سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مخاريق: الاتحاد المغربي للشغل ليس ملحقة إدارية لرئاسة الحكومة قال إن على بنكيران أن يلتزم بأدبيات الحوار لأن لا أحد يمكن أن ينكر قوتنا في عدد من القطاعات الإستراتيجية
يشرح الميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في حواره مع «المساء»، ما قصده بقوله إن «الحكومة تمس بالكرامة النقابية»، إذ أوضح أنه التعبير الأنسب لوصف طريقة تدبير الحكومة الحالية لعلاقتها بالمركزيات النقابية، مؤكدا على ضرورة أن تعيد النظر في أسلوب تعاملها مع العمل النقابي. كما أوضح مخاريق أيضا أنه يرفض فكرة أن تكون النقابات مجرد فروع لأحزاب سياسية أو فروع للحكومة أو فروع لحزب في الحكومة، لأن هذا، بالنسبة إليه، يؤدي إلى استعمال الطبقة العاملة كمطية لأغراض وأهداف سياسية أو سياسوية. وهذا مبرر كاف، يقول، لرفض التنسيق مع أي تنظيم لا يتوفر فيه حد أدنى من الاستقلالية النقابية. في الحوار أيضا نلامس وجهة نظر الأمين العام لأكبر مركزية نقابية وأعرقها حول رفض المشاركة في إضراب 23 شتنبر الماضي، وكذا رأيه في أسباب تعثر جلسات الحوار الاجتماعي، فضلا عن أزمة صناديق التقاعد، التي زادت حدة الخلاف بين المركزيات والحكومة. - قلت في تصريح صدر عنك إن تعامل الحكومة يمس «الكرامة النقابية». ماذا تقصد بهذا؟ فعلا، السلوك الحكومي لم يكن أبدا إيجابيا، وهذا يظهر من خلال أسلوب التعامل مع الملفات الاجتماعية التي طرحناها على السيد رئيس الحكومة، سواء تعلق الأمر بالمفاوضات الجماعية أو الزيادة في الأجور أو التخفيض الضريبي أو ملف صناديق التقاعد. أكثر من هذا، لم تف الحكومة بتعهدها باستئناف الحوار الاجتماعي بعد فاتح ماي الماضي، رغم أنها تعهدت باستئنافه يوم 10 ماي، بعد الجولة التي انتزعنا فيها زيادة في الحد الأدنى للأجور على دفعتين. فحينما تعطل الحكومة الحوار الاجتماعي، ولا تفي بالتزاماتها، ويتم تهريب ملف صناديق التقاعد، وخاصة الصندوق المغربي للتقاعد، إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، بدون استشارة الفرقاء حول محتوى الاستشارة، وحينما تهاجم الحريات النقابية على مرأى ومسمع من السلطة الحكومية، ونكاتب الحكومة ورئاستها دون أن تستجيب، ثم حينما يطرد آلاف العمال بسبب مزاولتهم حقا دستوريا، هو حق التنظيم النقابي، أو حينما يتم تمرير، في سرية تامة، مرسوم بقانون مشؤوم يهم رجال ونساء التعليم، ويمدد فترة اشتغالهم إلى متم السنة الدراسية حتى لو بلغوا سن الإحالة على التقاعد، وقد تم هذا بدون استشارة قانونية، سواء بالنسبة للحركة النقابية أو نقابات رجال التعليم.. فمن الضروري أن نتساءل عمّا تبقى لنا. لهذا، فالأمر لم يعد يتعلق بمسألة مطالب بقدر ما هي مسألة «كرامة نقابية»، تتعلق بمشكل التعامل الحكومي مع الحركة النقابية ورغبتها في القضاء عليها. في المقابل نلاحظ أن الخطاب الأخير لجلالة الملك خصص فقرة هامة للنقابات، وأشاد بدورها في تأطير العمال وفي الحفاظ على السلم الاجتماعي والتوازنات الاجتماعية، واعتبرها قوة اقتراحية. فضلا عن ذلك ذكّر بموقف رائع وتاريخي، هو كيف تفاعل مع مقترحاتنا