هاشم صالح: ينبغي ألا تكون لدينا أوهام حول موضوع الحرية الدينية التي هي نتيجة للحداثة. فلابد من الاعتراف اليوم أن الحقيقة الدينية دخلت في أزمة مع نفسها. رشيد بنزين: مفهوم الشهادة والاستشهاد لم يكن سائدا في ذلك الوقت لأن الموت يفقر المجموعة والمجتمع. والموت في المعركة جزاؤه عند الله، وذلك كان مجرد خطاب لم يكن مجتمع تلك الفترة يصدقه. ممثلة «فريديريش نيومن»: ظاهرة «داعش» تدفع المجتمعات إلى التفكير من جديد في العلاقة بين الدين والحرية. نظمت جمعية «ضمير»، بشراكة مع مؤسسة «فريدريش نيومان» والمكتبة الوطنية للملكة المغربية بالرباط، ندوة فكرية حول موضوع «سؤال الدين والحرية»، وذلك يوم الاثنين 17 نونبر الجاري. وقد ساهم في الندوة نخبة من الباحثين والمتخصصين في الموضوع، لمناقشة موضوع تعيشه المنطقة العربية والعالم يوما بعد يوم، وخاصة بعد النتائج المترتبة لما عرف تحت اسم «الربيع الرعبي». الربيع الذي تحول إلى خريف مخيف للعرب وللعالم أجمع بعد هذا التداخل الغريب بين الدين والسياسة، وبعد هذه المجازر التي ترتكب باسم الإسلام. مما استدعى نهضة للمثقفين وللفكر التنويري لمساءلة وتحديد عناصر هذا التداخل، ومن أجل توضيح ما هو الدين، وما هي السياسة. في نفس السياق تدخل صلاح الوديع عن حركة «ضمير» واعتبر موضوع «الدين والحرية» يوجد في قلب التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، خصوصا بعد ارتفاع دعوات التعصب، والإرهاب، واضطهاد مجموعات بشرية برمتها. كما أنه موضوع يوجد في قلب التحولات الديموقراطية التي تسعى إلى الحفاظ على المكتسبات التنويرية، مع تعرض المكتسبات الحقوقية على المستوى الكوني للهدم والتراجع. وأضاف الوديع أن القضية تهم منظومة الإشراف الديني والمنظومة التعليمية والتربوية على حد سواء. وتدخلت مسؤولة مؤسسة «فريدريك نيومن للحرية» لتؤكد أن مؤسستها تعمل منذ سنة 1969 على موضوع الحريات، مع المجتمع المدني بالمغرب، من أجل مجتمع مفتوح ومنفتح وشفاف يؤمن بالحرية الفردية التي هي وحدها تساعد على التطور والتقدم. وأضافت أن ظاهرة «داعش» تدفع المجتمعات إلى التفكير من جديد في العلاقة بين الدين والحرية. وأكدت أنت العلاقة بين الكنيسة والدولة في ألمانيا هي علاقة تحكمها الاستقلالية والتعاون والاحترام المتبادل. ورجعت إلى التاريخ الديني المسيحي ووقفت عند العلاقة الدموية التي سادت بين الدولة والكنيسة والمجتمع، حيث سادت الحروب والجرائم، فهذا التاريخ الدموي يشهد على وقائع ارتكاب جرائم عدة باسم الكنيسة. لكن التمييز والتفريق بين الدولة والكنيسة اليوم استفاد منها الدين أولا، حيث تم ضمان تحرك كل المؤسسات الدينية ونشاطها في احترام تام للآخر سواء كان دينا أو مذهبا دينيا أو ثقافة مغايرة. وذلك يضمنه الفصل الأول من الدستور الألماني. وتدخل الأستاذ هاشم صالح في موضوع «أزمة الوعي الإسلامي، خواطر حول المصالحة بين الإسلام والحداثة»، وأكد أن الدين والحرية هو سؤال الساعة، وتتوقف على تشخيص هذه المشكلة حل مشكلة العصر برمته، فالعالم ككل ينتظر التنوير العربي الإسلامي. وفي مسألة الحرية الدينية، أقام هاشم صالح مقارنة مع أوربا، فنحن على ضفتين متقاربتين، يفصل بينهما بحر جميل. فالغرب لم يكن كله حريات. فطريق الحرية طويل لكن الغرب استطاع اجتيازه للوصول إلى الحرية. الحرية الدينية طريق الوصول إليها صعب وشاق. فالانتقال من مفهوم القرون الوسطى للدين إلى البراديغم الحديث للتنويري لفهم الدين كانت الطريق طويلة. ففي البراديغ الأول لم يكن هناك وجود للحرية؛ هناك دين واحد صحيح، وداخل هذا الدين هناك مذهب واحد صحيح. وأضاف هاشم صالح أنه ينبغي ألا تكون لدينا أوهام حول موضوع الحرية الدينية التي هي نتيجة للحداثة. فلابد من الاعتراف اليوم أن الحقيقة الدينية دخلت في أزمة مع نفسها. ومحتوى هذه الأزمة أن هناك طرق كثيرة توصل إلى الله. هذا هو مفهوم الحداثة للدين. لكن ينبغي الاعتراف أنه للوصول إلى هذا المحتوى لابد من قطع مسافات فلسفية، هي المسافات التي قطعها الغرب لتحقيق حريته الفردية وحداثته الدينية. لكن ذلك سيتطلب من العرب وقتا طويلا وعلينا أن نتحلى بالصبر، ونعطي وقتا للوقت. وعلى الغرب أن يفهم أن العرب يحتاجون لوقت لغربلة تراثهم