مرة أخرى تخلق تونس الحدث، وهذه المرة مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، التي ينتظر أن تعاد في جولة ثانية بعدما كشفت النتائج عن تقارب بين أبرز المرشحين منصف المرزوقي والباجي قايد السبسي. وهي انتخابات كانت بشهادة المراقبين والمتتبعين وبشهادة المتنافسين أيضا عرسا حقيقيا للتونسيين، والحال أنها أول انتخابات رئاسية في تونس بمعايير ديموقراطية متقدمة. التجربة إلى حدود الآن مشجعة، وهي دليل على أن التونسيين اقتنعوا بأن خيار الديموقراطية هو سبيلهم إلى وطن يحتضن جميع التيارات والحساسيات، وأنها وسيلتهم لقطع الطريق على من يرغبون في العودة بالبلاد إلى زمن الديكتاتورية التي كرسها بنعلي الطريد. مثلما هم مقتنعون-بدليل كثافة المشاركة- أن انتخابات اختيار رئيسهم هي مرحلة من مراحل استكمال المنظومة الديموقراطية المبنية على الاختيار الحر. تونس أعطت بالفعل –من خلال جميع المحطات الانتخابية التي قطعت- النموذج الأمثل لما يمكن أن تكون عليه الديموقراطية بالعالم العربي، وأبانت للعالم أجمع كيف يمكن للأطياف السياسية، باختلاف مشاربها وعقائدها، أن تلتئم تحت سقف واحد لمصلحة عليا هي مصلحة الوطن. ما يحدث في بلاد الياسمين هو مثال رائع لما يمكن أن تكون عليه باقي البلدان العربية وفرصة تؤكد للعرب أن ممارسة الديموقراطية أمر ممكن في بلدان مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا عجزت رغم ثوراتها عن التخلص من أورام الماضي.