في الدستور 2011 حين قرر في خطاب 9 مارس ألا يتم تمثيل النقابات في مجلس المستشارين، وهو الموقف الذي تغير بعدما رفعنا مذكرة نقول فيها إن وجودنا في الغرفة الثانية أمر مهم من أجل الرفع من المستوى التشريعي. الحكومة تعتبر الحركة النقابية قوة للاحتجاج وللإضرابات فقط، بينما نحن قوة في المجتمع، ونعتبر أنفسنا شريكا أساسيا وضروريا للحفاظ على التوازنات الاجتماعية ولتأطير الطبقة العاملة، التي تعتبر الشريحة الاجتماعية المهمة في البلاد. - أليس من الإنصاف أن نتفق على أن هذه الملفات إرث وجدته الحكومة الحالية ولا تتحمل فيه وحدها مسؤولية ما تعرفه من تعثر؟ صحيح بأن خرق الحريات النقابية ليس أمرا جديدا وكان يحدث منذ سنوات، وهو ما ينطبق على فقدان النقابيين عملهم بسبب انتمائهم النقابي، فيما يتابع آخرون وتصدر ضدهم أحكام قضائية. لقد كنا نواجه كل الحكومات المتعاقبة حتى في أيام الرصاص، وقد أدى الاتحاد المغربي للشغل الثمن غاليا. وقد كنا دوما ضحايا الهجوم المعادي الموجه ضد الحركة النقابية، وبالخصوص الحركة النقابية المستقلة عن الحكومة والدولة والأحزاب السياسية. ولكن ما لاحظناه هو تصاعد الهجوم المعادي للعمل النقابي خلال الولاية الحكومية الحالية، في ظل دستور جديد كرّس الحريات النقابية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقة العاملة، وأدخل حق التفاوض مع الحركة النقابية، ونصّ على مفهوم العمل اللائق بالنسبة لعموم المأجورين، وهذا ما منح مناخا جديدا. لكننا نلاحظ ، من جهة أخرى، تصاعد العداء تجاه العمل النقابي، وقد أحصينا، في الاتحاد المغربي للشغل، منذ بداية السنة الحالية فقط -دون الحديث عن بداية الولاية الحكومية- 1860 حالة لعمال وعاملات ومسؤولين نقابيين شملهم هذا القمع. ثم إن الاتحاد المغربي للشغل قام بحملة وطنية من أجل إلغاء الفصل المشؤوم 288 من القانون الجنائي، وبعثنا إلى مذكرة إلى السيد رئيس الحكومة، والبرلمان والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، لكننا لم نتلق، للأسف، أي إشارة من رئيس الحكومة. بالمقابل تلقينا جوابا عظيما من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، الذي قام بدراسة الفصل 288 الموروث من الاستعمار، والذي كان يحاكم به النقابيون الذين يطالبون بالاستقلال. وتنص توصية المجلس على أنه من الضروري أن تعمد الحكومة إلى إلغاء هذا الفصل، وهو ما لم تستجب له، رغم أنها توصية صادرة عن مؤسسة دستورية. وهذا نموذج فقط من لائحة الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة. صحيح أن معاداة العمل النقابي قاسم مشترك بين جميع الحكومات، لكنه تصاعد في هذه الحكومة، وهذا ما نعجز عن استيعابه. - هذا يحيلنا على طبيعة العلاقة التي يفترض أن تجمع بين الحكومة وبين باقي الفرقاء من أحزاب ونقابات وفاعلين في المجتمع المدني. ألا تعتقد أن مستوى هذه العلاقة تدنى بشكل كبير، وحتى لو كانت هناك ملفات خلافية بين الطرفين، فالمفروض أن يتم الحفاظ على حد أدنى من الاحترام المتبادل. هذا أمر مفروغ منه، وهذه هي أدبيات ومبادئ الاتحاد المغربي للشغل، ونحن منظمة نقابية عمرها 60 سنة من