سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حكاية صراع «تاريخي» بين امرأتين في عاصمة الأطلس ينتهي في أقسام المستعجلات فاطمة الصابري تتهم: «حفصة تدعي القوة وتستغل قرابتها من القصر» وجمال أمحزون يقول: «إنهم يحاولون تشويه صورة العائلة»
لم يخلف إضراب العاملين في قطاع النقل ثلاثة موتى ومعتقلين فقط، بل إنه فجر صراعا «تاريخيا» بين امرأتين في عاصمة الأطلس، انتهى بهما في غرف العلاج بمكناس، في انتظار أن يحال الملف على القضاء. المحامية الصابري تتهم حفصة أمحزون باستغلال قرابتها من العائلة الملكية لاستغلال الناس البسطاء وهضم حقوقهم وإدخال بعضهم إلى السجون. أما حفصة أمحزون، وعلى لسان أحد المقربين منها، فإنها تتهم هذه المحامية وبرلمانيا، من أقربائها، ب«تلطيخ» سمعتها في ردهات المحاكم وتشويه صورتها في الصحافة. «المساء» تنقل خبايا الصراع المفتوح بين المرأتين. فرض مسؤولو المستشفى العسكري مولاي اسماعيل بمكناس حالة من «العزلة» على حفصة أمحزون، التي تتهمها المحامية فاطمة الصابري بالاعتداء عليها بالسلاح الأبيض بخنيفرة. وقال أحد هؤلاء المسؤولين ل«المساء» إن تعليمات أعطيت لكي لا يسمح لأي صحفي بأن يدخل إلى هذا المستشفى بصفته المهنية إلا بعد الحصول على إذن مكتوب، نظرا إلى كون المستشفى تتبع للإدارة العسكرية، فيما رابطت بعض الأطر التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية بالقرب من البوابة الرئيسية للمؤسسة لمراقبة الزوار، وظل بعض العسكريين الصغار يتحققون من هويات الوافدين على المكان ويسألونهم عن العلاقات العائلية التي تربطهم بالمرضى المراد زيارتهم. «إنه موقف محرج»، يقول أحد هؤلاء الموظفين، قبل أن يضيف: «لكن ما باليد حيلة». صراع «تاريخي» فوق أحد أسرة هذا المستشفى تخضع حفصة أمحزون للعلاج، وهي المرأة التي خلقت ضجة في خنيفرة ودفعت ما يقرب من 4000 مواطن إلى الانضمام إلى الوقفة الاحتجاجية التي نظمها فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوم السبت الماضي بعاصمة الأطلس المتوسط. حفصة، ذات اللكنة الأمازيغية الواضحة، رفضت التحدث إلى «المساء» عبر الهاتف. وقال جمال أمحزون، أحد أقاربها، في اتصال معه، إنها تحتاج إلى بعض الوقت لكي يكون بمستطاعها التحدث مطولا إلى الصحافة، وذلك نظرا إلى كونها تعرضت لاعتداء بقنينة من قبل أحد معاوني زوج المحامية، على مستوى الرأس، يضيف المصدر نفسه. وغير بعيد عن هذا المكان، وفي مصحة المنزه الخاصة، تخضع المحامية فاطمة الصابري للعلاج. «لقد تعرضت لاعتداء شنيع الغرض منه قتلي من قبل حفصة أمحزون»، تقول هذه المحامية وهي تسرد تفاصيل روايتها للحادث الذي هز مدينة خنيفرة بداية الأسبوع الماضي. وفي الوقت الذي تؤكد فيه هذه المحامية خبر عيادتها في الغرفة رقم 35 بالمصحة من قبل رجال الشرطة القضائية منتصف الأسبوع الجاري واستماعهم إليها في محضر رسمي، ينفي جمال أمحزون أن تكون أي جهة أمنية قد استمعت إلى قريبته حفصة حتى الآن. المحامية الصابري تشير كذلك إلى أن عناصر الشرطة القضائية التابعة لأمن خنيفرة بدأت في الاستماع إلى الشهود الذين يؤكدون روايتها للأحداث. «هم يقاربون ال20 شاهدا، بعضهم عاش المسلسل الهوليودي لمطاردتي في شوارع خنيفرة، وبعضهم يرفض الإفصاح عن هويته قبل الموعد المحدد للشهادة مخافة أن يتعرض للاعتداء». وترسم المحامية الصابري صورة قاتمة عن حفصة أمحزون، مصورة إياها لمستمعها على أنها امرأة «متسلطة وقاسية» و«تستغل علاقة القرابة التي تقول إنها تربطها بالقصر الملكي للإضرار بالآخرين والإجهاز على حقوقهم». وتقول إن حادث البنزين بالمركب السياحي الذي يملكه زوجها يعد بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس في علاقة تشنج تعمقت بين المرأتين. أما