الجزائر و"الريف المغربي" .. عمل استفزازي إضافي أم تكتيك دفاعي؟    حقوقيون مغاربيون يحملون الجزائر مسؤولية الانتهاكات في مخيمات تندوف        لفتيت يستعرض التدابير الاستباقية لمواجهة الآثار السلبية لموجات البرد    الاتحاد الأوروبي يمنح المغرب 190 مليون أورو لإعادة بناء المناطق المتضررة من زلزال الحوز    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية بالرباط    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    نقابة تنبه إلى تفشي العنف الاقتصادي ضد النساء العاملات وتطالب بسياسات عمومية تضمن الحماية لهن    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون        استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام    تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    تصريحات حول حكيم زياش تضع محللة هولندية في مرمى الانتقادات والتهديدات    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة الأسنان.. أطباء يستعملون منتجات مهربة ومغشوشة تشكل خطرا على صحة المغاربة
نشر في المساء يوم 21 - 09 - 2014

هناك مقولة مأثورة كان استخدمها الفيلسوف الألماني هيغل للهجوم على منتقديه مؤداها «لا تسمحوا لأي كان أن يقترب من أسنانكم». كان هيغل، وقتئذ، يريد أن يسخر من معارض «فينومينولوجيا الروح»، واليوم، يجوز لنا أن نقتبس مقولته لنسحبها على ما يحدث بقطاع طب الأسنان بالمغرب، فأفواه المغاربة أصبحت مشرعة أمام الجميع: كن من تشاء صحافيا أو نجارا أو حتى ميكانيكيا، لا يهم ذلك كثيرا. ما معنى ذلك؟ معناه أن المنتجات الطبية والأدوات التي تستعمل في مصحات طب الأسنان ولدى صناع الأسنان القانونيين وغير القانونيين «مطروحة في الطريق» وليس هناك أي قانون بالمغرب يحدد من يبيع ومن يشتري، ومن يحق له أن يقترب من أفواه المغاربة» ومن ليس له الحق، والنتيجة: حوادث متكررة لاستعمال بنج فاسد تارة وبكميات غير متحكم فيها تارة أخرى.
في قطاع طب الأسنان، الكل يهاجم الكل، والجميع يقول إن يديه نظيفتان وأن لا دخل له في ما يجري من ترويج واسع لمنتجات طبية مغشوشة ومهربة وتباع في السوق السوداء. أطباء الأسنان يقولون إن قطاع صناعة الأسنان، الذي يشتغل في المرحلة الراهنة بمنطق الأمر الواقع خارج أي إطار قانوني، هو الذي يساهم بقسط وافر في انتعاش نشاط تهريب المواد الطبية واقتنائها بأثمنة بخسة لأن خدماتهم الصحية تقوم أصلا على «الثمن البخس»، فيما يقول الصناع إن مبعث هذه الاتهامات هو شجع أصحاب المصحات، ويطرحون التساؤل بصيغة استنكارية: من يقتلع أضراس المغاربة ومن يسكن آلامها في البوادي والقرى، ولم لا يفتح أطباء الأسنان عياداتهم في المناطق النائية، ولم لا يعترفون هم أيضا بأنهم يشترون منتجاتهم من السوق السوداء؟
بعيدا عن هذا الجدل، الذي يصفه الكثيرون بالعقيم، دعنا نطرح السؤال الساذج: كيف تصل مواد طبية غير صحية على رأسها البنج إلى صناع الأسنان وإلى بعض الأطباء؟ وهل تخضع لأي مراقبة؟
واقع الحال يقول إن الغائب الكبير في كل هذه العملية هو القانون، فلا هو استطاع أن يقضي على قطاع صناعة الأسنان غير المهيكل، والذي مهما قلنا عنه، فإنه يعرض حياة المغاربة للخطر، ولا هو استطاع بمعية المهنيين أن يحدد مصدر مواد كثيرة منتشرة في السوق وتبيعها شركات عادية جدا ولا علاقة لها بقطاع الصحة؟
باختصار شديد، لا بد من الاعتراف بأن الخاسر الأكبر في «البيعة وشرية» هو صحة المواطن في المقام الأول، ثم خزينة الدولة التي تخسر عشرات الملايين بسبب بيع مواد طبية في السوق السوداء.. ولا أحد يوقف النزيف.
شركات وهمية ووسطاء يبيعون المغاربة مواد تعرض حياتهم للخطر
هكذا تحول قطاع صناعة الأسنان إلى «ملاذ» لعصابات التهريب
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"12948","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
في أحد الملفات التي أنجزتها «المساء» خلال الشهور الماضية، توقفت عند شبكة لمختبرات الأدوية تستنزف جيوب المغاربة وتحول حياتهم إلى جحيم حقيقي، وقلنا فيه إن صحة المغاربة اختطفت، وصارت رهينة لوبيات متشعبة في كل أدراج الإدارة، تفعل بهم ما تشاء. أسهبنا، وقتئذ، في الحديث عن سوق كبيرة يحميها القانون نفسه، تربح فيها المختبرات مئات المرات ضعف الثمن الحقيقي للأدوية. الآن، نفتح ملفا جديدا يشكل خطرا محدقا بصحة المواطن والمتعلق بالمنتجات والأدوات الطبية التي يستعملها أطباء وصناع الأسنان بالمغرب، وهو ملف لا يقل حساسية عن موضوع مختبرات الأدوية بالنظر إلى شساعة السوق التي لا تشمل فقط أطباء الأسنان بالمغرب الذين يناهز عددهم 4000 طبيب، بل تشمل قطاع صناع الأسنان أيضا.