التجربة، وعايشنا عشرات الحكومات، ورأينا ما رأينا. وكما تعلمون، فمركزيتنا منظمة مستقلة عن الحكومة وعن الأحزاب وعن أرباب العمل، وثقافتنا النقابية مبنية على الشراكة والحوار والتفاوض مع كل أطراف الإنتاج، سواء كانوا من أرباب العمل أو من الحكومة. ولكن حينما نجد الطرف الآخر لا يؤمن بالحوار ولا ينهجه، أو لا يؤمن بالمفاوضات الجماعية مثلما لا يؤمن بالشراكة حول ملفات مضبوطة تهم بالأساس الطبقة العاملة بالمغرب، فهذا يجعلنا نأخذ خلاصة. وكيفما كان الحال، فالاتحاد المغربي للشغل يبقى وفيا لهويته وثقافته. وكيفما كانت هذه الحكومة، فنحن نعتبرها حكومة المغرب، ونكن لها الاحترام، وبالتالي حينما نرى أناسا يقومون بمجموعة من الأفعال لضرب مصداقية حكومتنا في الداخل والخارج لا نتردد في التعبير عن رفضنا لهذه السلوكات. لكن - بالمقابل- من واجبنا، كمنظمة لها تاريخ، أن ننبه الحكومة كي ترجع إلى جادة الصواب. - أسلوب تفكير نقابتكم ربما يختلف عن أسلوب نقابات أخرى لا يستطيع زعماؤها التفريق بين بنكيران الشخص وبنكيران رئيس الحكومة، وهذا نستشفه من خلال مجموعة من التصريحات الصادرة عن هؤلاء التي لا تراعي حرمة مؤسسة رئاسة الحكومة. على كل حال، التاريخ أنصفنا، كمنظمة عريقة وعتيدة، لأننا آمنا باستقلالية العمل النقابي عن الأحزاب السياسية، فحينما تكون أمام ما يسمى بتنظيمات نقابية هي عبارة عن فروع لأحزاب سياسية أو فروع للحكومة أو فروع لحزب في الحكومة، يقع الخلط بين الفعل النقابي ويصير تحت تأثير الفعل السياسي، ويتم استعمال الطبقة العاملة كمطية لأغراض وأهداف سياسية أو سياسوية. وهو ما رفضه الاتحاد المغربي للشغل طيلة 60 سنة من وجوده. كما رفضنا دائما تدجين العمل النقابي لفائدة «الأوليغارشية السياسية»، والاتحاد المغربي للشغل لا يؤمن بما يسمى «التعددية النقابية»، لأنها لا تخدم مصالح الطبقة العاملة. - نفهم من كلامك أن هذا سبب رئيسي لرفض الاتحاد المغربي للشغل التنسيق مع المركزيات التي دعت إلى إضراب 23 شتنبر الماضي. الاتحاد المغربي للشغل متشبث جدا باستقلاليته النقابية عن الحكومة وعن الأحزاب وأرباب العمل، وهذا لا يعني بأن مناضلينا ليست لهم انتماءات سياسية. الاستقلالية تعني أيضا ضمان الانخراط السياسي لكل المناضلين في أي حزب يتلاءم مع رؤيتهم الإيديولوجية، وبالتالي نرفض التنسيق مع أي تنظيم لا يتوفر فيه حد أدنى من الاستقلالية النقابية. - نوبير الأموي، زعيم الكونفدرالية، قال إنه رفض المشاركة في إضراب الاتحاد العام للشغالين بالمغرب لأن شباط يجمع بين النقابة والحزب، وأيضا ليبتعد عن المشاكل القائمة بين تياري العزوزي والفاتيحي في الفيدرالية الديمقراطية للشغل. هل تشاطره هذا الموقف؟ حينما تم التحضير للاجتماع التاريخي بمقر الاتحاد المغربي للشغل يوم 29 يناير 2014، بيننا وبين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، اعتبرنا أن من بين المبادئ الأساسية للتنسيق مسألة الاستقلالية النقابية عن الفعل السياسي، وبالتالي لم يتم فتح باب لإخواننا في النقابة التابعة لحزب الاستقلال لأن الأخ حميد شباط يحمل قبعتين، فهو أمين عام حزب وكاتب عام نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. كما لم نفتح الباب أيضا أمام الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لأن الأخ محمد يتيم هو قيادي في حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، بينما في جميع الدول الديمقراطية التي تعرف فعلا نقابيا متطورا تكون الاستقلالية النقابية عن الحزب هي القاعدة. زيادة عن ذلك، نحن ننتمي إلى «الاتحاد الدولي للنقابات»، وهو أكبر تنظيم نقابي في العالم، مقره بروكسيل، وهو تنظيم يضع من بين شروط العضوية شرط الاستقلالية النقابية. - في تصريح لكافي الشراط، القيادي بالاتحاد العام للشغالين بالمغرب، قال إن موقف نقابتكم الرافض للمشاركة وتبريراتها لذلك، يعني أنها منزعجة من الإضراب الذي شوش على «أجندة معينة». ماذا يقصد بذلك في رأيك؟ الاتحاد المغربي للشغل لا يتوفر على أي أجندة ولا يخدم أي أجندة لأي جهة ما، وهذا كلام أرفض الرد عليه لأنني لا أرغب في الدخول في بوليميك مع صاحب التصريح، لأننا في هذه المرحلة الدقيقة نرى أنه ليس من مصلحة الطبقة العاملة ولا من مصلحة المغرب أن نتصارع فيما بيننا. وكيفما كان الحال فالاتحاد المغربي للشغل حينما أُسّس لم يُخلق لينتصر على العمال، بل لينتصر لهم. - هذا التصريح يجرنا إلى الحديث عن وضعية الفعل النقابي اليوم، فلا يمكن إنكار حالة التشرذم ووجود انشقاقات بالجملة، فضلا عن وجود نقابات دون تمثيلية تذكر. إلى أين يسير العمل النقابي؟ في جميع الدول الديمقراطية العريقة نجد الوحدة النقابية هي القاسم المشترك، وهذا أمر واقع في أمريكا وبريطانيا وألمانيا أو اليابان.. واللائحة طويلة، لكن للأسف، في المغرب تتحمل الدولة مسؤولية الوضعية التي يعيشها العمل النقابي، لأنها بمجرد تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 -على عهد الاستعمار- حُسمت المعركة وفهم الجميع أن المغرب سيحصل على استقلاله، وهذا ما صرح به الملك في المنفى لأننا قوة اجتماعية كبيرة.. لكن، للأسف، بعد تحرير البلاد، بدل أن تتعامل الدولة مع هذه القوة الاجتماعية وتعمل على تنميتها والحفاظ عليها، اعتبرت أن ما هو منظم يزعج، فقامت بمجموعة من الانشقاقات بدأت سنة 1960 من طرف حزب الاستقلال لأننا رفضنا توظيف النضالات العمالية والإضرابات لصالح البورجوازية الاستقلالية آنذاك، وهكذا تم تفريخ النقابات الحزبية من أجل جلب زبناء لأحزاب سياسية لخدمة مآرب سياسية، إما حكومية أو برلمانية، وحتى السلطات العمومية بدأت في خلق النقابات التابعة للإدارة. وهكذا وصلنا إلى الرقم المخجل: 36 «دكانا نقابيا» لا تمثيلية لها ولا استقلالية ولا اتفاقيات جماعية ولا نضالات حقيقة، بل هدفها فقط توزيع الطبقة العاملة، وهذا ما يسعى الاتحاد المغربي للشغل إلى تجاوزه من خلال تجميع القوى الاجتماعية على أساس الاستقلالية النقابية وخدمة الطبقة العاملة وليس استخدامها. - باستثناء تقارب نقابتكم مع نقابة الأموي، الآن، من ترون أنه يصلح لينضم إليكم لتكوين جبهة موحدة؟ في البداية قمنا بالتنسيق مع الكونفدرالية ومع الفيدرالية. وكما قلت سابقا، فالحدث كان تاريخيا لأنه أنهى حربا امتدت طيلة 40 سنة، وشرعنا في العمل لأننا آمنا بأن الوحدة النقابية تعطي ثمارها، وبمجرد إصدارنا البيان الأول تزعزعت الحكومة، وقمنا بمراسلة السيد رئيس الحكومة، كما قمنا بمسيرة عمالية كبير يوم 6 أبريل، ودفعنا الحكومة إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وانتزعنا الزيادة في الحد الأدنى للأجور. وعلى كل حال، فالوحدة النقابية يؤدى عنها لأنها قوة ضاغطة، وما وقع لإخواننا في الفيدرالية أمر نتأسف له. ونحن في الاتحاد المغربي للشغل رفضنا أن نقحم أنفسنا في نزاع داخلي، وهو موقف حيّته جميع الأطراف، ونتمنى أن يتجاوز إخواننا في الفيدرالية هذه الأزمة. - أصدرت الحكومة مجموعة من القرارات التي توصف بكونها لا شعبية، وتضرب في الصميم القدرة الشرائية للمواطنين، بل هناك من يصفها بأنها تهدد السلم الاجتماعي. بالمقابل لوحظ ضعف طريقة الرد، التي انتهجتها المركزيات النقابية، التي لم تستطع توقيف هذه الإجراءات أو على الأقل فرض إعادة النظر فيها.. حتى لا نكون مجحفين في حق الحركة النقابية المغربية، فقد قمنا بعدة مبادرات نضالية، لأن العمل النقابي لا يعني بالضرورة الإضراب، بل هو الاحتجاج بكل الوسائل المتاحة من مراسلات ومسيرات واعتصامات، والإضراب ما هو إلا تتويج لمسار معين من الاحتجاجات. وبالطبع أي قرار لا شعبي تصدره الحكومة نتصدى له بجميع المبادرات النضالية، وأعيد التذكير بمسيرة 6 أبريل الماضي، التي شهدت حضور ممثلين عن 52 مدينة و345 قطاعا مهنيا من القطاعات الاستراتيجية، وكانت مسيرة عمالية خالصة. ولمدة 4 ساعات جابت الشوارع الكبرى للدار البيضاء بشكل سلمي دون تسجيل أي مواجهات، وأبانت الطبقة العاملة عن نضجها على خلاف ما يحدث في فرنسا أو إسبانيا أو تركيا حيث تخرج المسيرات عن السيطرة. نحن، في الاتحاد، نخشى على بلادنا، في زمن الربيع العربي، ونعتمد معادلة الدفاع المستميت عن الطبقة العاملة مع الحفاظ على استقرار بلادنا وعدم تعريضها لمجموعة من المخاطر، إلا إذا اضطررنا لاتخاذ مبادرات نضالية. وعلى كل الحال، فقد أوقفنا مجموعة من القرارات كما حدث مع ملف التقاعد، ولولا التحركات النقابية لكانت الحكومة عمدت إلى الزيادة في سن التقاعد إلى 65 سنة، ورفعت نسبة الانخراطات، وقلصت قيمة المعاشات، كما حصل مع صندوق المقاصة، حيث حاولت رفع الدعم عن قنينة الغاز. ولا يجب أن ننسى أننا لا نملك كل شيء بأيدينا ونحن قوة اقتراحية لمن يريد أن يتحاور معنا. كما أننا قوة احتجاج لردع الحكومة. - هددت في تصريح أخير بتوقيف المصالح الحيوية للمملكة، من موانئ ومكتب كهرباء.. لم أتحدث أيضا عن السكك الحديدية ومكتب المطارات ومؤسسات أخرى.. - هل نفهم بأنك توجه خطابا تهديديا للحكومة؟ هذا ليس تهديدا بقدر ما هو واقع، ولا أحد يمكن أن ينكر القوة التمثيلية للاتحاد في عدد من القطاعات الإستراتيجية. لكن من الضروري الإشارة إلى أن القرار نبع من اجتماع المجلس الوطني للاتحاد، السبت الماضي، وهو أعلى هيئة تقريرية في النقابة، وخلاله اتُّخذ قرار تنفيذ إضراب وطني وإضرابات قطاعية، وفُوّضت للأمانة الوطنية مسألة أجرأة هذا القرار. وباعتبارنا منظمة مسؤولة قلنا إننا نحمّل الحكومة المسؤولية، كما