بالرغم من تأكيد وزير النقل والتجهيز كريم غلاب، على أن من المبادئ الكبرى التي تقف خلف مشروع مدونة السير في الطرق، هي محاربة الرشوة، فإن مهنيي القطاع يشككون في قدرتها على قطع الطريق على هذه الآفة التي تساهم في رفع حوادث السير بالتساهل مع مخالفي القوانين. ويقول مهنيون إن مدونة السير لن تحد من نسبة حوادث السير، إذ السبب في نظرهم يرتبط بعوامل أخرى، منها وضعية الطرق، والحالة الميكانيكية للشاحنات والسيارات، وتفشي الرشوة. وبرأي هذه الأوساط، فإن رفع سقف الغرامات، حافز لتشجيع رجال الدرك والشرطة والسائقين على التعامل بالرشوة أكثر. وإذا كان وزير النقل والتجهيز يؤكد أن مشروع المدونة لم يأت لتعزيز حق رجال الشرطة والدرك ضد مستعملي الطريق حتى في حالة ارتكابهم لمخالفات، بل على العكس من ذلك، يخول حقوقا جديدة لمستعملي الطريق لا يتمتعون بها حاليا إذ يتعرضون أحيانا لممارسات تعسفية من لدن رجال المراقبة، فإن أحمد صابر، الكاتب الوطني لنقابة مهنيي سيارات الأجرة، التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، يرى أن تشديد العقوبات التي تضمنها المشروع لن تغير من الواقع شيئا ولن يسفر إلا عن رفع مبلغ الرشوة. يقول صابر في تصريحات ل«المساء»: «مواجهة آفة الرشوة غير مرتبطة بوجود القانون، ولكن بمن سيطبقه وعلى من سيطبق، وأعتقد أنه حتى في حال إقرار مشروع المدونة بما يتضمنه حاليا من بنود، فإنه لن يحول دون وجود مظاهر الرشوة في علاقة السائقين برجال الدرك والأمن». ويضيف المسؤول النقابي في تصريحاته ل«المساء»: «مواجهة آفة الرشوة تقتضي تعبئة الجميع حكومة ومواطنين لمحاربتها لا أن يقتصر الأمر على فئة من المجتمع أو مجال واحد». ويحدد مشروع مدونة السير على الطرق مبلغ الغرامة في حالة ارتكاب مخالفة من الدرجة الأولى في ما بين 1500 إلى 3000 درهم، فيما يتراوح مبلغ مخالفة من الدرجة الثانية ما بين 750 إلى 1500 درهم. ويبدي مهنيو النقل تخوفهم من أن تصبح العقوبات المتضمنة في مدونة السير الجديدة، مجالا للمساومة بين السائقين ورجال الدرك والشرطة، يقول أحد المهنيين: «الزيادة في العقوبات لن تنقص من وتيرة الرشوة، وبالرغم من تأكيد الوزارة الوصية على أن المشروع لم يأت لتعزيز حق رجال الشرطة والدرك ضد مستعملي الطريق حتى في حال ارتكابهم لمخالفات، إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أننا كمغاربة نحسن الالتفاف على القوانين لقضاء مصالحنا، ولن يكون صعبا على أي سائق اللجوء إلى إرشاء رجال الدرك والشرطة للتخلص من دفع غرامات ثقيلة». ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه بالمقارنة بين معدل المخالفات المصرح بها في الإحصائيات الرسمية ومعدل الغرامات المنصوص عليها في مشروع القانون، فإن دفع رشوة لا تتجاوز 200 درهم على سبيل المثال عوض 900 درهم، ستشكل موردا ماليا لرجال الدرك والأمن من جهة وحلا للسائقين المخالفين للقوانين من جهة ثانية، وبالتالي سيكون القانون الجديد في خدمة المرتشين والمخالفين وليس في خدمة السلامة الطرقية. وحسب دراسات ميدانية قامت بها مكاتب دراسات مغربية سنة 2007، لفائدة الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، فإن %93 ممن شملهم الاستطلاع أشاروا إلى أن الرشوة متفشية في شرطة المرور بنسبة %99 وبين موظفي النقل بنسبة %64 . إلى ذلك، اعتبر رشيد الفيلالي مكناسي، الكاتب العام للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبارانسي) أنه من الصعب الربط بين ما جاء به مشروع مدونة السير على الطرق من غرامات، وتزايد وتيرة الرشوة. وقال الفيلالي مكناسي في تصريحات ل«المساء»: «الحديث عن وجود علاقة سببية واضحة بين مقتضيات مدونة السير الجديدة والتعاطي للرشوة، صعبة الإثبات بالنظر إلى عدم توفر المعطيات، مشيرا إلى ما ينقله موقع «يوتوب» من مشاهد لعناصر من الدرك الملكي متلبسين بتلقي الرشوة في الطريق العام، يظهر أن هؤلاء يتلقون رشاوى قد لا تصل إلى 50 درهما مما يشير إلى عدم وجود علاقة حتمية بين قيمة الغرامة وما يدفع للدركي كرشوة».