في قطاع الطب بجميع تشعباته، ثمة دائما لوبيات كبيرة وأخرى صغيرة، همها الأول والأخير ضمان أكبر قدر من الربح ولو كان ذلك على حساب صحة المغاربة أو ضد القوانين. ولأن القوانين مرنة قابلة للتأويل وللانتهاك أيضا بدون حسيب ولا رقيب، تبقى صحة المغربي حبيسة أيد غير آمنة تعبث بجيبه، وفي حالة قطاع طب الأسنان بالمغرب- نقصد أطباء الأسنان وصناع الأسنان- هناك من يعبث بأفواه المغاربة ويعرضها للخطر.
في الظاهر، يبدو المشكل بسيطا، لكنه يحمل في ثناياه معضلات عميقة، في مقدمتها قدرة هذه المواد على تدمير صحة المواطن المغربي عبر انتشار شركات وهمية ووسطاء يبيعون كل شيء: البنج، منتجات التعقيم، أسنان مرممة. ورغم أن السلطات انتبهت، أخيرا، إلى ظاهرة تهريب الأدوية من عدة بلدان، منها الجارة الشرقية الجزائر، فإن غالبية صانعي الأسنان وبعض العيادات الطبية ما تزال تقبل على اقتناء أدوية ومنتجات بثمن أرخص لتستثمر في بعض مئات الدراهم على حساب صحة المواطن المغربي.
في عين هؤلاء، فإن الباحث عن الخدمات الصحية بالمغرب يبحث عن الأرخص وعدا الفئات الميسورة التي يمكنها الولوج إلى خدمات طبية جيدة، فإن الفئات الفقيرة لا تستطيع في غالب الأحيان أن تدفع ثمن زيارة واحدة عند طبيب الأسنان، ولذلك لا غرابة أن نجد أن قطاع صناعة الأسنان انتعش بالمغرب رغم أنه لا يتوفر على أي وعاء قانوني يؤطره. لاشك أن السلطات تعلم، تمام العلم، أنه ليس في مقدورها أن تغلق جميع المحلات التي تشتغل خارج القانون خاصة في البوادي التي تنعدم فيها عيادات طب الأسنان. على هذا الأساس، لن ينتهي «الصراع الوجودي» الدائر الآن بين أطباء الأسنان وبين الصناع لسبب بسيط وهو أن الدولة لا تريد، مهما كان الثمن، أن تدخل في صراع طويل الأمد مع عدد كبير من الصناع أصبح يتقوى يوما بعد يوم.
فرضية الملف الأولى تقول إن بعضا من أطباء الأسنان وغالبية الصناع يلجؤون إلى شراء منتجات قد تشكل خطرا صحيا يؤدي إلى الموت. كيف ذلك؟ يشرح طبيب أسنان تحدثت إليه «المساء» أن «تلك المنتجات لا تخضع، أولا، للمعايير، وقد تكون مدة صلاحيتها قد انتهت، وهنا يصير المشكل خطيرا جدا، لاسيما إذا تعلق الأمر بالبنج، إذ هناك إمكانية كبيرة جدا لأن تنتهي حياة المريض إذا ما استعمل بنجا مغشوشا، الذي غالبا ما يهرّب من البلدان المجاورة حدوديا للمغرب زد على ذلك مواد التعقيم». ويضيف نفس الطبيب أن «البنج ليس وحده من يؤدي إلى حدوث مضاعفات صحية خطيرة بل حتى مواد التعقيم الشديدة الحساسية، وللأسف ما تزال المراقبة غير دقيقة لقطاع حساس يستدعي تدخلا عاجلا».
بعيدا عن توجيه الاتهام إلى هوية المستفيد الحقيقي من المنتجات الطبية المهربة، فإن المنطق يقول إن وزير الداخلية قال في البرلمان إن أكثر من 3400 صانع أسنان يشتغلون بالمغرب، نصفهم لا يتوفر على رخص. إذا صدقنا هذا الرقم الذي قدمته وزارة الداخلية، لأن الصانعين يتحدثون عما يفوق 30 ألف صانع، فإنه من حقنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة سيظل الكثير منها بلا جواب: كيف يشتغل صناع الأسنان الذين لا يتوفرون على رخص وكيف يحصلون على مواد طبية شديدة الحساسية لا يمكن استعمالها إلا بوصفات الطبيب؟ ألا تعرف وزارة الداخلية عناوينهم وأين يعملون؟ ما هي طبيعة الأدوات الطبية التي يستعملونها، خاصة وأن عيادات طب الأسنان تخضع لمراقبة صارمة؟ ألا يشكل هذا المعطى سببا مقنعا لانتعاش سوق تهريب الأدوية وما يترتب عنها من أضرار على صحة المغاربة أولا ثم قدرته على تدمير الاقتصاد الوطني؟
مواد مغشوشة
في أفواه المغاربة
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"12949","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
ما يثير الاستغراب، حسب المعطيات التي حصلت عليها «المساء» أن بعض المواد المهربة من بينها البنج، تنقل عبر قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية حتى مدينة الدار البيضاء، ويتم ذلك بشكل يومي. يؤكد أحد المتخصصين في الموضوع أنه نادرا «ما سمعنا أن السلطات ضبطت كميات من الأدوية التي تستعمل في قطاع طب الأسنان، وقد رأيت بأم عيني كميات ضخمة من البنج، في أحد القطارات القادمة من وجدة في اتجاه الدار البيضاء، ولا أعتقد أن هذه المواد سترمى في البحر أو ستحرق، أو أنها ستخضع لمراقبة السلطات، إنها مواد ستصل في نهاية المطاف إلى صناع الأسنان وإلى أطباء كذلك لا يهمهم سوى الربح السريع».
