الواقعة تعود إلى تاريخ 09 شتنبر الماضي (2014)، حيث أوقفت عناصر شرطة تابعة لفرقة الدراجين بولاية أمن فاس شخصا في حي بوسط المدينة، بعد الاشتباه في أمره، وبعد تفتيشه، عثر بحوزته على لفافات من مخدر الكوكايين كان يخفيها في علبة معدنية بعناية داخل تبانه. وبعد استفساره، صرح بأن اللفافات تخصه وبأنه تسلمها من مشغله الذي كلفه بنقلها لشقيقه. وحاولت عناصر الشرطة الانتقال معه إلى أحياء متفرقة بالمدينة بغرض إيقاف المشغل، لكن دون جدوى. وقال إنه بدأ العمل في الاتجار في المخدرات منذ أشهر، وإن مشغله يمنحه مبلغا ماليا محددا في 100 درهم عن كل يوم عمل، ويتكلف بإيصال قطع المخدرات للزبناء، وتارة يقوم بتحصيل المقابل من الزبناء، وأحيانا أخرى يتكلف بمراقبة تحركات رجال الشرطة. وأضاف أنه بعد نيل ثقة مشغله، أصبح يشاركه في جلساته الخمرية وتعلم منه طرق الاتجار في المخدرات الصلبة، وأصبح المشغل يمنحه جرعات من الكوكايين يسلمها لعدد من المستهلكين. وظهر المتهم الذي أدين ابتدائيا بأربع سنوات حبسا مترددا في تقديم كل التفاصيل حول عمله للمحققين، حيث قال إنه لا يعرف أي معلومات عن المستهلكين، واكتفى بالإشارة إلى أنه يتسلم عمولة من المشغل ومن المستهلك الذي يتسلم البضاعة، قبل أن يتم اعتقاله وهو بصدد البحث عن سيارة أجرة متلبسا بحيازة لفافات من المخدرات الصلبة. نقط البيع كشفت التحريات التي باشرتها مصالح الأمن مع المتهم أن توزيع المخدرات الصلبة لا تتم في نقطة بيع واحدة، ولا في نقطة ثابتة معروفة، وإنما عن طريق التنقل في أحياء متفرقة، وتبين بأن المشغل كان يعمد إلى إخفاء هوية المستهلكين عن المستخدمين. ويكتفي المشغل، وهو يسلم البضاعة للمستخدم، بتوجيهه نحو نقطة البيع التي عليه التوجه إليها، حيث يجد الزبون في انتظاره لتسلم البضاعة واستخلاص ثمنها. وتتم عملية التسليم بسرعة بناء على توصيات المشغل، تحسبا لأي عملية رصد قد يكون هدفا لها. المتهم أثناء اعتقاله كان يحمل معه كيسا بلاستيكيا به 7 قنينات من الجعة، وعلبة معدنية لسجائر «السيجار»، مخبأة داخل تبانه. وقال إنه قضى قبل توقيفه يوما كاملا مع مشغله في احتساء الخمر. ويعمد أغلب زعماء الشبكات المتهمة بترويج المخدرات الصلبة إلى التواري عن الأنظار، واتخاذ إجراءات احترازية لتفادي السقوط في أيدي عناصر الشرطة. ويلجؤون حتى في المكالمات الهاتفية التي يجرونها إلى استخدام رموز وكلمات مشفرة للحديث عن البضاعة ومكان تسلمها، كما أنهم يلجؤون إلى استخدام شرائح هاتفية غير قابلة ل»الرصد»، والمعروفة ب»شرائح الخوردة»، ويغيرونها باستمرار، خوفا من التنصت على المكالمات. ولا يتكلف زعماء الشبكات بتوزيع المخدرات بأنفسهم، إذ يعمدون إلى تشغيل مستخدمين لهم سوابق قضائية، وأوضاعهم الاجتماعية هشة، ومستواهم التعليمي محدود جدا. والمثير في قضايا هذه الشبكات، كونها أصبحت تلجأ إلى خدمات موزعين آخرين «حرصا» على النجاعة في الأداء، وإبعادا للشبهات. فقد أطاحت التحقيقات في ملف آخر للمخدرات الصلبة، في الآونة الأخيرة بالمدينة، بثلاثة سائقين لسيارات أجرة صغيرة، حيث إن استغلال هذه المهنة يبعد شكوك رجال الأمن، ويمكن الموزعين من توزيع كميات كبيرة في أسرع وقت ممكن، ودون مخاطر. ولا يكتفي