تحت عنوان «سؤال الحرية والدين»، وبحضور عدد من الباحثين من المغرب وفرنسا والجزائر وتونس وسوريا ومصر وألمانيا والعراق، نظمت «حركة ضمير» يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بالقاعة الكبرى للمكتبة الوطنية بالرباط، ندوة دولية بشراكة بين المكتبة ومؤسسة فريدريش ناومان الألمانية. وجاء عقد الندوة، حسب الحركة، عشية تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي ستحتضنه مدينة مراكش نهاية الشهر الجاري «وفي سياقات عالمية وإقليمية ومحلية تتميز بتواتر أشكال جديدة من التعصب والإقصاء والاضطهاد ومخططات التصفية لأسباب دينية»، حسب الأرضية التي قدمتها الحركة، التي أكدت أيضا أن النقاش حول علاقة الدين بالحرية وطرحها للنقاش في الوقت الراهن «يأتي في سياق ما تعيشه المنطقة العربية حاليا، وخاصة بعد النتائج المترتبة عما عرف باسم الربيع العربي»، مضيفة أن من بين الأسئلة الشائكة المطروحة نتيجة هذا الحراك الجماهيري العربي وما نتج عنه من سقوط عدد من الأنظمة العربية، سؤال الدين والسياسة، من خلال مختلف المناقشات والسجالات، التي صاحبت بناء عدد من الدساتير العربية الجديدة، التي أبانت أن هذا السؤال لم يعد تداوله اليوم محصورا بين النخب، تقليدية كانت أم حداثية، بل أصبح قضية مجتمعية، بإمكانها أن تجيش فئات اجتماعية بأكملها. وحسب الأرضية، فإن العديد من الشرائح الاجتماعية أبدت تخوفّاتها من إهدار بعض حقوقها باسم الدين والتزام الشريعة، مؤكدة أنه «إذا كانت الحقوق هي الوجه الضمني للحريات، فمن حقّنا أن نتساءل عن مصير حريات الإبداع والتفكير في مختلف المجالات المعرفية والأدبية والفنية، وما إذا كانت هناك حدود يمنع على المبدع تجاوزها. كما من المشروع أن نتساءل عن مصير الحقوق النسائية، التي قطعت أشواطا لا يمكن إنكارها، خاصة أن هناك من الحركات النسوية من ترى أن ما تحقّق هو بداية الطريق، وأن معاركها الحقوقية المقبلة تخص مواضيع حساسة، مثل المساواة بين الجنسين في الإرث، والمنع الصريح للتعدد أو زواج القاصرات. ومن المشروع أن نتساءل، خاصة مع حملات التكفير المتوالية التي يشهدها العالم العربي، عن حرية الأفراد عامة في الاعتقاد الديني من عدمه». رشيد بن زين، الأستاذ بالكلية البروتستانتية بباريس، أكد في كلمته على سبيل المثال أن المسلمين لا يقومون بالفصل بين التمثلات الذهنية للدين وبين الحقائق أو المقاربة التاريخية، مما يجعل هذه التمثلات مستمرة إلى الوقت الحالي وفي جميع العصور، وربط بين الدين وبين ما سماه دولة الدين، مشيرا إلى أنه عندما يعيد المسلم النظر في التمثلات الدينية فإنه يمس بالمؤسسات التابعة للدولة، وهذا يعني أنه يمارس العنف ضد الدولة بوصفها مؤسسة. من ناحيته، قال الباحث السوري المقيم بالمغرب هاشم صالح، والذي ارتبط اسمه طويلا بترجمة أعمال المفكر الجزائري الراحل محمد أركون، إن الغرب عرف تجربة تاريخية طويلة النفس مع الدين المسيحي من أجل تكريس الحرية الدينية في النهاية، باعتبارها مكسبا للإنسانية جمعاء، وميز هاشم صالح بين الفهم القروسطي للدين، أو ما سماه الباراديغم القروسطي، والباراديغم الحديث لفهم الدين، ففي فهم القرون الوسطى للدين هناك دين واحد صحيح، بل حتى داخل هذا الدين الواحد هناك مذهب واحد فقط صحيح، كل ما عداه ضلال وزندقة، مضيفا بأن مفهوم الحرية الدينية في عقلية القرون الوسطى غير موجود، لأن تأسيس الحرية الدينية بالمفهوم الحديث غير ممكن إلا إذا خرجنا من منطق القرون الوسطى الذي يرفض الاختلاف. أما الباحث محمد جبرون، فقد اعتبر أن المسلمين يناقشون العديد من المشاكل التي يعيشونها بعيدا عن لغة العلم، وأن كثيرا من الكلام سطحي ويعرف صراعات وغير مؤسس على أسس فكرية، متسائلا في مداخلته عن المشكلة الكامنة بين الإسلام والحرية، وهل شكل الإسلام عائقا للحريات خلال الانعطافات التاريخية الكبرى. بينما قال الناشط أحمد عصيد إن الحرية بالمفهوم الحديث تصطدم بما سماه «دائرة المطلق»، حيث إن الدين يدخل في إطار المطلق باعتباره ثابتا، وأكد عصيد أنه من الصعب إيجاد الحلول بالرجوع إلى النص القرآني، لأن الحل يأتي دائما من خارج النص الديني، انطلاقا من قوانين دولية تلزم المغرب بضمان حقوق الإنسان.