المهربون ليسوا من النوع الذي يميّز بين طبيب أسنان معتمد ويشتغل ضمن ضوابط قانونية محددة وبين صانع أسنان قادته الصدف فقط إلى اقتحام أفواه الناس بدون وجه حق، بقدر ما يهمه الربح، بمعنى أن المواد الطبية المستعملة متاحة للجميع، ويمكن لأي صانع يتوفر على محل صغير أن يحصل عليها. وهنا أصل الداء، فالمعلومات تقول إن المواد المهربة التي تباع في السوق السوداء تعرف رواجا كبيرا لاسيما عند صناع الأسنان أي أن أكثر من ثلثي المغاربة الذين يعالجون أسنانهم يستعملون مواد مهربة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدد أطباء الأسنان المعتمدين بالمغرب والذي لا يتجاوز 4000 طبيب، في الوقت الذي يقول فيه صناع الأسنان إن عددهم يفوق بكثير ما أعلن عنه وزير الداخلية تحت قبة البرلمان.
كن صحافيا أو محاميا أو نجارا، لا يهم ذلك، فالشركات التي تبيع الأدوية الخاصة بطب الأسنان تبيع للجميع، أي أن البنج وأدوات التعقيم والترميم يمكن أن تسقط في أياد غير آمنة تفعل بها ما تشاء. في ظل الفراغ القانوني، كل شيء منذور للصدفة والعبث أيضا.
انطلاقا مما سبق، يمكن أن نفهم لماذا قاطعت هيئة طب الأسنان بالمغرب معرضا دوليا للمنتجات الطبية نظم بمدينة الدار البيضاء، حيث ندد الأطباء بما أسموه انفتاح المعرض على صناع غير مرخص لهم، لهم كامل الحرية في اقتناء ما يريدون.
يشرح محمد جرار، رئيس هيئة طب الأسنان بالمغرب حيثيات القرار قائلا: «لقد كان شرطنا الأول للمشاركة في فعاليات المعرض هو تقنين الدخول إلى فضاء المعرض وعدم السماح لأي كان بشراء الأدوات والمنتجات الطبية، كيف تتصور أن أشارك في نفس المعرض مع صناع أسنان يشتغلون خارج القانون وبدون رخص»، مضيفا في السياق نفسه «بطبيعة الحال كان موقفنا متناغما جدا مع ما عبرنا عنه سابقا ومنسجما أيضا مع تصوراتنا داخل الهيئة. إنها مفارقة غريبة جدا أن ترى الطبيب وغير الطبيب يقتنيان اللوازم الطبية في نفس المكان وفي نفس المعرض وبقوة القانون. قلنا للقيمين على المعرض لابد من تحديد أسماء المشاركين في المعرض، ووافقوا على مقترحنا ثم اكتشفنا العكس، الشيء الذي أدى في الأخير إلى تنفيذ خيار المقاطعة».
من يوقف النزيف
يرفض صناع ومرممو الأسنان الخلط الذي يتعمده البعض من أجل الإساءة إليهم، والحال أنه لزم إقامة نوع من الفرق بين مرممي أسنان حاصلين على شواهد تخول لهم فتح مختبرات للترميم لكن ليس من حقهم الاقتراب من أفواه المرضى لأن ذلك من اختصاص الأطباء. هذا الخلط سببه الأساس الصراع العنيف الذي اشتعل بين هيئة أطباء الأسنان، التي سارت في منحى تصعيدي وباتت تبلغ عن كل صناع الأسنان الذين يشتغلون خارج القانون، وقد حدث ذلك في الكثير من المدن المغربية. صناع الأسنان يقولون إن المنتجات الطبية التي تباع في السوق متاحة للجميع من دون استثناء ولا يمكن لأي أحد أن يزايد على الآخر، فيما يقول الأطباء إن غالبية صناع الأسنان يستعملون هذه المواد ويعرضون حياة الناس لخطر الموت.
يؤكد يوسف بوعلام، رئيس النقابة المغربية لمرممي وصناع الأسنان، أن المشكل لا يمكن تناوله بهذه البساطة ومادام بعض الأطباء يوثرون خيار الهجوم، فإنه لا مناص من التأكيد على أن «أن ما قلته سلفا عن استعمال أدوية أو منتجات طبية غير خاضعة للمعايير المعمول بها صحيح إلى حد ما، لكن دعني أقول في هذا الصدد إنه في بعض الأحيان نلفي أن أطباء أسنان يشجعون هذه الممارسة لتأبيد مصالحهم»، مردفا، في سياق تفسيره للمشكلة القائمة بين الأطباء وصناع الأسنان «أؤكد لك أن بعض صناع الأسنان يمتلكون أصول الحرفة بشكل جيد، وهؤلاء أفضل بكثير، في نظري، من مرممي أسنان حاصلين على دبلوم لكنهم يقومون مقام أطباء الأسنان رغم أن عملهم ينحصر في المختبر وفي مساعدة الطبيب. يلزم كثير من التكوين لأصحاب حرفة فنانين، لأنهم أصبحوا ضروريين .