نحملها العواقب. وقلنا أيضا إن على الحكومة أن تفتح الحوار والمفاوضات في الدورة الخريفية للحوار الاجتماعي. ومعلوم أن الحكومة تدعو إلى الحوار في شتنبر أو أكتوبر، وهذا التزام وقعته معنا، وكل الحكومات السابقة التزمت به. ولهذا فالكرة في ملعب الحكومة لتقوم بهذه الإشارة القوية. نحن لا نسعى فقط إلى القيام بالإضراب، مثلما لا نرغب في الإضرار بالاقتصاد الوطني، إلا إذا دفعتنا الحكومة إلى ذلك، وتمادت في عملها الاستفزازي لضرب الحركة النقابية والهجوم على الحريات النقابية، آنذاك سنكون مجبرين على تنفيذ قرارات المجلس الوطني. - تتبادلون مع الحكومة الاتهامات بشأن تعطيل جولات الحوار الاجتماعي. من يتحمل مسؤولية ذلك في نظرك؟ الحكومة هي التي تتحمل مسؤولية تعطيل الحوار الاجتماعي لأنها هي التي تستدعينا لهذه الجلسات. لكن، بالمقابل، لا نريد حوارا من أجل الدردشة، ومن أجل الاستهلاك الإعلامي، بل نريد حوارا اجتماعيا حقيقيا على أساس جدول أعمال مضبوط، وكذا الاستجابة لمطالب الطبقة العاملة وتنفيذ الاتفاقات السابقة. ثم هناك أدبيات للحوار يفترض احترامها، والاتحاد المغربي للشغل ليس ملحقة إدارية للحكومة، وأضرب لكم مثالا على ذلك، حينما قاطعنا اجتماعا لرئيس الحكومة حول ملف التقاعد، في السنة الماضية، وتساءلنا: ما معنى أن يستدعي رئيس الحكومة الأمين العام ووفدا من المركزية يوم الاثنين برسالة على شكل استدعاء إداري لعقد لقاء يوم الأربعاء في العاشرة صباحا بمقر رئاسة الحكومة وبدون جدول أعمال؟ هناك أدبيات للحوار تنص على تحضير جدول أعمال والمحاور التي سنتناقش بخصوصها، ولهذا قاطعنا اللقاء. - ألا تتخوفون من فشل الإضراب الذي دعوتم إليه، خاصة مع تفعيل الحكومة قرار «الأجر مقابل العمل»، والكل شهد تجربة فشل إضراب الثلاثاء الماضي؟ نحن في الاتحاد لا تخفينا الاقتطاعات، وهي عملية كانت تتم دائما بالنسبة للقطاعات المنضوية تحت نقابتنا. ونحن نعتبر، أيضا، أن يوم الإضراب يوم تضحية ونضال ويوم تضامن من أجل انتزاع الحقوق، رغم عدم دستورية العملية، ورغم أن الدولة التي تسعى إلى بناء علاقات مهنية رفيعة المستوى لا تلجأ إلى مثل هذه القرارات، فهل يظنون أن بمثل هذه القرارات سيطفئون الغضب والاحتقان الاجتماعي؟ العكس هو ما يحدث للأسف. - أكدتم عدم اتفاقكم مع المنهجية التي اتبعتها الحكومة حين أرسلت ملف صناديق التقاعد إلى المجلس الاستشاري والاجتماعي، في حين تؤكد الحكومة على أن الأمر يتعلق بمجرد «طلب مشورة» من مجلس لا سلطة تقريرية له. أين يكمن تخوفكم من هذه الخطوة، طالما ليس بإمكان مجلس بركة الحسم في ملف بهذا الحجم؟ علينا أن نتفق بأن ملف التقاعد يهم بالدرجة الأولى الحركة النقابية، والاتحاد المغربي للشغل أول من نبه إلى إشكالية صناديق التقاعد منذ سنة 2003. فما معنى أن نجتمع مع السيد رئيس الحكومة يوم 18 يونيو برئاسة الحكومة لمدة 3 ساعات، بحضور أرباب العمل ومدراء صناديق التقاعد، وأن نتناقش حول الأزمة والحلول. ويطلب منا أن نمده بمذكرة في غضون شهر، وهو ما قمنا به في أجل 20 يوما، كما زودناه بمذكرة تتضمن اقتراحات عملية، وكنا ننتظر أن يجتمع معنا، وأن يقول إنه