في إطار الملتقيات الثقافية التي ينظمها المجلس العلمي المحلي بالرباط، تمت برمجة مجموعة من الندوات العلمية والمحاضرات الدينية موزعة على مجموعة من مساجد الرباط ضمن الموضوع العام الذي تم اختياره هذه السنة والخاص بمحور التصوف. وقد تمت برمجة عدد من المحاضرات والندوات واللقاءات التي تهم قضايا إسلامية مختلفة، من جملتها قضية الهجرة النبوية والمقاصد الدينية والشرعية في السيرة النبوية وحوار الحضارات ومشكلات الأسرة المسلمة المعاصرة، وذلك بعدد من المساجد بالعاصمة. وفي هذا الإطار، نظم المجلس لقاء مع الدكتور أحمد البوكيلي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرباط، حول موضوع «العلاقة بين القيم الصوفية والتربية الذوقية وإنتاج منظومة القيم الحضارية». ودعا البوكيلي في حديثه إلى ضرورة تأصيل التصوف على كبرى القضايا المقاصدية المؤطرة للرسالة الإسلامية، والتي من بينها مقصد التزكية الذي اعتبرته العقيدة التوحيدية، أي الدين الإسلامي، ثمرة لجوهر العقيدة التوحيدية التي لم تأت باعتبارها عقيدة نظرية غارقة في المباحث الفلسفية لعلم الكلام، وإنما على العكس من كل ذلك، جاءت باعتبارها نورا إلهيا «كلما فتح الإنسان قلبه للارتقاء في مقامات تذوق رسائل الحب الإلهي واللطف الرباني، كلما كان مهيئا لتذوق الحلاوة الإيمانية التي يحولها بموجب الطاقة الروحية الفردية إلى قيم سلوكية لا تبقى حبيسة للتجربة الذوقية الفردية»، وإنما تصبح مشتركا أخلاقيا ينعكس إيجابيا على صدر شبكة العلاقات الاجتماعية، وهو ما يصطلح عليه في فلسفة العمران بفقه البناء الحضاري. وقال البوكيلي إن هذا الفقه المشار إليه لا يشكل في المنظور القرآني قواعد نظرية صرفة، «وإنما يعكس بالدرجة الأولى قوة الصناعة الروحية في الأمة التي عاشت أعظم تجربة روحية وقت النبي صلى الله عليه وسلم عندما ربى الصحابة رضوان الله عليهم على أساس أن التجربة الروحية والذوقية للطاقة الإيمانية ليست حالة أنانية تمركز الطاقة حول الذات، وإنما هي حالة تخلقية توصل الفرد إلى أعلى مقام إحساني، ولكن على قاعدة خدمة الأمة بما هي تجل لمنظومة القيم التربوية». وبهذا المعنى، يوضح الدكتور البوكيلي، فإن إعادة بناء الشخصية الحضارية للأمة يتطلب اليوم التفكير في ضرورة إحياء فقه التزكية الروحية والتربية السلوكية لإعادة بناء الإرادة الحضارية للأمة لتكون في مستوى الوظيفة الشهودية على الحضارة الإنسانية. ولعل هذه المهمة الحضارية حسب المتحدث تتطلب اليوم فتح الحوار والتفكير بصوت عال حول ضرورة إعادة بناء الشق المعرفي للأمة الإسلامية لتعيد تركيب خريطة العلوم العقدية والمعرفية والروحية على قاعدة المقاصد العقدية التي تؤصل التربية الروحية والبناء العمراني على مرجعية الرؤية التوحيدية، التي تحتم اليوم على الأمة تجديد خطابها الإسلامي حتى تخرج من هيمنة الإيديولوجيات الطائفية والعقليات التجزيئية والتجارب الفاشلة. وانتقل الباحث إلى قضية الحوار بين الحضارات، التي اعتبرها من بين كبرى القضايا الإشكالية في وقتنا المعاصر، خصوصا أمام تزايد ارتفاع ثقافة العنف تجاه الآخر، سواء اتخذ هذا العنف طابعا دينيا أم طابعا سياسيا، الشيء الذي يبين يقول الباحث ضرورة إعادة بناء مقاربة جديدة لهذه الإشكالية تتجاوز منطق الاستثمار الإيديولوجي لأطروحة الحوار بين الحضارات «التي باتت في عرف بعض الخطابات عبارة عن موضة لتحقيق نوع من التواصل الإشهاري مع الآخر في زمن باتت فيه ورقة الحوار بين الحضارات مدخلا للمرور إلى مائدة النقاشات الدولية والمؤتمرات العالمية». وقال البوكلي إن المسلم المعاصر اليوم أصبح في حاجة إلى لحظة للتأمل الصادق مع الذات، خصوصا وأن المفارقة بين الواقع العملي وبين المرجعية العقدية «تضعنا أمام تساؤلات تحتاج إلى امتلاك العقلية النقدية لرفع السقف الإشكالي للموضوع».