لغة الأرقام
ثلاثة أمور حيوية في طب الأسنان، يتدخل فيها قطاع التهريب على نحو فظيع، استنادا إلى معطيات موثوقة، وهي التعقيم والتخدير وترميم الأسنان. فالبنسبة للتعقيم، يخسر طبيب الأسنان 400 درهم شهريا على شراء مواد التعقيم، لكن في السوق السوداء يمكن شراؤها بأقل من 200 درهم، أي أن هامش الربح يصل إلى أكثر من 200 بالمائة، فيما يكلف التخدير-البنج- 600 درهم شهريا أيضا، في الوقت الذي تباع هذه المواد من طرف المهربين والوسطاء ب300 درهم أو 400 درهم حسب تذبذب حركية السوق. أما بعض المنتجات التي تستعمل في ترميم الأسنان، فهي تبقى رهينة حسب نفس المعلومات لاحتكار غريب جدا، وحتى في السوق السوداء أصبح هناك احتكار لهذه المنتجات.
في هذا الصدد، يؤكد مصدر طبي موثوق أن البنج غير الخاضع للمعايير الصحية، والذي لا تعرف وجهته ولا تاريخ انتهاء صلاحيته، قد يؤدي حتما إلى موت محقق أو إلى حدوث مضاعفات صحية خطيرة تستدعي عمليات دقيقة «وقد شهدت مختلف المدن المغربية بعض الحوادث من هذا النوع، إما بسبب استعمال بنج فاسد أصلا، وهو الأمر الأكثر خطورة في تقديري، لأن أمل الحياة يصبح ضعيفا جدا دون أن ننسى أن بعض صناع الأسنان لا يعرفون طريقة استعمال البنج بالإضافة إلى استعمال كميات إضافية».
المعطيات نفسها تقول إن الأغرب في قصة المواد المهربة أنها تباع في الأسواق، وهناك إقبال كبير عليها، خاصة المتعلقة بتبييض الأسنان وبعض السلاسل الصغيرة التي تشبه في شكلها ما يصفه الأطباء لتقويم اعوجاجات الأسنان. تباع عند مدخل باب الأحد بالرباط وتباع في أسواق الدار البيضاء وطنجة. إنها منتجات خطيرة تأتي غالبها إما من الصين أو من الجزائر وتغزو الأسواق المغربية، والحال أن المواطن المغربي المقهور يبحث عن أي وسيلة لضمان الخدمات الصحية حتى ولو تعلق الأمر بمنتجات يمكن أن تحول حياته إلى ما يشبه الجحيم. فحسب المصدر الطبي نفسه دائما، «تؤدي بعض مواد التبييض التي تباع في كل مكان، والتي يستعملها بعض صناع الأسنان بالمناسبة دون غيرهم، إلى تفتت الأسنان وتساقطها، أما بعض المواد التي تشبه ما يستعمله المرمم المحترف فهي أخطر بكثير من مواد التبييض، إنها بمثابة وضع مسمار حديدي داخل فمك لا دور له سوى الاستجابة لموضة تافهة».
مراكز التجميل.. الكارثة
هناك مراكز للتجميل، في كل أنحاء المغرب، تخرق كل القوانين، وتقوم بالإضافة إلى خدمات التجميل بتبييض الأسنان خارج كل القوانين، عبر استعمال منتوجات لا تخضع للمعايير الطبية بل لا يعرف مصدرها ومن يروجها وكيف وصلت إلى تلك المراكز. بالنسبة إلى عملية التبييض، فهي تشبه إلى حد بعيد مفعول «الما القاطع» مع اختلاف طفيف وهو أن المواد الكيميائية التي تستعمل وفق ما يصفه طبيب متخصص، ينبغي أن تكون محددة، وإذا حصل العكس يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية ليس فقط على مستوى الأسنان، وإنما على كل جسد الإنسان. الذين يرتادون هذه المراكز غالبا ما يبحثون عن مفعول سريع ولحظي، وهو أمر غاية في الخطورة يجعل أصحاب تلك المراكز يلجؤون إلى الزيادة في جرعة المواد الكيميائية بالشكل الذي يتنافى تماما مع المعايير الصحية المعمول بها. صحيح أنه في المغرب ليست هناك معايير محددة لكن طبيب الأسنان يعرف كل حالة على حدة لأنه أمضى سنوات في دراسة طب الأسنان وفوق ذلك يرتبط عمله بالمسؤولية والمحاسبة، «إذ بإمكان خطإ بسيط في جرعة المواد الكيميائية أن يفضي إلى توقيفه عن ممارسة المهنة أو متابعته أمام القضاء، في المقابل لا أحد يتوفر على سلطة محاسبة بعض مراكز التجميل، لسبب بسيط لأنها تعمل خارج القانون ثم إنه ليس من حق مرتاديها أن يقوموا بأي إجراء قانوني، لاسيما وأنهم يعرفون أن هذه العملية تتم خارج القانون.
