حمزة الأمين بعد المقال الذي نشر لي بجريدة "المساء" يوم 25 أبريل 2012، بمناسبة مرور 100 سنة على عقد الحماية، حول الموقف النبيل الذي وقفه محمد بلحسن الوزاني، الأمين العام لحزب الشورى والاستقلال، رحمه الله، بتكليف من ملك البلاد محمد الخامس، طيب الله ثراه، من أجل إفشال المؤامرة الإسبانية التي كانت تدبر لمنح الاستقلال لمنطقة الشمال وفصلها عن المملكة وعن الحكومة المركزية بالرباط؛ وهو الموقف الذي نجح من خلاله ملك البلاد والزعيم الوزاني، بفضل الله وتوفيقه، في إقبار المؤامرة في مهدها، أكتب اليوم مقالا آخر، مدفوعا دائما برغبة محمومة في تعريف الأجيال الناشئة بمرحلة هامة من مراحل النضال ضد الاستعمار، اخترتُ أن يكون موضوعه هو مذكرة 23 شتنبر 1947. بعد رحلة محمد الخامس إلى طنجة في أبريل 1947 وإعلانه، في خطاب يوم 9 أبريل، مواقف المغرب السياسية المتمثلة في طلب الاستقلال وانتماء المغرب إلى الجامعة العربية، عزلت فرنسا المقيم العام المدني الذي ألقت عليه مسؤولية التهاون في علاج الأزمة واتهمته بالضعف في مواجهة السلطان، واتخذت قرارا بتعيين الجنرال جوان على رأس الإقامة العامة بالرباط يوم 14 ماي 1947. وجاء في أول تصريح لهذا الأخير أن مهمته تتحدد في تنفيذ سياسة الحزم والقوة. وعلى هذا المنحى من التطرف سارت كل تصريحاته وخطبه الموالية، فقررت قيادة حزب الثورة والاستقلال مواجهتها بخطاب سياسي معارض متميز بالوضوح، مختارة أن ترد عليه في صحيفتها "الرأي العام" في أعداد متتالية على مدى أسابيع. وكان محمد بلحسن الوزاني، الأمين العام للحزب، يرد عليه في سلسلة مقالات كانت تصدر على شكل افتتاحيات تحت عنوان "الغمرات". وتضايقت الإقامة العامة من حملة حزب الشورى والاستقلال الذي تميز في هذه الفترة باختراقه جوَّ الرعب والتخويف الذي كان الجنرال يظن أنه سيكسب به تراجع المغرب، ملكا وشعبا، عن مواقع نضاله. وقد شكلت خطب المقيم العام وردود الوزاني عليها نوعا من المبارزة السياسة، كان فيها قلم الوزاني يكيل الضربات لقلم المقيم العام ولخطبه المرتجلة. في ظل هذه الظروف المشحونة والمطبوعة بهذه الملاسنة التي استمرت منذ يونيو 1947 إلى شتنبر 1947، تعرف إذن المقيم العام على حزب الشورى والاستقلال. وهو ما أشار إليه الوزاني في إحدى غمراته في مارس 1948 لدى تصويره هذه الحقبة التاريخية من الكفاح الوطني. وكان الجنرال يتابع بنفسه ما ينشر عنه في الصحافة الوطنية، لكنه كان يولي اهتماما أخص لما كانت تحفل به صحيفة "الرأي العام"، وخاصة مقالات الأمين العام للحزب بلحسن الوزاني التي كانت تحفل بانتقاد صريح ورد مباشر على كل ما يلفظ به المقيم العام، سواء في المغرب أو لدى زيارته لباريس. في هذا المناخ، بعث المقيم العام وسيطا مغربيا ليقوم بدور التوفيق بين مواقف الجنرال ومطالب الوطنيين. قال الوسيط المذكور: إن التصريحات التي صدرت عن المقيم العام وسجلتموها في صحائفكم تصريحات مسؤولة، يمكنكم اعتبارها خطة يمكنكم تحقيق استقلال المغرب على هديها؛ لكن الإقامة العامة تلاحظ أن الوطنيين داخل حزبكم وداخل حزب الاستقلال يكتفون برفع شعار الاستقلال دون أن يكونوا متوفرين على برنامج سياسي يحدد مراحل تحقيقه وطبيعة علاقات المغرب المستقل بفرنسا؛ ولو أن الوطنيين فكروا في هذا وتقدموا إلى المقيم العام بهذا البرنامج لاختصرت المسافات في مسلسل الاستقلال مقابل ضمانات تعطيها الدولة المغربية لفرنسا بشأن علاقاتها بها بعد الاستقلال. وهكذا بوشرت استشارات مع قواعد الحزب، وتقرر بعد ذلك تقديم برنامج إلى الملك محمد الخامس وإلى الجنرال جوان يوم 23 شتنبر 1947، وهو البرنامج الذي أصبح اسمه مختصرا في مذكرة 23 شتنبر 1947. المذكرة النقطة الأولى، التي وردت في مذكرة 23 شتنبر 1947، كانت هي التنصيص على تحقيق الاستقلال عبر مرحلة انتقالية، يمكن للمغرب من خلالها الخروج من طور الحماية والدخول في طور نظام جديد يقوم على الديمقراطية والاستقلال؛ الثانية: تشكيل حكومة وطنية مغربية متمتعة بثقة العاهل المغربي وثقة الأمة جمعاء، تُعطاها المسؤولية الكاملة عن قيادة المغرب، على ضوء الدستور، نحو وطن مستقل؛ الثالثة: الاستعاضة عن معاهدة الحماية باتفاقية مؤقتة تبرم بين دولتي المغرب وفرنسا، ريثما يتم إبرام معاهدة نهائية تقوم على التحالف والمودة؛..