الأخبار القادمة من تونس تشير إلى أن العملية الانتخابية، التي جرت يوم أمس الأحد، شهدت إقبالا كثيفا، إلى درجة أن الناخبين اصطفوا أمام مكاتب الاقتراع في طوابير حتى قبل فتحها. وهذا ما جعل المراقبين يصفون العملية بالناجحة، خاصة وأنها أول انتخابات تشريعية بعد إقرار دستور جديد للبلاد، وتعتبر حاسمة في مسار إنهاء المرحلة الانتقالية التي تلت ثورة الياسمين. تونس، التي شكلت ثورتها سنة 2011 شرارة لثورات أخرى عمت دولا أخرى بالمنطقة، أعطت النموذج الأمثل لما يمكن أن تكون عليه الديمقراطية في بلد عاش عقودا طويلة تحت حكم الدكتاتورية، وأبانت للعالم أجمع كيف يمكن للأطياف السياسية، على اختلاف مشاربها وعقائدها، أن تلتئم تحت سقف واحد لمصلحة عليا هي مصلحة الوطن.. من كان يتصور يوما أن تضع أحزاب كثيرة في تونس يدها في يد حزب النهضة الإسلامي، القوة الأولى اليوم في المشهد السياسي، وهو حزب أبان عن حس عال من الوطنية ورغبة في السير بتونس إلى بر الأمان، في وقت تتحرك فيه أيادٍ خفية لبعثرة الأوراق والعودة بالبلد إلى دائرة المجهول. التجربة التونسية يجب أن تكون، اليوم، نموذجا تتبعه باقي دول الربيع العربي التي عجزت عن صون مبادئ الثورة التي أنهت عقودا من احتكار السلطة؛ وعلى دولٍ مثل مصر واليمن وليبيا وسوريا أن تأخذ من تجربة بلد الياسمين العبرَ لما يجب أن تكون عليه الديمقراطية، وأن تتعلم كيف تنبذ الخلافات من أجل مصلحة الشعب أولا وأخيرا. نتمنى أن يتمكن التونسيون -بعدما ينتهي مسلسل الانتخابات التشريعية الحالي- من إطلاق مسلسل بناء الوطن وتقوية مكانته في مصاف الدول الكبرى، آملين أن تنجح التجربة -كما نجحت الثورة- بما يشكل منارة لشعوب أخرى ماتزال تتلمس طريقها نحو الديمقراطية.