هناك مشكل أعقد بكثير من مجرد القيام بعمليات تبييض الأسنان داخل مراكز التجميل، ونقصد المواد المستعملة، حيث غالبا ما تشترى من السوق السوداء التي تنتعش بفضل مواد طبية مهربة من عدة بلدان في مقدمتها الصين وبعض دول أوربا الشرقية كسلوفاكيا والتشيك ورومانيا وأوكرانيا، هذه المواد لا تخضع للمراقبة ولا تحترم أيضا أي معيار طبي.
استنادا إلى المعطيات التي جمعها صحافي الجريدة، فإن مواد التبييض التي تستعمل في نفس مراكز التجميل تباع بثمن بخس، والأدهى أنها تشترى من بعض محلات مستحضرات التجميل مع العلم أنها مواد طبية، ولها استعمالات متعددة، إذ هناك حالات كثيرة لا ينفع معها التبييض الخارجي، حيث يكون لون الأسنان أصلا متغيرا من الداخل. جرار، رئيس هيئة أطباء الأسنان يؤكد في هذا السياق «هؤلاء يعبثون بصحة المواطنين ولا يعرفون حجم الخطر الذي من الممكن أن يتسببوا فيه، أدعو السلطات إلى التدخل بشكل فوري حتى لا تحدث أي كارثة في المستقبل».
كل شيء خارج القانون
لا مناص من الحديث هنا عن مهنة صانع الأسنان لأن موضوع الملف، والمتعلق في جزء كبير منه بالمنتوجات الطبية المستعملة لدى أطباء الأسنان يتصل بهذا الملف. قبل أن يحصل المغرب على الاستقلال، انتهجت فرنسا سياسة طبية تعتمد على تخصيص أطباء أسنان مكونين للمعمرين الفرنسيين فيما أسهمت في انتشار المئات من صناع الأسنان في كل أرجاء المنطقة التي كانت تابعة لها لفائدة المغاربة، لكن بعد حصول المغرب على الاستقلال تم اعتماد ظهير 1960 الذي قنن مهن الطب والصيدلة وطب الأسنان، وبموجب هذا القانون، لم يكن مسموحا لصناع الأسنان العاملين بالمغرب، وقتئذ، أن يواصلوا عملهم بعد سن التقاعد، ورغم ذلك استمرت المهنة وانتشرت كالفطر بكيفية غير مسبوقة.
بطبيعة الحال لم تتدخل السلطات المغربية خشية أن يؤدي إغلاق العشرات من المراكز إلى توترات اجتماعية، وطيلة 5 عقود، أفضى هذا الوضع، في نهاية المطاف، إلى نشوء ممارسة غير قانونية لكنها محمية بمنطق الأمر الواقع. بعد ذلك، لم يجد أطباء الأسنان من وسيلة سوى الاحتجاج على السلطات الحكومية، الشيء الذي نتج عنه تعميم دورية أصدرتها الأمانة العامة للحكومة أرسلتها للولاة والعمال تنص على عدم منح أي رخصة لصانعي الأسنان، بالإضافة إلى أنها تحث على مراقبة كل صناع الأسنان الذين يتوفرون على محلات ومنعهم من الاقتراب من المرضى.
في سنة 1998، بعث وزير الداخلية، مرة أخرى، بنفس الدورية إلى الولايات والعمالات تحذر من إعطاء الرخص لصانعي الأسنان وتدعو إلى التعاطي بصرامة مع المشتغلين في القطاع، لكن الأمور بقيت كما هي ولم يتغير أي شيء، واستمرت نفس المشاكل، أي أن صحة المواطن في المقام الأول وأطباء الأسنان والمتخرجين من كليات الطب ومرممي الأسنان أصحاب الشواهد والعاملين برخص مسلمة من السلطات هم المتضررون الأساسيون من كل ما يحدث. الشيء الجديد الذي جاءت به الهيئة الخاصة التي شكلتها وزارة الصحة، والتي تتكون من مسؤولين من الأمانة العامة للحكومة ووزارة الصحة وأطباء للأسنان، التي شرعت في تطبيق بنود القانون 05-07، الذي أقرته الحكومة من أجل تقنين القطاع من خلال التبليغ عن المحلات غير المرخص لها.
«علاش ما يمشيوش للبوادي والقرى ويفتحو عيادات طبية، ثم نقوم بالمحاسبة في الأخير، لا أفهم حقا بأي منطق يريد أن يشتغل أطباء الأسنان، يقولون إننا نقتل الناس وأننا لا نعرف أصول الحرفة، أريد أن أسألهم فقط عمن كان يعالج المغاربة قبل إنشاء كليات الطب، وأنا أعترف لك أنه بالفعل هناك صانعو أسنان يستعملون مواد مهربة وأخرى يتم استيرادها من الخارج لكن هناك صناع أسنان مهرة يعرفون ماذا يفعلون، وهنا أسأل مع أطباء الأسنان الذين يريدون الدخول في معركة خاسرة من أصلها: كيف تسمون ما يفعله أطباء من الهيئة يشترون مواد للترميم رخيصة الثمن ويبيعونها بأثمنة خيالية لمرتادي العيادات؟ وباراكا من لفهامة». آثرت أن أضع شهادة مرمم للأسنان بالرباط دون أن أدخل أي رتوش عليها حتى لا يضيع معناها الحقيقي.
بالواضح، مشكلة المنتجات الطبية المستعملة في طب الأسنان ليست رهينة بقطاع معين بل، يشترك فيها الجميع وإن بدرجات متفاوتة، وفي منطقة الصراع والتهريب تضيع صحة المواطن المغربية وتتراكم أرباح من أوهموا الناس أنهم يدافعون عن رسالة أبو قراط.
