في منتصف الثمانينيات، رأى الحسن الثاني، وهو يومها في عز قوته وجبروته، أن طموح مغربٍ جديدٍ، لم يعد يناسب القارة الإفريقية التي كانت ولاتزال أرض حروب أهلية وانقلابات وفقر ومجاعة، هو أن يضع طلبا رسميا لدى الاتحاد الأوربي لكي يصبح المغرب واحدا من مكونات القارة العجوز، خصوصا وأن المسافة التي تفصلنا عن أوربا لا تتجاوز أربعة عشر كيلومترا. وعلى الرغم من أن البعض اعتبر الأمر مجرد نزوة تملكت الملك الراحل، فإن إصرار الحسن الثاني جعلنا، اليوم، نفهم الحكمة من ذلك. لم يقل الاتحاد الأوربي لا لطلب المغرب، الموجود جغرافيا في إفريقيا؛ لكنه فرض علينا، قبل الانضمام إلى هذا الاتحاد الذي كان يتوسع يوما بعد يوم، الجواب عن سؤال مركزي هو: هل يعتبر المغرب أول مصدر للحشيش في العالم؟ ولم ينتظر منا المرصد الجيوسياسي التابع للاتحاد الأوربي الجواب، بل تكفل هو بالتحقيق فيه. وكانت الخلاصة الصادمة هي أن المغرب يصنف من بين الدول المصدرة للحشيش إلى أسواق أوربا؛ ولذلك رفض طلبنا بالانضمام إلى الاتحاد الأوربي. أما تداعيات هذه القضية فهي أن الحسن الثاني وضع شكاية ضد جريدة «لوموند» الفرنسية، التي نشرت تقرير المرصد الجيوسياسي، وقالت إن مقربين من الأسرة الملكية يتاجرون في هذه النبتة السحرية. وحينما اشتد علينا خناق منظمة الوحدة الإفريقية، وهي تنحاز إلى أطروحة الانفصال في قضية الصحراء المغربية وتقبل بانضمام الجمهورية الوهمية إلى صفوفها، كان لا بد أن يغادر المغرب هذه المنظمة التي كان هو أحدَ مؤسسيها. مناسبة هذه المقدمة هي ما نعيشه اليوم من رهان قوة مع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم التي رفضت طلب المغرب تأجيل تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا لسنة 2015 بسبب تفشي وباء إيبولا، وقالت إنها متشبثة بالموعد، سواء قبِل المغرب أم لم يقبل. وفهم كثيرون أن العائدات المالية التي تكسبها «الكاف» من تنظيم الكأس الإفريقية، والتي تعتبر مبرر وجودها، هي التي حركت هذا الموقف الذي لم ير في إيبولا، وفي كل الأرقام المخيفة التي تنشرها منظمة الصحة العالمية عن تفشي الوباء، أي مبرر لقبول التأجيل؛ لذلك اختارت «الكاف» أن يكون الربح المادي، ولو على حساب صحة وسلامة المواطنين، هو الرهان الأول والأخير. لقد وجدت السلطات المغربية نفسها في وضع صعب، إذ كيف تقبل بتنظيم تظاهرة كروية يفترض أن تحضرها جماهير كبيرة من المغرب ومن خارجه وهي مهددة بالوباء؟ بل كيف يمكن لهذه السلطات أن تقنع المغاربة بالتراجع عن موقفها بعد أن منحتها «الكاف» مهلة خمسة أيام لذلك، ستنتهي بحلول يوم السبت ثامن نونبر الجاري، في الوقت الذي عدد فيه وزيرنا في الصحة أخطار الوباء، وقال إن التنظيم خط أحمر. لكن الوجه الآخر لهذه العملة هو أن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم لن تتردد في إنزال أقسى العقوبات بالمغرب إن هو تشبث بموقفه الرافض للتنظيم في الموعد؛ وأولى تلك العقوبات، خارج ما هو مالي، هي حرمان كرة القدم المغربية من المشاركة في التظاهرات الإفريقية، سواء تعلق الأمر بالفرق أو بالمنتخبات. وقتها، سنجد أنفسنا نبحث عن فضاءات أخرى غير إفريقيا. وكما أننا تركنا في الماضي القريب منظمة الوحدة الوحدة الإفريقية خلف ظهورنا، فقد نترك اليوم الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بسبب وباء إيبولا. ولا بد، ونحن نستعد لهذا الرحيل، أن نستحضر حلم الحسن الثاني الذي تمنى الانضمام إلى الاتحاد الأوربي. لماذا لا نجرب هذه الوصفة، وننخرط في أوربا على الأقل كرويا، فدول بعيدة جغرافيا تشارك اليوم في تصفياتها الكروية؟ يبدو الحلم صعب التحقق، لكن الإنجازات الكبرى انطلقت بمجرد حلم صغير. بقي فقط أن نتمنى ألا يضعنا الاتحاد الأوربي، مرة أخرى، أمام امتحان المخدرات، الذي خسرنا شوطه الأول مع المرصد الجيوسياسي.