موزعو المخدرات الصلبة بتوزيعها في الشوارع، إذ أن بعض الحانات تتحول إلى فضاء يستغله الموزعون لترويج هذه البضاعة المدمرة، في أوقات متأخرة من الليل. وقد تم اعتقال صاحب حانة في وسط المدينة، في ملف سابق يتعلق بترويج المخدرات الصلبة، وكان هذا «المستثمر» قد عمل لسنوات في المهجر، قبل أن يعود إلى المغرب ويفتح حانة. وتم اعتقاله بتهمة استهلاك وترويج المخدرات الصلبة. وأسفرت التحريات التي بوشرت إبان تفكيك شبكة المخدرات الصلبة، في الأسابيع الماضية بالعاصمة العلمية، أن سجناء يقضون عقوبات في قضايا المخدرات، كانوا ضمن أعضاء الشبكة، حيث أوضحت التحقيقات أنهم يديرون عمليات توزيع المخدرات الصلبة على لمدمنين من أبناء علية القوم في أوقات متأخرة من الليل، مستغلين دخول الهواتف النقالة إلى الزنازن بطرق ملتوية، وحريصين على أن تتم المكالمات الهاتفية التي يجرونها لهذا الغرض، بعدما يكون الموظفون المكلفون بشؤون المراقبة يغطون في نوم عميق. مساطر مرجعية التصريحات التي أدلى بها المتهم للمحققين تسببت في اعتقال تاجر معروف، حيث قضى هذا التاجر ما يقرب من 3 أشهر وراء القضبان في إطار الاعتقال الاحتياطي، قبل أن تنتهي التحقيقات في الملف، ويطلق سراحه، وتبرئه المحكمة من التهمة الموجهة إليه. التاجر تمسك ببراءته، ونفى أي علاقة له بالاتجار في المخدرات الصلبة، وقال إنه يتعاطى لأنشطة تجارية مشروعة تتجلى في بيع الأغطية والأفرشة والستائر، ولم يسبق له أن تعاطى لأنشطة محظورة، وأحيلت الهواتف النقالة للمتهمين على الخبرة لاستغلال نتائج المكالمات الهاتفية في البحث، وهي الخبرة التي دعمت ملف التاجر، إضافة إلى شهادات عدد من المتصلين به، والذين تم استدعاؤهم لأخذ تصريحاتهم حول ملابسات هذه الاتصالات، وعلاقتهم بهذا التاجر. وقالت المصادر إن عدد المتورطين في مثل هذه القضايا، عادة ما يعمدون إلى اختلاق التهم لرجال أعمال وتجار معروفين بغرض الزج بهم في ردهات المحاكم بغرض ابتزازهم، قبل تبرئتهم من التهم الموجهة إليهم لاحقا في طور المحاكمة. وبدا المتهم الرئيسي في هذه القضية مرتبكا خلال جلسات التحقيق، في توجيه التهم للتاجر المعروف، قبل أن يحسم القضية في إحدى الجلسات، نافيا أن يكون التاجر المتهم متورطا في الملف، حيث جاء بتصريحات أخرى مشيرا فيها إلى اسم شخص آخر بأوصاف أخرى. أغنياء بالسموم كشفت التحريات التي بوشرت في الملف عن ألقاب غريبة لمتهمين في ترويج المخدرات الصلبة. وأغلب هؤلاء الأشخاص سبق لهم أن أدينوا في قضايا لها علاقة بترويج المخدرات. وعدد منهم يتحدر من أحياء شعبية. وقالت المصادر إن بعضا من المتهمين في هذه القضايا كانوا لا يملكون أي شيء، لكن عالم المخدرات بمختلف أنواعها حولهم إلى «أغنياء» في ظرف وجيز، على حساب صحة وسلامة المواطنين، وكل ما يهم المتورطين هو أن يراكموا الأموال بترويج المخدرات، دون أي وخز للضمير ودون أي اهتمام بمخاطر ما يقدمون عليه على الأشخاص والأسر والمجتمع. آخر الليل الشرطة بمدينة فاس، سبق لها، في نهاية سنة 2010، أن فككت شبكة أخرى للمخدرات الصلبة، وأسفرت العملية عن اعتقال ما يقرب من 10 أشخاص متهمين، ضمنهم «عاطلون» عن العمل ومسيرون لشركات خاصة ومستخدمون. وكان من المثير في قضية