محمد جرار: صناع الأسنان يتاجرون في منتجات مهربة ومغشوشة ويروجونها على نطاق واسع
قال إن صانع الأسنان لا يتوفر على التكوين العلمي والأكاديمي الذي يمكنه من استعمال هذه المواد الطبية
[[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"12950","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]]
- طرحت في السنوات الأخيرة مشكلة خطيرة تتعلق باستعمال مواد مهربة وأخرى غير مطابقة للمعايير الصحية المتعارف عليها، كيف نشأت هذه التجارة التي يبدو أنها صارت رائجة؟
بالنسبة إلى المواد التي ينشط رواجها في السوق السوداء، ثمة بالأساس المخدر أو ما يسمى ب«البنج»، فعلى الرغم من أن رواجه تقلص كثيرا في سوق الأدوية بالمغرب فإن ما تبقى من هذه التجارة غير المشروعة يعد مشكلا خطيرا له عواقب كارثية على صحة المواطن المغربي.
ولابد هنا من التأكيد على أن تقلص تجارة المخدر الطبي المهرب يعود بالأساس إلى وعي الأطباء والمهنيين بخطورته، ثم بالدور الكبير الذي تقوم به هيئة أطباء الأسنان في تحسيس الوزارة الوصية والسلطات العمومية بخطورة بيع هذه المواد في السوق المغربية مما دفع هذه الأخيرة إلى تشديد المراقبة، خاصة على المخدر المهرب من الجارة الجزائر، وهو بالمناسبة غالبا ما يكون منتهي الصلاحية أو لم يتبق لصلاحيته إلا بضعة أشهر،بالإضافة إلى الضغط الإيجابي الذي مارسته المختبرات التي تستورد هذه المواد وتوزعها بالمغرب. وهنا اسمحوا لي أن أقول لزملائي الأطباء وعموم المهنيين إن المخدر المهرب من الجزائر معروف بالكتابة على علبه باللغة العربية بينما المخدر المستورد من أوربا فبياناته مكتوبة بالفرنسية ومدة صلاحيته تكون لعدة سنوات.
وهنا أخبر الرأي العام بأن هيئة أطباء الأسنان تعمل منذ مدة بتنسيق مع وزارة الصحة والسلطات العمومية لمكافحة الاتجار غير المشروع وغير القانوني في هذه المواد الطبية. ولا يمكن بتاتا أن نقدر حجم وخطورة الانعكاسات الصحية الكارثية لهذه المواد على المواطن المغربي والسياح والأجانب المقيمين بالمغرب، وهو ما يسيء إلى سمعة المغرب في المجال السياحي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي. كما يسيء إلى سمعة طبيب الأسنان بالمغرب. السؤال الذي يطرح في هذا الباب، هو من يشتري هذه المواد وأين تباع؟ وأين هي السلطة من كل ما يقع؟
الجواب عن هذا السؤال يحيل على قضية أخرى ترتبط بقطاع بات يشكل مصدر قلق للحكومة، خاصة وزارتي الصحة والداخلية ولأطباء الأسنان، وهو قطاع «صناعة وترميم الأسنان». في التشريعات المغربية، ليست هناك قوانين تضبط مهنة «صانع ومرمم الأسنان»، وهذا من بين مطالب الهيئة منذ سنوات. وبالفعل قامت وزارة الصحة مؤخرا، مشكورة، بإعداد مشروع قانون ينظم هذه المهنة وباقي المهن شبه الطبية، هو الآن موجود في الأمانة العامة للحكومة. ونحن كمهنيين نطالب بضرورة الإسراع بتقديم المشروع إلى البرلمان للمصادقة عليه في دورة أكتوبر. ومن إيجابيات مشروع القانون أن يحدد بدقة مهمة «صانع ومرمم الأسنان» ومن يحق له ممارسة هذه المهنة، كما يؤكد على عقوبات تطال من ينتحل صفة صانع أسنان ويعاقب صناع الأسنان الذين يتجاوزون حدود مهنتهم وينتحلون صفة طبيب أسنان، نظرا لخطورة ذلك على صحة المواطن.
- ألا تتحركون كهيئة لوضع حد لما أسميتموه صناع أسنان يشتغلون خارج القانون ويساهمون في انتشار مواد غير صحية؟
بموجب القانون 07-05 المتعلق بهيئة أطباء الأسنان الوطنية، من حقنا أن نتابع أي ممارسة لا تضبطها القوانين، بمعنى آخر إذا رأينا أن هناك صانعي أسنان ينتهكون حرمة القانون ويشتغلون خارج الضوابط نلجأ إلى القضاء ليحسم في الأمر، وقد بدأنا فعلا في القيام بذلك منذ سنوات عدة رغم بطء المساطر. الإحصائيات التي أنجزتها وزارة الداخلية تفيد أن صانعي الأسنان بالمغرب يبلغ عددهم 3300 صانع، أزيد من 1700 تقريبا لا يتوفرون على أي رخصة تجيز لهم فتح محلات، وذلك للأسف بتواطؤ مع بعض رؤساء الجماعات والسلطات المحلية الذين يتمثل دورهم في الحفاظ على صحة المواطن والأمن الصحي للبلاد. وفي جو التعبئة الموجود حاليا من طرف الهيئة ووزارة الصحة عمد هؤلاء المتطفلون على مهنة طب الأسنان، الخارجون عن القانون، للتكتل في جمعيات غير دستورية، ويدعون أن عددهم يتجاوز 40 ألف صانع بالمغرب، بل ويلجؤون إلى بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة من أجل الاحتجاج على القوانين التي تعدها الوزارة.