قبل تقديم العلاج لمعضلتهم الدينية. وأضاف صالح أنه في المسيحية الأوروبية كان هناك دين واحد صحيح، وداخل هذا الدين كان هناك مذهب واحد هو الصحيح هو الكاتوليكية، ولم يتخل الغرب المسيحي عن هذا المعتقد الذي دام 1500 سنة إلى عندما دخل عصر الحداثة، في فترة الفاتيكان الثانية سنة 1965 وذلك دليل على أن حتى التوابث اللاهوتية الأكثر ترسخا يمكن التراجع عنها وتعديلها. وأكد صالح في استنتاجاته أن مفهوم الحرية الدينية غير ممكن الوجود دون الخروج من مفاهيم القرون الوسطى للدين. فكل الناس الطيبين الذين يحبون الخير هم من «الفرقة الناجية». وأضاف أن التراث العربي الإسلامي فيه مرتكزات يمكن أن نبني عليها للوصول إلى تحقيق الحرية الدينية، وأولها القرآن الكريم الذي فيه اعتراف واضح بالأديان الأخرى. كما أن هناك ابن عربي الذي عاش في فاس، وهو الآخر يعترف بمشروعية الأديان الأخرى. لكن ينبغي اجتناب الجانب المظلم في ديننا وتراثنا، وهو جانب تكفيري، انغلاقي، يرفض الأديان ومفاهيم الحرية. لكن للأسف، يضيف صالح، هذا اللتيار الانغلاقي هو الذي سيطر في عصر الانحطاط. وبعد موت ابن رشد انطفأت أنوار الفلسفة في الغرب الإسلامي، فدخلنا في الظلام منذ بداية القرن الثالث عشر إلى اليوم. وطيلة سبعة قرون ونحن خارج التاريخ. وللخروج من تكلس سبعة قرون لابد من حركات تنويرية. وهذا التنوير العربي قادم لاريب فيه، لكنه يحتاج إلى وقت. إنها معركة صعبة تتطلب نفسا طويلا لأننا سنخوض معركة مع انغلاقاتنا الذاتية. هذه هي أزمة الوعي الإسلامي التي نحن في أوجها. وتدخل رشيد بن زين من منطلق أنه لا يمكن طرح سؤال الدين والحرية خارج التاريخ، لابد من الرجوع إلى زمن وإلى مجموعة بشرية. الزمن هو بدايات الإسلام الأولى، والمجموعة البشرية هم المسلمون الأوائل الذي أحاطوا بالرسول محمد. لقد كانت تلك المجموعة تتعرض لأخطار كثيرة وسؤالهم الأكبر: كيف نعيش إذا انقطع عنا ماء السماء؟ لقد كانت مجموعات خائفة من الطبيعة والجغرافيا، وذلك الخوف فرض تلاحما ضمن مجموعة يذوب فيها الفرد. فالفرد لم يكن موجودا، بال المجموعة البشرية هي السائدة، وذلك يقلص من الحرية. وحتى الخطاب القرآني كان يتوجه إلى الإنسان/ الفرد، المنتمي إلى جماعة. وتوقف بن زين عند الإسلام الأول الذي لا نمكك عنه الكثير من المعطيات بسبب انعدام الكتابة والوثائق. وما هو متوفر هي كتب السيرة والتراجم والحديث. نحن هنا أمام تاريخ مقدس. وأضاف أن كل من يدرس مجتمع الإسلام الأول سيدرك أن هناك اختلاف بين الإسلام في القرن السابع والإسلام في القرن التاسع. فخلال قرنين تغيرت وحدثت أشياء كثيرة على مستوى تلقي الخطاب الإسلامي. وذلك يمكن أن يدفعنا إلى الاقتناع بأن القران والحديث ينتميان إلى مراحل تاريخية وإلى مجموعات بشرية كثيرة. وبخصوص الأطروحة الشيعية القائلة بأنه كان على النبي أن يعين خليفة له هي أطروحة أسطورية لم تكن ممكنة التحقق، فالإسلام في ذلك الوقت لم يكن يعرف منطق التعيين، إنها إمبراطورية إسلامية وتعيين خليفة الرسول كانت تتدخل فيه أطراف كثيرة. وأضاف أن الحديث لا يفسر القرآن بل هو قراءة مختلفة للقرآن. وقال بن زين إنه من الضروري الاستعانة بالجغرافية لفهم التاريخ، خصوصا في مجتمع قريش وما يحيط به. فلكل ذلك تأثير على خيال وطرق تفكير المجتمع. والحرية في ذلك المجتمع كانت تعني: أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، معنى ذلك هو أن الناس لم يكونوا يطيعونه. وذلك معناه أطيعوا كل من يحكمكم. وعن مفهوم الشهادة قال بن زين إنها لم تكن سائدة في ذلك الوقت لأن الموت يفقر المجموعة والمجتمع. والموت في المعركة جزاؤه عند الله، وذلك كان مجرد خطاب لم يكن مجتمع تلك الفترة يصدقه. ودعا إلى ضرورة إعادة علاقتنا بالماضي من خلال قراءته قراءة جديدة. وعن مفهوم الردة من خلال ما عرف بحرب الردة قال بن زين إنها مجرد فكرة مفادها أن الذين كانوا مع الرسول سابقا تخلى عن ذلك بعد موته. وقد استرمت الندوة بعروض لاحمد عصيد ومحمد جبرون ومحمد الصغير جنجار وسعيد لكحل ومنعم الفقير ومصطفى الخطابي للاستمرار في تفكيك أفكار الدين والحرية. وهو موعد ستضربه سنويا حركة «ضمير» كل سنة بشراكة دائما مع المكتبة الوطنية ومؤسسة «فريدريش نيومن».