حفصة أمحزون فتتهم المحامية ب«تلطيخ« سمعتها أمام محاكم جهة مكناس تافيلالت، كما تتهم أحد أقاربها، وهو برلماني ينتمي إلى حزب الاستقلال ب«الإساءة» إلى صورتها في الصحافة الوطنية، ومكاتبة عدة جهات رسمية بشأنها. وتقول المحامية فاطمة الصابري إن مهنتها، المحاماة، التي تزاولها منذ حوالي 15 سنة، مع جرأتها في طرح شكايات المواطنين والدفاع عنهم، دفعتا حفصة أمحزون إلى انتظار الفرصة المناسبة لمحاولة «إسكات صوتها» المرفوع ضد ما تسميه بالظلم. «هذا ما يقع للمحامية التي تنوب ضد الأميرة حفصة»، هذا جزء من الكلام الذي تنسبه هذه المحامية إلى حفصة أمحزون وهي تعتدي عليها داخل مقر إدارة الأمن بخنيفرة، طبقا لروايتها، قبل أن تسقط مغمى عليها والدماء تغمر وجهها جراء الطعنات التي تقول إنها تلقتها من قبل غريمتها المسنودة من قبل ابنتيها وحوالي 40 فردا من رجالها كانوا يطاردونها في شوارع خنيفرة قبل أن يحاصروها وهي تهم بالاحتماء بإدارة الأمن. جمال أمحزون، من جانبه، ينفي أن تكون قريبته قد اعتدت على المحامية، معتبرا أن هذه الأخيرة حاولت الدخول إلى مقر الأمن، لكنها اصطدمت ببوابة زجاجية، مما أدى إلى إصابتها في وجهها وبعض من أنحاء جسدها. ويقول إن البعض يحاول تشويه صورة العائلة لأغراض مجهولة. وحدها الخبرة يمكنها أن تؤكد صحة الاتهامات المتبادلة، وكلا الطرفين يدعو إلى إجراء هذه الخبرة. فحفصة تؤكد أنها ستطالب بها، والصابري تورد أنها مستعدة ليس فقط لخبرة وطنية وإنما ل«خبرة دولية، وحتى لخبرة أمام الشعب». وعلى الرغم من أن بيانا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يتحدث عن كون الاعتداء على المحامية وقع أمام مقر الأمن الإقليمي بالمدينة و«على مرأى ومسمع من رجال الأمن الذين وقفوا يتفرجون عاجزين عن حماية المواطنة بل وحتى حماية مقرهم«، فإن الصابري، التي تقدم نفسها كضحية لاعتداء، تقول إنها لم تتمكن من إشعار رجال الأمن بكونها في حالة خطر، رفقة سائقها، نظرا إلى السرعة التي حوصرت بها من قبل رجال حفصة أمحزون. ولم يتدخل رجال الأمن إلا بعد أن وقعت الواقعة. وتضيف الصابري أن رجال الأمن أدخلوها إلى مخفر الشرطة لحمايتها من الاعتداءات المتواصلة عليها. أما جمال أمحزون، فيورد أن هذه الرواية لا أساس لها من الصحة، و«لدينا من الشهود وسط رجال الأمن الحاضرين من يثبتون عكس ذلك». وتتحدث المحامية الصابري عن عشرات الشكايات التي قدمت ضد حفصة أمحزون من قبل سكان يقول بعض حقوقيي المنطقة إنهم ممن لا حول لهم ولا قوة، أمام غطرسة هذه المرأة التي تعرف لدى أقاربها ب«الحاجة» وتوصف من قبل خصومها بالمرأة المتسلطة التي تستغل قرابتها العائلية من القصر. لكن بعض هذه الملفات، في نظر هذه المحامية، يكون مآله «الإجهاض» سواء في النيابة العامة أو لدى الضابطة القضائية، في حين أن شكاياتها تفعل ويحكم لصالحها، وهي، علاوة على ذلك، تعمد إلى صنع المكائد لإدخال المشتكين إلى السجن، تقول هذه المحامية التي تكلفت، فيما سبق، بأغلب الملفات التي رفعت ضد أمحزون، قبل أن تعود وتقول: «أنا لم يسبق لي أن ووجهت بأي عرقلة في أي مسطرة، ولكن الناس يتحدثون عن شكايات مجمدة». أما فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فيتحدث عن توصله ب6 ملفات، في حين أن الباقي هو عبارة عن شكايات شفوية، يورد عزيز عقاوي، رئيس جهة مكناس للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح له ل«المساء». أزمة البنزين تفجر الصراع! في مساء يوم الثلاثاء 14 أبريل الجاري عاشت مدينة خنيفرة، كغيرها من مدن المملكة، أزمة ندرة البنزين في جل محطات الوقود بها، نتيجة للإضراب الوطني للعاملين في قطاع النقل. الأمر الذي أدى إلى تدخل الحكومة لتوفير بعض من هذه المادة التي تنافس للحصول على كميات