بالنسبة إلى مرممي الأسنان، فالرخص التي تمنح لهم تسمح لهم فقط بفتح مختبرات لصناعة رمامات الأسنان التي يطلبها الطبيب ويحددها بشكل دقيق، ولا يحق لهم الاقتراب من أفواه الراغبين في الاستفادة من الخدمات الطبية لأن ذلك من اختصاص طبيب الأسنان وحده طبقا لقانون 1960 والمادة 3 من القانون 07-05 واضحة.
مشكل المواد الطبية المهربة، التي لا تتوفر فيها المعايير الصحية المتعارف عليها، خطير جدا، وله علاقة وطيدة بممارسة مهنة طب الأسنان خارج القانون، إذ ليس بمقدور أي أحد أن يستعمل تلك المواد على نحو صحيح، ووفق وصفات طبية مضبوطة، وفي نفس السياق يمكن لأي صانع أسنان بالمغرب أن يشتري ما يشاء من هذه المواد التي تباع في السوق عامة والسوداء خاصة دون دفع الضريبة على القيمة المضافة. وهنا أحذر التجار والموزعين في إطار شركات قانونية أن الهيئة ستتصدى بجميع الوسائل القانونية المتاحة لهذه التجاوزات والممارسات التي تسيء للمهنة وتوفر غطاء ودعما غير قانوني لهؤلاء المتطفلين على مهنة طب الأسنان.
الأدهى من ذلك أن صانع الأسنان لا يتوفر على التكوين العلمي والأكاديمي الذي يمكنه من استعمال هذه المواد الطبية بشكل صحيح وسليم، ومعرفة مدى احترامها للمعايير الدولية. وهذه المواد تباع بثمن بخس مقارنة مع السوق المقنن، ومن حقنا أن نتساءل هنا: هل كل الأدوية والمنتجات الطبية التي تباع في السوق «السوداء» صالحة لمداواة المرضى وتقديم الخدمات الطبية، وهل يعرف المواطنون أن الأدوية التي يصفها طبيب أسنان لامرأة حامل لا تشبه إطلاقا الدواء الذي يصفه لامرأة عادية؟ على هذا الأساس أقول إننا نحاول أن نقطع مع هذه الممارسات بشتى الوسائل الممكنة، ولن نسمح بأي حال من الأحوال ببيع مواد وأدوية منتهية الصلاحية للمواطنين، والتي يمكن أن تتسبب في أمراض خطيرة ذات مضاعفات كارثية لا يعرف عنها الناس الشيء الكثير وتكلف الصحة العمومية ملايير الدراهم بالإضافة إلى آثار نفسية وإنسانية خطيرة جدا على المواطن لا يمكن جبرها.
- ماهي بالتحديد هذه الأمراض؟
السيدا والسل والتهاب الكبد الفيروسي بأنواعه، وهي أمراض خطيرة جدا ويكلف علاجها اعتمادات ضخمة، وفوق ذلك فهي أمراض تعفنية معدية تتنقل بشتى الوسائل، وثمة العديد من الدراسات تفيد أن جزءا من حاملي فيروس الالتهاب الكبدي حملوه عن طريق صناع الأسنان المتطفلين على مهنة طب الأسنان، لدرجة أصبح المشرفون على مراكز تحاقن الدم يسألون الراغبين في التبرع عما إذا كانوا زاروا «طبيب أسنان» في الأشهر القليلة المنصرمة، الأمر الذي دفعنا إلى توجيه رسائل إلى مسؤولي هذه المراكز ندعوهم إلى عدم طرح مثل هذا السؤال لأن ثمة فرقا بين «صانع أسنان» و«طبيب أسنان» قضى 6 سنوات في كلية الطب.
- هل هناك شركات تروج منتجاتها في السوق السوداء كي تتهرب من دفع الضريبة على القيمة المضافة؟
نجد في الكثير من الأحيان أن بعض صانعي الأسنان هم أنفسهم يتاجرون في الأدوية والمنتجات الطبية المهربة ويروجونها على نطاق واسع. هناك سهولة كبيرة كي تصل تلك المنتجات إلى أي كان، فقد يجلبها صديق من إيطاليا أو من أي بلد آخر دون مراقبة إن كانت تتوفر فيها الشروط الصحية المطلوبة. وقد لاحظنا أن هؤلاء بدؤوا يقصدون عيادات طب الأسنان لترويج منتجاتهم من مواد التبييض والتعقيم وكل الأدوات التي يحتاجها طبيب الأسنان مثل المخدر (البنج) ومواد أخرى. نحن كهيئة لا يمكننا معرفة الوجهة التي تأتي منها تلك الأدوية والمواد الطبية، فهي مسؤولية سلطات المراقبة، لكن الأكيد أنها خطيرة وتضر بصحة المواطن في الصميم وبالتالي فهي تضر بالاقتصاد الوطني.