المعتقلين، كما يحدث باستمرار في مثل هذه القضايا، تراجعهم عن تصريحاتهم الأولية، وإنكارهم للتهم الموجهة إليهم، لكن التحقيقات التي بوشرت حول هذه القضية، أظهرت معطيات مثيرة حول عوالم آخر الليل في الحانات والملاهي، وما يروج لدى بعض زبنائها من مخدرات صلبة منها الكوكايين والهيروين. وحجزت عناصر الأمن لدى أحد المتهمين في هذه الشبكة 11 جرعة من الهيروين و13 جرعة من الكوكايين و24 جرعة مختلطة من الهيروين والكوكايين، وميزان إلكتروني صغير، وقنينة صغيرة الحجم للغاز المسيل للدموع وسيف كبير الحجم وخمسة أقراص لدواء «الفياغرا» ومجموعة من الأكياس البلاستيكية وشفرة حلاقة وحقيبة ظهرية سوداء. وظل هاتف المعتقل أثناء التحقيق معه لا يكف عن الرنين، وقال عندما سأله المحققون عن هويات المتصلين إن أغلبهم من مستهلكي المخدرات القوية، وعن طريق هذه المكالمات تم نصب كمائن لعدد من هؤلاء. المتهم الرئيسي في الملف أشار إلى أنه تعرف، بعد مغادرته السجن، في أحد حانات مركز المدينة على أحد تجار المخدرات الصلبة رفقة فتيات، وعرض عليه هذا الأخير العمل معه في المجال وقبل الفكرة، على أن يزوده مشغله بالمخدرات ويعمل هو على ترويجها. وذكر في التحقيق عددا من النوادي والمحلات الفندقية الفخمة بالمدينة كنقط انطلاق بين أطراف متهمة في الملف، وباعتبارها نقطا للترويج كذلك. علية القوم في سنة 2009، أطاحت عناصر أمن بالمدينة بشبكة للمخدرات الصلبة، وعرفت هذه الشبكة، إعلاميا، بشبكة «زعيريطة». الصادم في القضية هو أن المتزعم الرئيسي للشبكة، أدلى للمحققين بعدد من المتهمين والمدمنين، ومنهم أناس في عالم المال والأعمال، وأبناء سياسيين، وشخصيات في عالم الرياضة، ما فتح الملف على تحقيقات ماراطونية، وجلسات واكبتها متابعة إعلامية واسعة، خاصة وأن المتهم بتزعم الشبكة أصر، باستعمال مكبر الصوت في قاعة المحكمة، على اتهام أحد أبناء عمدة المدينة بكونه ضمن أعضاء الشبكة، ما أدى إلى تعميق التحريات من جديد، واستدعاء هذا الأخير في خطوة مثيرة للاستماع إليه، حيث وقف لأكثر من مرة في قفص الاتهام بالمحكمة الابتدائية قبل أن تصدر المحكمة حكما قضى بإدانته بثلاث سنوات، وهو الحكم الذي ألغته محكمة الاستئناف وبرأت نجل شباط من التهمة الموجهة إليه. وبرئ في الملف ذاته ضابط شرطة ورد اسمه ضمن تصريحات المتهم الرئيسي في القضية، وقررت الإدارة العامة للأمن الوطني توقيفه عن العمل، قبل أن ينقل إلى الجهة الشرقية بعد صدور حكم البراءة لفائدته. ابن مسؤول حزبي آخر، تم الاستماع إليه إبان تفكيك آخر شبكة للمخدرات الصلبة بالعاصمة العلمية بتهمة استهلاك المخدرات الصلبة، وتقرر بعد إجراءات الحراسة النظرية، متابعته في حالة سراح بكفالة مالية محددة في 20 ألف درهم. ولم تسلم فتيات علية القوم من إدمان هذا المخدر، حيث تم اعتقال سيدة متزوجة وحامل في قضية تفكيك شبكة للمخدرات الصلبة، وقضت عدة أسابيع رهن الاعتقال، قبل أن تقرر المحكمة متابعتها في حالة سراح.
