علم من مصادر مطلعة أن نقابة حزب الاستقلال، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، تعيش حالة نزيف داخلي بسبب الإحراج الذي وضع فيه كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، مهنيي قطاع النقل الذين رأوا في مشروع مدونة السير الجديدة إجهازا على مكتسباتهم وتهديدا لمصالحهم. وقالت المصادر إن انسحابات كثيرة حصلت في فاس وأكادير والدار البيضاء من نقابة الاستقلاليين، مشيرة إلى إن غلاب «يحاول تمرير مشروعه بشراء رؤوس بعض النقابات». وهدد مهنيون في قطاع النقل الطرقي بالعودة إلى التصعيد مجددا في حال تمت المصادقة على مشروع مدونة السير على الطرقات التي أعدتها وزارة كريم غلاب، والتي نوقشت أول أمس في لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب. وعبر هؤلاء عن استيائهم من إبقاء المشروع على العقوبات الحبسية والغرامات المالية بالرغم من رفض الجمعيات والمنظمات المهنية لها، خلال اللقاءات التي عقدها كريم غلاب معه وفي المقترحات التي رفعتها إلى وزارة التجهيز والنقل. وكان مهنيو القطاع قد عقدوا في الشهر الماضي لقاء بمراكش عبروا فيه عن رفضهم المطلق للمشروع، كما قرروا عقد لقاء ثان في القنيطرة يوم الخميس المقبل لتدارس مستجدات الموضوع واتخاذ قرار موحد لمواجهة المدونة. وقال عبد الحي ونزار، نائب الكاتب العام للمنظمة المغربية للشغالين المتحدين، في تصريحات ل«المساء»، إن مشروع مدونة النقل «نزل كاملا وليس هناك أي تعديلات مهمة»، وإن كريم غلاب «يريد تمريرها بأي وجه كان». وأشار ونزار إلى أن المدونة بدأ تنفيذها فعليا في ما يتعلق ببعض البنود مثل رخصة السياقة الجديدة التي تعمل بآلية التنقيط والبطاقة الرمادية، رغم أن المدونة مازالت مجرد مشروع لم تتم المصادقة عليه. نفس الرأي عبر عنه عبد الرحمان الكيلاني، من لجنة التنسيق الوطنية للنقل بالدار البيضاء التي كانت وراء «اللجنة العشارية» التي دعت إلى إضراب أرباب النقل الطرقي، الذي قال إن المدونة بدأ تنفيذها بشكل تدريجي رغم أنها لم تدخل حيز التنفيذ قانونيا. وقال ونزار إنه في حال تنفيذ المدونة، فإن المنظمات المهنية ستلجأ إلى التصعيد أكثر من السابق عبر تكثيف الإضرابات لإسقاط المدونة، مضيفا أن غلاب «يريد إشعال حرب في المغرب»، وأوضح أن ما يقلق المهنيين في المشروع هو إبقاؤه على الغرامات المالية التي تتراوح ما بين 400 و900 درهم، والحفاظ على العقوبات الحبسية، وعلق ساخرا: «عليهم أن يبنوا سجونا جديدة لأننا نعرف حاليا اكتظاظا في السجون»، وقال إن من شأن هذه العقوبات أن تزيد فقط من حجم انتشار الرشوة «لأننا نعرف كيف تعمل المراقبة على الطرقات عندنا»، بحيث إذا كان السائق اليوم يدفع 100 درهم في نقاط المراقبة كرشاوى فسيرتفع هذا المبلغ إلى 500 درهم أو أكثر، لأن الأمر أصبح يتعلق بالسجن والغرامات الباهظة. وأضاف ونزار، في تصريحاته: «مستعدون لقبول المدونة كما هي، لكن نريد ضمانات حقيقية بأنها ستطبق كما هي كذلك وبشكل نزيه»، مشيرا إلى أن العوامل المسببة لحوادث السير لا ترتبط بالسائقين فقط بل بحالة الطرقات في المغرب وعلامات المرور. واستنكر نصر الدين الصالحي، من نقابة اتحاد الجامعات المهنية، إقصاء وزارة غلاب لبعض المنظمات المهنية وعدم الرد على مقترحاتها بخصوص التعديلات التي تم إدخالها على مدونة السير على الطرقات، وعدم توزيع النص الجديد عليها للاطلاع عليه وإبداء الرأي فيه، وقال: «موقفنا واضح، وهناك إجماع واسع على التصدي لهذه المدونة». وكان كريم غلاب، وزير التجهيز والنقل، قد أكد، خلال تدخله أول أمس أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بمجلس النواب، وجود اختلالات ونقط قصور في القوانين الجاري بها العمل في المجال، والتي تعود إلى سنة 1953، كما أبرز أن مشروع مدونة السير هو نتاج حوار تبنته الحكومة مع النقابات والهيئات والجمعيات المهنية، ويروم المحافظة على أرواح مستعملي الطريق وممتلكاتهم وحماية حقوقهم، فضلا عن محاربة الرشوة وحالات العودة الناتجة عن الشعور باللاعقاب، واعتبر أن الظرفية التي يأتي فيها هذا القانون هي «ظرفية ملائمة نظرا لتسجيل ارتفاع كبير في عدد حوادث السير خلال الأشهر الأخيرة «، بنسبة سنوية تصل إلى 4.8 في المائة، وأوضح أن مشروع القانون المكون من 308 مواد يتضمن عدة مستجدات تتعلق على الخصوص بإعادة النظر في شروط الحصول على رخصة السياقة وإحداث نظام رخصة السياقة بالنقط، ووضع شروط مهنية وقيود إدارية على ممارسة المراقبة التقنية للعربات، علاوة على تحديد قواعد السير والمحافظة على الطريق العمومية.