- تتحدث عن أطباء الأسنان بالمغرب وكأنهم منزهون عن شراء بعض المواد الطبية التي لا تخضع للمعايير الصحية المتعارف عليها، أريد أن أسألك بوضوح: هل هناك أطباء أسنان بالمغرب يقبلون على شراء مواد من «السوق السوداء»؟
لا يمكن أن أنفي وجود هذه الممارسات، ولا أتوفر على أي دليل يثبت ذلك (وهذه هي خصوصية الاتجار في المواد المهربة). وحينما نتأكد من وجودها سنتدخل بكل صرامة، لكن دعني أقول لك إنه من الصعب جدا على طبيب أسنان يشتغل داخل إطار قانوني واضح أن يغامر بمستقبله المهني ليوفر بعض الدراهم. ونحن الآن نشتغل مع وزارة الصحة على مشروع لتحديد مصادر كل المواد الطبية المستعملة في معالجة أمراض الأسنان، خاصة المخدر الذي يعتبر أصل المشكل في كل ما يحدث في القطاع، لأنه ضروري ليقترب الطبيب أو أي صانع أسنان أو متطفل من فم المواطن المغربي، وأجزم أنه إذا تمكنا مع السلطات العمومية من ضبط الاتجار في المخدر كما يحدث مع العديد من أدوية الأمراض العقلية، سيتوقف صناع الأسنان والمتطفلون على مهنة طب الأسنان عن المس بصحة المواطن المغربي.. وهنا أؤكد لكم أن صحة المواطن خط أحمر بالنسبة لنا كهيئة، وسنحميها بكل الوسائل القانونية المتاحة. ومن الإجراءات التي اتخذتها الهيئة مراسلة جميع أطباء الأسنان المسجلين في لوائحها تحذرهم من التعامل مع هؤلاء التجار بصحة المواطن بأي طريقة ومع المتطفلين على المهنة وإلا فإنهم سيقعون تحت طائلة القوانين المنظمة للمهنة. وبالفعل تم ضبط بعض الأطباء تعمل الهيئة حاليا على فصلهم ومنعهم من ممارسة المهنة.
- هناك معلومات تفيد بأن كميات كبيرة من البنج المغشوش تدخل من الجزائر خارج أي مراقبة، وهو أمر خطير جدا على صحة المرضى، كيف تنظرون إلى هذا المشكل؟
في السنوات الماضية، كان هناك نشاط كبير جدا للكثير من المواد الطبية المهربة من الجزائر لاسيما «البنج» لكن أعتقد أن هذا النشاط التهريبي انخفض بشكل كبير بسبب حزم السلطات العمومية وبسبب إغلاق الحدود أيضا.
- قاطعتم معرضا دوليا للمواد الطبية بالدار البيضاء بداية العام الجاري وأصدرتم بيانا تعلنون فيه موقف هيئة أطباء الأسنان الصريح منه، على أي أساس تم بناء هذا القرار؟
أولا، القرار الذي اتخذناه كان عدم مشاركة الهيئة بجميع مجالسها في المعرض. لقد كان شرطنا الأول للمشاركة في فعاليات المعرض هو تقنين الدخول إلى فضاء المعرض وعدم السماح لأي كان بشراء الأدوات والمواد الطبية. كيف تتصور أنت أن أشارك في نفس المعرض مع صناع أسنان يشتغلون خارج القانون وبدون رخص. بطبيعة الحال كان موقفنا منسجما جدا مع ما عبرنا عنه سابقا ومنسجما أيضا مع تصوراتنا داخل الهيئة. إنها مفارقة غريبة جدا أن ترى الطبيب وغير الطبيب يقتنيان اللوازم الطبية من نفس المكان ومن نفس المعرض. ربما هذا سلوك لا تجده إلا في المغرب. قلنا للقيمين على المعرض لابد من تحديد أسماء المشاركين في المعرض وتوجيه دعوات شخصية للمهنيين وسلمناهم لائحة تضم كل الأطباء المسجلين في لوائح الهيئة، ووافقوا على مقترحنا ثم اكتشفنا العكس، مما دفعنا إلى اتخاذ قرار عدم المشاركة في المعرض، وأعتقد أنه بمثل هذه المواقف الحازمة سنتمكن من تنظيف المهنة من المتطفلين. معركتنا مع الدخلاء على المهنة أصبحت معركة وجودية، فنحن الأطباء مسؤولون أخلاقيا وقانونيا عن صحة المواطن. فإما تطبيق القانون وإما أننا سنستمر في نضالاتنا. في ظل الوضع السائد، لا أفهم الحاجة إلى كليات طب الأسنان إذا ما واصلت الدولة السماح لدخلاء على المهنة بممارسة طب الأسنان خارج القانون، ولا أفهم لم تخسر الدولة ملايين الدراهم من أموال الشعب على تكوين أطباء أسنان ثم تسمح في الأخير لآخرين بمزاولة المهنة.
في الأخير، اسمحوا لي أن أوجه دعوة إلى كل من له غيرة على هذا الوطن وعلى صحة مواطنيه، من سلطات عمومية وقضاة وبرلمانيين ومنتخبين وسلطات محلية وسلطات وصاية وإعلاميين وعموم المواطنين أن يساهم كل من موقعه في تنظيم مهنة طب الأسنان ومهنة صانع الأسنان، وذلك حفاظا على الصحة العمومية ولضمان تنمية اقتصادية تليق بتطلعاتنا جميعا، لأن مؤشر الصحة أصبح عنصرا محددا في كل تنمية.
* رئيس الهيئة الوطنية لأطباء الأسنان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.