مخدر النخبة في الوقت الذي يروج فيه مخدر الحشيش والكيف في أوساط المدمنين المتحدرين من الطبقات الشعبية، فإن المدمنين من علية القوم يميلون إلى استهلاك المخدرات الصلبة، وعلى رأسها الكوكايين أو ما يطلق عليه باللغة العامية ب«الغبرة». ويحكي أحد المدمنين الذي خرج بأعجوبة من هذا الدمار الشامل، ل«المساء» أنه دخل هذا العالم الغريب بإلحاح من بعض رفاقه في جلسة خمرية، قبل أن يجد نفسه مدمنا مع مرور الوقت. وبحسبه، فإن استهلاك هذا المخدر يعطي للمدمن طاقة قوية، تجعله يرى نفسه مخلوقا عجيبا بقوة خارقة، كما هو الشأن بالنسبة لمستعملي الأقراص المهلوسة بالنسبة للمدنين من أبناء الأحياء الشعبية. ويحس المدمن بنشوة في بداية الأمر، لكنه سرعان ما يتحول إلى أسير للمخدرات الصلبة. ويكلف استهلاك هذه المادة المدمرة مبالغ مالية كبيرة، إذ أن الغرام الواحد يحدد بيعه في السوق بما يناهز 600 درهم. ومع تورط أبناء علية القوم في الإدمان، ترتفع تكاليف الاستهلاك، حد أن البعض يعجز عن تغطية هذه التكاليف، ما يؤدي به إلى الإفلاس، ويحول حياته وحياة أسرته إلى جحيم لا يطاق. شبكات الضواحي لم يقتصر الأمر في تفكيك شبكات الاتجار في المخدرات الصلبة على مدينة فاس، بل كشفت عمليات الإطاحة بمتورطين في قضايا الاتجار في المخدرات الصلبة أن بعض زعماء الشبكات يلجؤون إلى الضواحي لمزاولة عملياتهم، بعيدا عن أعين السلطات. فقد اعتقلت الشرطة، في يوليوز الماضي (2014) شبكة متخصصة، يتزعمها ملقب ب«صدام». وتبين من خلال التحريات أن هذه الشبكة أبدعت في طرق «السفر» بالمخدرات الصلبة، حيث يتنقل المتهم عبر سيارات الأجرة الكبيرة كمسافر عادي وبحوزته ما يقرب من 100 غرام من الكوكايين، تجنبا لإثارة انتباه رجال الأمن. وكان ينقل المخدرات بين مدينتي فاس وبني ملال، وأظهرت التحقيقات أن المتهم له سوابق في عالم الاتجار في المخدرات وتهريبها. وفي منتصف سنة 2009، أدلى فرد من أسرة غنية تقطن بضواحي مكناس بتصريحات للمحققين قادت إلى اعتقال أخيه، وهو برلماني، بضواحي العاصمة الإسماعيلية، ومعه تم اعتقال نادلين في مقهى في ملكية هذه العائلة بمنطقة واد الجديدة، في وقت أصرت فيه العائلة، وهي تقدم توضيحات حول تورط ابنها البرلماني في هذه القضية، بأن «مكائد» السياسة تقف وراء هذه الاتهامات. وداهمت عناصر تابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية المقهى وفتشت جميع أنحائه، بناء على اعترافات متهمين آخرين، وقالت المصادر إنها عثرت على غرامات من المخدرات الصلبة في مستودع للملابس بالمقهى ذاته. كتامة القريبة حسب المصادر، فإن ما يجعل مدينة فاس إحدى أبرز المدن التي تعرف تفكيكات متتالية لشبكات المخدرات الصلبة، قربها من بلدة كتامة، والتي لم تعد مجرد منطقة لزراعة القنب الهندي. المنطقة التي تعتبر من المناطق الجبلية الوعرة، والتي تصعب فيها المراقبة، أصبحت تحتضن شبكات متهمة بالترويج للمخدرات الصلبة، ومنها بالخصوص الكوكايين والهروين. ولأن مدينة فاس تعتبر من أكبر الحواضر القريبة من هذه البلدة، فإنها تعتبر أول محطة لترويج هذه البضاعة المدمرة لأبناء الطبقات الميسورة في المغرب. وتشير المصادر إلى أن هذه الشبكات تتوفر على «تقنيات» مهمة لتجاوز عدد من نقط المراقبة الأمنية في الطرقات، خاصة أن المخدرات الصلبة تسهل عملية نقلها وإخفائها في أماكن حساسة، وبكميات مهمة، مقارنة مع مخدري الكيف والحشيش، حيث يمكن لعمليات الشحن الكبيرة أن تفضح عمليات نقلها مروره في الطرق المراقبة.