طالما هناك أفكار ومقترحات متباينة فلنحل الملف على المجلس الاستشاري والاجتماعي لإبداء الرأي بعد أن نتفق على مبدأ ومحتوى الاستشارة، ثم نضع دفتر تحملات متفق عليه... لكن العكس هو ما حصل، إذ علمنا عبر وسائل الإعلام أنه أحال القانونين كما أراد هو. وهذا في نظري ليس منهجية تساعد على الحوار، ولهذا قمنا بتوجيه مذكرة إلى السيد نزار بركة، رئيس المجلس الاستشاري والاجتماعي، قدمنا فيها «تأويل الأحاديث»، وذكرنا فيها أنه إن كان من حق رئيس الحكومة أن يطلب الاستشارة فليس من حقه أن ينهج هذه المنهجية. - وما هو البديل الذي تقترحون للخروج من أزمة الصناديق؟ باختصار، نحن نعلم أن الصناديق في جميع البلدان لا يمكن أن تظل بدون مواكبة وبدون إصلاحات، ونحن مع الإصلاح. لكن أن تأتي الحكومة بمقترح نسميه في أدبياتنا «المثلث الملعون»، وهو الرفع من سن التقاعد والرفع من الاشتراكات وخفض المعاشات بين 20 و30 في المائة، فهذا أمر غير مقبول. نحن لدينا اقتراحات بديلة زودنا بها رئيس الحكومة مقرونة بالحجج، حيث نقول إن الرفع من سن التقاعد لا يجب أن يكون إجباريا، بل أن يكون اختياريا. ثم علينا أولا، في ما يخص المساهمات، أن نتوقف عن سؤال: أين ذهبت انخراطات ومدخرات الموظفين، التي أدوها طيلة مسيرتهم المهنية ودون تملص؟ وهو رقم يصل إلى 11 مليار درهم. الدولة هي التي أفسدت الصندوق المغربي للتقاعد من خلال استعمال مدخرات الموظفين في ميزانيات التسيير، ولم تقم بتوظيف الودائع أحسن توظيف، وشيدت بها مشاريع البذخ التي لا يلجها الموظفون والعمال، بينما كان يفترض بناء دور للسكن الاجتماعي أو قرى سياحية أو دور للعجزة والحضانة.. وقد علمنا من خلال الدراسات الأولية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في هذا الملف أنه من أصل 11 مليار درهم هناك فقط 5 مليارات خصصت للمعاشات المدنية، أما الباقي فتم ضخه في صندوق آخر.. ولهذا إذا قبلنا الزيادة في قيمة الاشتراكات فلدينا اليقين بأنه بعد 5 سنوات سيقال لنا إن هذا لا يكفي وسيلجؤون إلى زيادة جديدة. نحن نؤكد على أن الدولة عليها أن تساهم بالثلثين والموظف بالثلث كما هو معمول به في جميع الأنظمة في العالم، وليس بنظام 50/50، وهذا هو اللامعقول. كما أننا نرفض فكرة تخفيض المعاشات ونرفض إعادة طريقة الاحتساب، وهمنا أن يتوفر المتقاعدون على معاش لائق . ثم لماذا الصندوق المغربي للتقاعد وحده الذي يصفونه بالنظام السخي، والحال أن هناك نظاما بخيلا يرمي بآلاف المتقاعدين إلى الفقر والبؤس، وهو النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الذي ينخرط فيه موظفو الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية لأن طريقة الاحتساب تنص على استفادة المتقاعد من ثلث أجرته فقط؟ نحن نقترح إنشاء «هيئة عليا لتوجيه صناديق التقاعد» تكون لها القوة القانونية لتنفيذ قراراتها. فاليوم، كل صندوق يتصرف مثلما يشاء، وهو أمر من شأن تأسيس الهيئة أن تتجاوزه، وهي التي ستدبر الإصلاحات المقياسية، وبالطبع ستضم الحكومة والنقابات والباطرونا، وقد اقترحنا أن تضم في عضويتها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.