منها عدد من أصحاب محطات الوقود. في خنيفرة حصل نفس التنافس، لكنه بدا تنافسا غير عادي بين عائلتين لكل منهما محطتها وبينهما حساسية توصف بالمفرطة. وتقول المحامية الصابري إن زوجها، وهو صاحب مركب سياحي يعرف ب«تيتريت«، وتعني النجمة بالأمازيغية، عمد بتحركاته إلى الحصول على شاحنة بنزين من شركة للوقود، لكن حفصة أمحزون التي تقع محطتها على بعد حوالي 32 كيلومترا من خنيفرة، وبالتحديد، بالقرب من بلدة مريرت، رغبت في الاستحواذ على هذه الكمية التي تقدر قيمتها بحوالي 200 مليون سنتيم. وتسجل هذه المحامية أنها تدخلت في النزاع باعتبارها محامية واستنجدت برجال الدرك وبوكيل الملك، مضيفة أن بعض رجال الدرك حضروا إلى عين المكان دون أن تكون لهم القدرة على فض النزاع، في حين فضل وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية إغلاق هاتفه، رافضا الحضور لمعاينة الحادث. ومن جهته، يؤكد جمال أمحزون أن النزاع بدأ حول هذه الشاحنة، قبل أن يتطور ويصل إلى مقر الأمن الإقليمي بكل التناقضات في التفاصيل التي ينقلها الطرفان. «النهج» على الخط وعلاوة على كون النزاع انتقل من المدينة ليتخذ بعده الوطني في الصحافة المغربية، فإنه كذلك فتح المجال أمام حقوقيي المنطقة لإصدار بيانات نارية وقفوا فيها مساندين للمحامية فاطمة الصابري، فيما وجهوا سهام الانتقادات إلى حفصة أمحزون. وقال عزيز عقاوي، رئيس جهة مكناس للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريحه ل«المساء»، إن ما سماه ب«الاعتداء» الذي تعرضت له الصابري «ليس حدثا عابرا أو جريمة كباقي الجرائم، معزولة في الزمان والمكان، وإنما هو جريمة تندرج ضمن سلسلة من الاعتداءات الجسيمة التي تعرض ويتعرض لها المواطنون بإقليم خنيفرة والنواحي من طرف أناس يعتبرون أنفسهم فوق القانون بحكم قربهم من القصر». عقاوي اتهم رجال الأمن بالمدينة ب«العجز عن توفير الحماية للمواطنة المحامية التي التجأت إليهم»، مطالبا، في السياق ذاته، بما أسماه «محاسبة الجناة وبضرورة وضع دستور ديمقراطي، شكلا ومضمونا، وفصل السلط وجعل القضاء سلطة قضائية مستقلة». وعلى نفس المنوال سار بلاغ لفرع هذه الجمعية وقرن حفصة أمحزون المتهمة بارتكاب الاعتداء بقرابتها من القصر الملكي واتهمها ب «الاعتداء على ممتلكات المواطنين والمواطنات والمس بحياتهم الشخصية»، فيما قال أحد أقارب حفصة أمحزون إن أغلب أعضاء هذه الجمعية بمدينة خنيفرة معروفون بانتمائهم إلى حزب النهج الديمقراطي، وهو الحزب الذي وصفه بالحزب اليساري المتطرف. واستغرب المصدر ذاته وقوف هؤلاء الحقوقيين ضد حفصة أمحزون وغضهم الطرف عما سماه ب«الاستغلال البشع» الذي يمارسه زوج المحامية الناصري، وهو صاحب معامل بالمنطقة، في حق عماله الذين لا يسجل أغلبهم في صندوق الضمان الاجتماعي ويشغل أغلبهم بشكل مؤقت وبأجور زهيدة لا تحترم الكرامة الإنسانية. ورد عزيز عقاوي على هذه الاتهامات بالتعبير عن استعداد الجمعية للتظاهر ضد هذا المستثمر في حال توصلها بشكايات من العمال المتضررين. وقال إن الوقفة التي تم الاعتماد فيها على الإمكانيات الذاتية للجمعية ونشطائها شاركت فيها فعاليات سياسية وثقافية من المنطقة، ولكن دون استحضار التوجهات السياسية، مضيفا أن الجمعية التي ينتمي إليها قد سبق لها أن قامت بالعشرات من «الأشكال النضالية» ضد بعض الاعتداءات التي يتهم أفراد من عائلة أمحزون بارتكابها في حق بعض سكان المنطقة، وذلك إلى جانب احتجاجات أخرى تطرقت ل«مافيات» الغابة والمرفق الصحي، وغيرها، في مدينة عادة ما تهدأ لشهور قبل أن تولد حدثا ينقله القاصي والداني. وآخر هذه الأحداث، قبل انفجار ملف الناصري وأمحزون، كان هو ملف رقية أبو عالي الذي زعزع أركان جهاز القضاء في عهد الوزير الاتحادي الراحل محمد بوزوبع.