يوجد الرئيس الأمريكي هذه الأيام في وضع لا يحسد عليه تجاه ملف حقوق الإنسان ومعاملة السجناء من قبل أجهزة الأمن الأمريكية. فالتفاصيل الجديدة التي أفرجت عنها المصالح العمومية الأمريكية الأسبوع الماضي في موضوع ممارسة التعذيب على السجناء أكدت، مثلا، أن خالد الشيخ محمد، العقل المدبر لأحداث 11 شتنبر، تعرض خلال مارس 2003 لتقنية إغراق الرأس في الماء على يد المحققين الأمريكيين للحصول منه على اعترافات حول العمليات. وأفادت التقارير الأخيرة بأن خالد الشيخ تعرض لمحاولة الإغراق 183 مرة خلال شهر واحد، أي بمعدل 6 مرات في اليوم الواحد في أحد السجون الأمريكية السرية التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية. أبو زبيدة، الزعيم المشتبه به في عمليات القاعدة، مورست عليه هو الآخر نفس التقنية 83 مرة خلال شهر غشت 2002، حسب التقارير الأمريكية الأخيرة. وتأتي هذه التفاصيل التي كشف عنها بأمر من الرئيس أوباما لتخالف التصريحات التي أدلى بها في وقت سابق مسؤولون في وكالة الاستخبارات الأمريكية، والتي جاء فيها أن أبا زبيدة قبل الحديث إلى المحققين معه بعد حصة إغراق دامت 35 ثانية؛ وهي التصريحات التي تبين أن طرق التعذيب المشددة التي مورست تحت إدارة بوش استعملت على نطاق واسع خلافا لما قيل على عهد الإدارة السابقة. وقد أثارت هذه التفاصيل موجة نقاش وجدالات حادة في الإدارة الأمريكية وبين المسؤولين. ويبدو أنها كانت وراء حصول تحول في قرار الرئيس، الذي سبق له أن أعلن أنه لن يتابع المحققين الأمريكيين المتورطين في حالات تعذيب تتناقض وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة. ما يعني أن وعد أوباما بطي صفحة الماضي بات مستبعدا. وكان أوباما زار، ظهيرة يوم الاثنين الماضي، مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية، قرب واشنطن، ليعبر عن سنده ودعمه الكامل لرجال الوكالة، الذين تقبلوا نشر التقارير الخاصة بحصص التعذيب على مضض، بل إن رئيس الوكالة، ليون بانيتا، كان أبدى معارضته لقرار النشر، لكن دون جدوى. وبعد جوابه على سيل من الأسئلة التي طرحت عليه من قبل موظفي الوكالة، أكد أوباما في خطاب له على ضرورة الاعتراف ب«أخطاء» الماضي، وصرح بأنه سيفعل ما بوسعه ل «حماية هوية وسلامة» عناصر الوكالة، حسب ما جاء في وسائل الإعلام. وقد تأكد هذا التراجع اللفظي الطفيف، مقارنة مع الأسبوع الماضي عندما وعد أوباما بأن محققي الوكالة لن يتابعوا قضائيا، يوم الثلاثاء من قبل الرئيس عندما تكلم عن احتمال متابعة المسؤولين السياسيين. وفي تصريحه قال الرئيس: «إن هذا القرار من أصعب القرارات التي كان علي الحسم فيها. بالنسبة للذين قادوا التحقيقات في إطار تحدده الإدارة، لا أعتقد أنه سيكون من اللائق متابعتهم. أما بالنسبة للذين كانوا وراء اتخاذ قرار اللجوء إلى تلك الممارسات، فإن قرار البت في أمرهم يوجد بين يدي وزير العدل.» وتابع الرئيس خطابه بالقول: «من وجهة نظر عامة، أعتقد أنه علينا أن ننظر إلى المستقبل، لا إلى الماضي». على خلفية هذه التصريحات والتفاصيل الجديدة المتعلقة بطرق التعذيب التي مورست على السجناء من قبل الأمريكيين، ارتفعت أصوات كثيرة في أمريكا تطالب بإجراء تحقيقات، واتخاذ عقوبات في حق المتورطين إذا اقتضى الأمر ذلك. وتذهب الاحتمالات في اتجاه أن يلجأ وزير العدل الحالي، إريك هولدر، المعروف بدفاعه الكبير عن الشفافية، إلى الأمر بإجراء تحقيقات قضائية في الموضوع. كما أن رجال القانون الثلاثة الذين كانوا وراء المذكرات الجديدة الخاصة بممارسة التعذيب، فسيكونون موضوع تحقيق من قبل لجنة الأخلاق في وزارة العدل الأمريكية. وهنالك مساطر محتملة يمكن أن تستهدف، من جهة، أعضاء من إدارة بوش السابقة الذين شجعوا أو أذنوا بالقيام بتلك الممارسات المخالفة للدستور الأمريكي والقانون الدولي؛ ومن جهة أخرى يمكن أن تستهدف محققين بالغوا في تجاوز الحدود المسموح بها من قبل المسؤولين في واشنطن. وطلبت جهات مختصة في الكونغرس الأمريكي من الرئيس أوباما التريث في إعلان أي قرار في هذا الموضوع قبل انتهاء لجنة التحقيق من عملها في أفق 6 أو 8 أشهر. كما أنه من الوارد أن تقوم الأممالمتحدة بتحقيق في الموضوع. من جهة أخرى، قام أعضاء كانوا في إدارة بوش بتوجيه انتقادات عديدة لقرار الرئيس أوباما. فبعد أن صرح بأن الكشف عن تلك المذكرات يكشف، في الوقت ذاته، أسرار الحرب على الإرهاب، أضاف ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، على قناة «فوكس نيوز»: «أرى أن في الأمر شيئا من الإزعاج عندما لم يكشفوا عن المذكرات التي تؤكد نجاح ذلك العمل. هنالك تقارير تبين بدقة ما حصلنا عليه من نتائج من وراء هذا العمل».