تقول تقارير وأخبار إن هناك خمس مدن مغربية مرشحة لكي تصبح «مدنا ذكية» في إطار مشاريع جد متقدمة، وهذه المدن هي الدارالبيضاءوطنجةوالرباط وإفران وفاس. معنى الذكاء في هذه الحالة أن هذه المدن ستعرف تطبيق برامج خاصة بجمع المعلومات الدقيقة وتحليلها، وعلى أساس تلك المعلومات سيتم بناء أنظمة المدينة واحتياجاتها وخدماتها في جميع المجالات، بما في ذلك السلامة العامة ووسائل النقل والأمن والمباني والوكالات والشركات والخدمات الاجتماعية بمختلف أشكالها. وتضيف الحكاية أن برنامج المدن الذكية يحلل المعلومات بسرعة لعرض المشاكل، التي قد تطرأ في المدينة لتقديرها وتشخيصها، ومن ثمة يتم البحث عن حلول سريعة لضمان راحة السكان. الحكاية لم تنته بعد، لأنها تقول أيضا إن برنامج المدن الذكية يحتاج إلى استقطاب كبريات الشركات العالمية من أجل تحويل هذه المدن الخمس إلى مدن ذكية فعلا، ومن بين هذه الشركات توجد شركة إريكسون» السويدية وشركة «إي ب إم» الأمريكية. حكاية المدن الذكية طويلة إلى حد ما، لكن خلاصتها هي أن هذه المدن ستجد نفسها في النهاية مدنا مكتفية بخدماتها العامة وسلامتها وكل المرافق الضرورية لحياة الكائن البشري. إذا صدقنا هذه الحكاية فيجب أن نعترف بأن العالم المتقدم كله ذكي بينما نحن لا نزال أغبياء لأننا لا نزال نعيش في مدن غبية، مدن بلا مرافق ضرورية ولا نقل مريح ولا أمن كاف ولا تعليم كريم ولا حياة لائقة. برنامج المدن الذكية يصمنا بأننا أغبياء لأنه لا توجد ولا مدينة واحدة من مدننا المغربية تتوفر على مرافق الحياة المريحة والحقيقية. ويبدو أننا سنبقى أغبياء إلى زمن طويل، رغم أن المواطن المغربي يعتبر نفسه واحدا من أذكى شعوب العالم، بيد أن أكثر ما يبرع فيه هذا المواطن هو «العْياقة». لنتخيل أننا طبقنا كل الشروط الضرورية من أجل جعل مدننا ذكية، وأننا استقطبنا كل الشركات الكبرى في العالم، وأننا أتينا ب«إريكسون» و»إي بي إم»، وحتى البنتاغون و«سي آي إي»، ففي النهاية لن نحقق شيئا، لأن البرامج الذكية لا يمكن أن يطبقها الأغبياء. منذ الاستقلال، أو ما يسمى الاستقلال، إلى اليوم، مرت بالضبط 58 عاما، وهي مدة كافية لكي تكون كل مدننا وقرانا ذكية، لكننا لا نزال حتى اليوم نحمل النساء الحوامل بالقرى في توابيت الموتى للتوجه نحو المتشفيات، ولا يزال الكثير من الأطفال المغاربة يمشون عدة ساعات من أجل الوصول إلى المدرسة أو من أجل البحث عن منبع ماء. ثمانية وخمسون عاما كانت كافية جدا لكي تكون مدننا وقرانا شبيهة بقرى ومدن البلدان المحترمة، لكننا لا نزال نصحو يوميا فنسمع أن حمارا مسعورا عض قرية بكاملها من دون أن يتحرك أحد، أو أن ابنة أو ابن مسؤول كبير دهس مواطنا عاديا في مدينة ما فتمت لملمة الموضوع كما كان يجري في البلدان التي كانت تعاني من الميز العنصري. البرنامج الذكي الذي سيجعل مدننا ذكية سيقع بين أيدي الأغبياء وسيحولونه إلى برنامج أحمق تماما. فمنذ سنوات طويلة ظلت الانتخابات عندنا تفرخ جيشا من المحتالين واللصوص الذين يعربدون على الميزانيات والمال العام. فماذا سيفعل برنامج ذكي مع مسؤول أو منتخب يريد أن يسترجع فورا المصاريف التي خسرها في الحملة الانتخابية؟ وماذا سيفعل البرنامج الذكي مع شعب يقف عاجزا أمام مسؤوليه وهم يدخلون أيديهم في جيوبه صباح مساء دون أن يحرك ساكنا؟ المدن المغربية الخمس (الدارالبيضاءوطنجةوالرباط وإفران وفاس) التي يُزمع أن تتحول إلى مدن ذكية، كانت ذكية قبل مدة طويلة، لكن تم تحويلها إلى مدن معاقة ذهنيا، ثم تم وضعها على كرسي متحرك بعد أن أصابوها بالشلل. الدارالبيضاء كانت بيضاء بالفعل. كانت واحدة من أجمل مدن المغرب، وكان فنانون حقيقيون يسهرون على شؤون المعمار بها، ويا ويل من يُلوّث بياضها وجمالها. انظروا إليها اليوم وخمّنوا إن كان من الممكن أن تعود إلى سابق عهدها. طنجة كانت مدينة دولية واحتضنت أولى بشائر التحضر، ليس في المغرب فقط، بل في إفريقيا والعالم العربي، بل سبقت مدنا أوربية كثيرة في وسائل الحضارة.. وها هي اليوم فريسة بين مخالب وحوش العقار يعبثون بها كيفما شاؤوا. فاس كانت نبراس المغرب المضيء، فدارت بها الدوائر حتى هرب منها أبناؤها وتشتتوا في الأصقاع. وإفران لم يحمها من الدمار سوى الثلج، ولولا أن الرباط عاصمة لتحولت إلى دُوّار منذ زمن بعيد. خلاصة القول: لا يمكن خلق مدن ذكية في بلاد غبية.