نهاية الأسبوع، أباد المغاربة قطعانا كاملة من الأكباش والتيوس والأبقار والعجول والعنزات إحياء لسنة جدنا إبراهيم الذي كاد أن يذبح ابنه إسماعيل لولا أن فداه الله بكبش من الجنة. تقبل الله من الجميع. عيد الأضحى سنة مؤكدة، وإحدى أهم المناسبات الدينية في الإسلام، دون شك؛ لكن ذلك ليس مبررا كي تصبح الشوارع ملطخة بالدماء والرؤوس والجلود والفضلات، على النحو الذي شاهدناه، إلى درجة لا تنقص معها إلا الأعلام السوداء كي نشعر بأننا تحت حماية «أمير المؤمنين» أبي بكر البغدادي! مثل كل عام، أشهرنا السكاكين والسواطير وغرائزنا البدائية، وانتقمنا من الحيوانات شر انتقام، ولم نتردد في تحويل الشوارع إلى «باطوارات» في الهواء الطلق، وفي النهاية نسينا أن نجمع الفضلات... أينما وليت وجهك تتعثر في الجلود و»المصارين» والرؤوس و»الكرعين»، دون الحديث عن الرائحة التي تكاد تجعل الواحد يسقط مغشيا عليه، كلما فتح باب منزله، لأن المغاربة يحرصون على تنظيف بيوتهم جيدا، ويتركون الخارج عرضة لكل الأوساخ! لنكن جديين، لقد بات من الصعب أن نتحمل كل هاته القذارات في الشوارع بحجة أنه العيد. العالم تحول، وصارت هناك وسائل عصرية للتعامل مع الفضلات، وليس من المقبول أن تتحول مناسبة روحية مباركة إلى لعنة على صحة المواطنين، من كثرة الأمراض التي تنقلها الأشلاء المتروكة في الهواء الطلق، والجراثيم التي تتجول من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت. لا بد أن تبذل الهيئات الدينية والفقهاء والجهات المعنية بالشأن الروحي، جهدا خاصا كي تشرح لبعض المغاربة أن عيد الأضحى «سنة مؤكدة» يتصدق فيه الأغنياء على الفقراء، لتمتين روابط التضامن، وتذبح فيه الأضاحي إحياء لسنة إبراهيم الخليل، لكنها ليست مسابقة في سفك الدماء وترك الفضلات في الشارع، دون مراعاة لما تشكله من خطر على الصحة العمومية، ولا فرصة لتحرير الغرائز البدائية للإنسان والفتك بالحيوان أيا كانت الظروف، حتى لو اقتضى الأمر أن تقترض من البنك كي تمارس ساديتك على الخروف... لحسن الحظ أن عيد الأضحى لا ينطوي فقط على هذه المظاهر السلبية، بل يكشف عن وجوه أخرى أكثر تسلية، منها العبقرية التي يظهرها الأطفال في الأحياء الشعبية حين يحولون «الناموسيات» القديمة إلى شوايات عملاقة في الهواء الطلق، كي «يشوطوا» رؤوس الأكباش مقابل درهم أو درهمين؛ كما أن العيد يجعل الكثيرين يكتشفون في أنفسهم مواهب خطيرة في الذبح والسلخ والنفخ، أن تعول على نفسك أفضل من أن ترهن صباحك بسكين شخص مشكوك في مواعيده، والأحمق من يثق في كلام الجزار أيام العيد، لأنه يعدك بأن يأتي مباشرة بعد الصلاة لكنه يتأخر أو يخلف وعده في غالب الأحيان، الموعد ذاته أعطاه لعشرين شخصا قبلك دون أن يقدر العواقب، هكذا يتركك تتصارع مع الحيوان ولا تنتهي من سلخه إلا بعد الظهر. ومن أغرب الأشياء التي تثير في السنوات الأخيرة إجماعُ كثيرين على أنهم لا يأكلون «الغنمي»... كل من تلتقي به يقول لك إنه يذبح الكبش فقط إحياء للسنة المؤكدة، أما اللحم فلا يعنيه، إلى درجة يتساءل معها الواحد من يأكل كل هاته الملايين من الخرفان؟ أكلت أم لم تأكل، الكبش في النهاية هو من يدفع الثمن، إنه «الضحية المثلى»، حتى إن المتهم البريء بين بني البشر يسمى: «كبش الفداء». وهناك نكتة مسلية في هذا الباب، تحكي أن حصانا أصيب بمرض أوهنه، وعندما طال به المرض استقدم صاحبه بيطريا كي يفحصه، الأخير وصف له حقنة وقال له إذا لم تظهر على الحصان أعراض الشفاء بعدها فإنه ميؤوس منه، وعليه أن يذبحه كي لا يتعذب. كان هناك في الإسطبل خروف سمع الحديث الذي دار بين الفلاح والبيطري، وذهب مسرعا إلى صديقه الحصان كي يخبره بما ينتظره إذا لم يصنع أي شيء، مقترحا عليه أن يتظاهر بالتعافي بعد الحقنة كي يفلت من الذبح. بالفعل، ما إن حقنوا الحصان حتى استجمع قواه كي يبدو مثل سابق عهده، في كامل العنفوان، وانطلت الحيلة على صاحب الضيعة، الذي غلبته الفرحة بعد أن رأى «العود» المريض «كيتبورد»، كما في الأيام الخوالي، ونادى على زوجته: «تعالي لتريْ، لقد شفي الحصان، شفي الحصان...»، قبل أن يستطرد في حماس: «احتفالا بشفائه... سأذبح الخروف »!