياتنا العامة، لكن هذا التثبيت كان أيضا فرصة لنؤكد أن الإصلاحات القطاعية على أهميتها، وسنقوم فيها بمسؤولياتنا كاملة وبكل إخلاص وتَفَانٍ وشجاعة، لا يمكن أن تحقق الهدف المرجو منها إلا إذا انتظمت في إطار إصلاح شمولي يكون مفتاحه الأساسي الإصلاح السياسي والدستوري. إننا نَصْدُرُ في هذا التأكيد من قناعتنا الراسخة بأن الأفق الذي مَا فتئ صاحب الجلالة يدعو إليه هو ترسيخ ديمقراطية حديثة بمؤسسات قوية وذات مصداقية وكان أبلغ تعبير لجلالته في ذلك هو موافقته السامية على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي وضعت تصوراً مدققا للإصلاحات الدستورية المنشودة من شأنها أن تنصف التجربة الديمقراطية المغربية التي عانت طويلا من إكراهات الحد الأدنى، وَتُصَالِحُ المواطنين المغاربة مع مؤسساتهم. وإن الأَوراش التي ما فتئ صاحب الجلالة يفتحها على هذا السبيل وآخرها ما يتعلق بالجهوية المتقدمة ، لتعتبر دعوة صادقة لجعل هذا الإصلاح أفقا لكل المغاربة. لذلك، فإن المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سيعمل في أقرب الآجال ، اعتماداً على هذه المرجعية واعتماداً على الرصيد الهائل الذي راكمه مع حلفائه في الكتلة حول مضامين الإصلاح ومستلزماته، على اتخاذ مبادرة سياسية في هذا الاتجاه، مساهمة منه في فتح الطريق أمام حوار وطني يعبئ كل طاقاتنا لإنجاح الإصلاح . إن مبادرتنا هذه ، والتي سننكب على بلورتها مباشرة بعد أشغال المجلس الوطني، مرتبطة كل الارتباط بالمناخ السياسي العام الذي سَيُحِيطُ بالانتخابات الجماعية المقبلة. إن حزبنا يدعو لجعل محاربة الفساد الانتخابي عنواناً لهذه الانتخابات. واتخاذ كل المبادرات السياسية والقانونية والإعلامية لمواجهة المفسدين وحماية المؤسسات المنتخبة من لوبيات المصالح وشراء الذمم. إن إرادة سياسية واضحة في هذا الشأن، مدعمة بإجراءات عملية في الميدان، ومعززة بمراقبة يَقِظَةٍ لجمعيات المجتمع المدني، هي وحدها الكفيلة بتوسيع دائرة المشاركة، والحد من العزوف الانتخابي، وإعادة الأمل والثقة في العمل السياسي. وفضلا عن ذلك فإن محاربة الفساد الانتخابي بكل وضوح وقوة، ورفض كل مساومة على هذا البعد الأخلاقي تحت أية ذريعة من الذرائع ، هو الذي سيفتح الطريق أمام انبثاق مؤسسات محلية منتخبة تحظى بثقة المواطنين، وتعمل على حماية المال العام وتساهم في تدبير عقلاني نزيه للمجالات الحضرية والقروية على السواء. أخواتي، إخواني إن الأوضاع الاقتصادية العالمية، تعرف اليوم أزمة مستحكمة تهدد النمو العالمي، وتمتد بتأثيراتها السلبية إلى كل الدول والمجتمعات، وإذا كانت تفاعلات هذه الأزمة قد أعادت إلى الأَذهان استحالة بناء نظام اقتصادي مستقر في ظل ليبرالية متوحشة، تلغي كرامة الإنسان من حسابها، فإنها تدعونا كاشتراكيين في بَلد نامٍ، إلى التفكير بعمق في المستقبل الاقتصادي لبلادنا، في ارتباط وثيق بما يتوجب علينا خَلْقُهُ من ثروات جديدة، ومَا يستلزم منا حرصاً دائماً على التقدم اعتماداً على المساواة والتضامن. من أجل ذلك، فإننا نأمل ، ونحن نعيش أجواء الذكرى الخمسينية لتأسيس الحزب، أن نعمل على تجديد الفكر الاشتراكي في بلادنا من خلال حوار واسع حول الأفكار والمشاريع، ومن خلال إثارة نقاش وطني واسع حول القضايا الأساسية المرتبطة بالتربية والتكوين، والسياسة الجهوية، واقتصاد المعرفة، وقضايا الماء والطاقة والبيئة، وتدبير المجال الترابي، والإنتاج الثقافي وقضايا الطفولة والشباب، ومكانة المرأة في الدولة والمجتمع، ومحاربة الفقر والحاجة. وفي هذا الإطار، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتابع باهتمام بالغ تطورات الوضع الاجتماعي في بلادنا. وهو إذ يعبر عن مساندته للنضال النقابي الذي تخوضه الشغيلة المغربية من أجل تحسين أوضاعها ليدعو كافة أطراف الحوار الاجتماعي إلى حوار جدي حول القضايا الاجتماعية المرتبطة بالأجور والقدرة الشرائية للمواطنين وتوفير فرص الشغل، وضمان الحد الأدنى من مستلزمات العيش الكريم للفئات الشعبية المحرومة في المدن والقرى. وبهذه المناسبة، فإننا نتوجه بالتحية والتقدير لكل الاطر النقابية التي اختارت سبيل الوحدة والتضامن ، وجعلت من التحامها داخل الفدرالية الديموقراطية للشغل منطلقا لإغناء العمل النقابي وتعزيز مصداقيته ، والبحث من خلاله عن أفق لإصلاح أوضاعنا الاجتماعية وربط ذلك بمجهودنا السياسي الرامي إلى تحقيق نمو اقتصادي قوي ومتضامن. إننا نأمل أن نخرج، بهذا المجهود المشترك، وبهذه التعبئة الجماعية، السياسة من نفق التآكل والتراشق والحسابات الصغيرة، لنعيد لها نبلها وحيويتها وقدرتها على إنتاج الأمل في مجتمعنا. من هنا نتوجه إلى كل الطاقات الاتحادية،سواء تلك التي لاتزال مرتبطة بحزب القوات الشعبية تنظيمياً أو وجدانياً، أو تلك التي ابتعدت عنه لهذا السبب أو ذاك، بهذه الطريقة أو تلك، لنقول لها إن البيت الاتحادي سيظل بيتها دائماً مفتوحا لعودتها وعملها ونقدها وممارسة حقها في التعبير أو الاختلاف. إن التحامنا بقوة في هذا الظرف بالذات هو ما سيمكننا من توحيد العائلة الاشتراكية، ومن تقوية الصف الديمقراطي الأصيل في بلادنا، دفاعا عن الحداثة والديمقراطية والتقدم. شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.