في غمرة شقاوة المراهقة وطيش الشباب، اكتشفت أنني «عنصري». كنت أجد متعة كبيرة عندما أصيح مع أصدقائي «العنصريين» أمثالي: «آلعداو.. لفواسا جاو!» أتذكر أن مقابلات فريق شباب الريف الحسيمي ضد الوداد الفاسي مثلا أو جمعية تازة أو اتحاد زايو، كانت أكثر من مجرد مقابلة رياضية. كانت مناسبة للتنفيس عن بعض الأشياء التي لا يمكن الجهر بها خارج ميادين كرة القدم. لا أعرف بماذا كان مشجعو الوداد الفاسي يردون علينا نحن الريفيين، ولكنني على يقين أن «عنصرية» ذلك الزمن كانت مقبولة ومهضومة، بعيدة عن «السيليسيون» و «القرقوبي»، أي بعيدة عن «التشرميل» اللفظي والجسدي. ومع العولمة الرياضية في الوقت الراهن، أضحت عنصرية ملاعب كرة القدم شرسة، غبية ومقرفة. ربما يتذكر القراء حادثة رمي بنانة في اتجاه لاعب نادي «البارصا» ذي الأصل البرازيلي دانييل آلفيث في لقاء فريقه مع نادي فيا ريال خلال الموسم الماضي. وما كان على «داني» إلا أن قشر الموزة وأكلها، وكأنه يقول لمن أراد إهانته: «موتوا بغيضكم». هناك أيضا صورا حديثة تم تداولها مؤخرا على نطاق واسع للاعب كولومبي غادر الملعب بسبب هتافات عنصرية ضده. اللاعب الإيطالي المشاغب بالوتيللي تعرض مرارا لمواقف عنصرية في الملعب، تثيره فيغضب أو تحمسه فيزيد عطاؤه فوق العشب الأخضر. ومن منا لا يتذكر كذلك كلام جون ماري لوبان، شيخ العنصريين في فرنسا، تعليقا له على فوز المنتخب الفرنسي بكأس العالم عام 1998، حينما قال ما معناه: فرنسا لا تتعرف على ذاتها في هذا المنتخب. حتى الآن لم تفلح أموال الفيفا المصروفة في حملات التوعية في الحد من تفشي مظاهر العنصرية تجاه اللاعبين «الملونين». كما لم تفلح المبادرات الرمزية التي يقوم بها بعض المشاهير لإثارة هذا الموضوع الحساس والمؤلم. في المغرب نجد مبادرة الدولي المغربي السابق الحداوي، رئيس «الدوليين المغاربة»، الذي ظهر في صورة مع لاعبين أفارقة وهم يقشرون البنان المغربي، مستوحيا الفكرة ربما من حادثة رشق «داني» بالموزة المذكورة. قبل أيام معدودة، وعشية استعداد المنتخب الهولندي لمواجهة المنتخب الليتواني (16 نوفمبر)، نشر موقع «فوتبال زون» على الفيسبوك «سيلفي» للاعب الدولي لوروا فير مع مجموعة من الدوليين الهولنديين الملونين. غير أن تعليقات الهولنديين «البيض» كانت عنصرية، ما أجبر إدارة الموقع على حذف الصورة والتعليقات، إلا أن المعركة تواصلت على جبهات أخرى. هذه التعليقات العنصرية تزامنت مع نقاش «عنصري» آخر. فيوم السبت 15 نوفمبر وصل «القديس نيقولا» إلى مدينة خاودا (وسط هولندا)على ظهر باخرة قادما من إسبانيا، كما توحي الأسطورة. هذا القديس الذي يحتفل الأطفال كل سنة بقدومه «الرمزي» من إسبانيا ومعه عدد من الخدم الملونين المعروفين ب (Zwarte Pieten)، يثير بدوره منذ سنتين جدلا حقيقيا حول «طابعه العنصري». والمعركة على هذه الجبهة ما تزال بدورها مفتوحة. «السيلفي» الذي نشره لوروا فير ولّد تعليقات من قبيل: «نادي القديس نيقولا»، «نادي كرة القدم للقردة». وتساءل معلق آخر: «ألم تنزلوا في خاودا»؟ كلها إيحاءات عنصرية ممقوتة. الإيجابي في الأمر أن اللاعبين الملونين المعنيين بالأمر لم يشاركوا في المعركة، اكتفوا بالصمت ومتابعة ما يجري من بعيد. عين العقل. أما السياسيون فنقلوا المعركة إلى أروقة البرلمان. فلأول مرة تطالب أحزاب كبرى بمتابعة أصحاب التعليقات العنصرية وتقديمهم للمحاكمة. وذهب النائب البرلماني من أصل مغربي أحمد مركوش إلى مطالبة وزير العدل والأمن الوطني إيفو أوبستيلته بفتح تحقيق قضائي حتى ولو لم يتقدم أحد ببلاغ لدى النيابة العامة، وبهذه الخطوة يأمل هؤلاء إيصال رسالة واضحة للجميع مفادها: لا تسامح مع العنصرية. وفي الاتجاه ذاته، سار أيضا عميد المنتخب الهولندي ولاعب نادي مانشستر يونايتيد الإنجليزي فان بيرسي زوج بشرى المغربية، داعيا إلى تحريك وزارة العدل لمسطرة معاقبة «مثل هؤلاء الناس» ليكونوا «عبرة» للآخرين. لا أعتقد أن العنصرية في الرياضة، كما في القطاعات الأخرى، ستنتهي بحكم قضائي ولا بحملات التوعية باهظة التكاليف. المسألة تحتاج إلى تغيير في العقليات وهذا يتطلب وقتا طويلا يمتد لأجيال بكاملها. العنصرية، كما وصفها لي يوما مهاجر مغربي من الجيل الأول: «تولد معنا وتموت معنا».