الظاهر أن المعركة الطاحنة، التي سادت التحالف الحكومي حينما كان حزب الاستقلال الشريك الأول لحزب العدالة والتنمية في التدبير الحكومي، لم تنته بمجرد إعلان بنكيران عن ترميم أغلبيته الحكومية، حيث انتقل شباط إلى مستوى آخر من الصراع وهو تأجيج الغضب النقابي تجاه الحكومة، والتلويح لأول مرة في الزمن الحكومي الحالي بتنفيذ الإضراب العام. الصراع بين بنكيران وشباط ليس وليد اليوم، ولا تتحكم فيه بواعث نقابية فقط، إذ أن الصراع بين الرجلين بدأ بالتحديد حينما شرع الزعيم الجديد للاستقلاليين بتوجيه ضربات قوية إلى الحكومة التي كان مشاركا فيها، انتهت فصولها بانسحاب الاستقلال من الحكومة بعد فصل كامل من شد الحبل بينه وبين «البيجيدي» وصل إلى درجة استعمال مفردات غريبة وغير مسبوقة في تاريخ الحقل السياسي المغربي. يشرح الكلام الذي خاطب به شباط أتباعه، خلال انعقاد أشغال المجلس العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، كل شيء: «ما تبقاوش ساكتين، وحان وقت الرد»، و«حالة الصمت الموجودة حاليا في الساحة غير مبررة». هذا الكلام يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن معركة شباط مع بنكيران لن تكون نقابية فقط، بل إن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بتدافع سياسي متعدد الجبهات. مع ذلك، ينبغي أن نأخذ تلويح شباط بالإضراب العام في غضون شهر دجنبر المقبل على محمل الجد، ليس لأن الخطاب السياسي الذي ينطلق منه يوسم بالمصداقية، بل لأنه مهما كانت الانتقادات التي توجه إلى شباط وإلى قاموسه السياسي، فإن نقابته ما تزال قوية وتحمل رصيدا تاريخيا كبيرا. بمعنى آخر، بمقدور الإضراب أن يبعثر أوراق رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي لا تجمعه علاقات ود كبيرة بالنقابات. بطبيعة الحال، فأن يقول شباط إن الإضراب العام سيسبقه إضراب في الإدارات العمومية، يجب أن نضعه في سياقه، إذ أن كل هواجس الدخول السياسي الحالي تسير في منحى واحد، هو التحضير للانتخابات الجماعية المقبلة المزمع تنظيمها خلال سنة 2015، حسب ما أعلنه وزير الداخلية، أي أن ورقة الإضراب قد تشكل ورقة ضغط إضافية على رئيس الحكومة. ولا غرابة أن يدعو شباط إلى الإضراب العام في نفس الوقت الذي أعلنت الفدرالية الديمقراطية للشغل عن خوض إضراب إنذاري لمدة 24 ساعة في سلك الوظيفة العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، الأمر الذي يبين أن الحكومة لن تكون في مواجهة شباط وحده، وليس من المستبعد أن ينشأ تنسيق بين المركزيات النقابية، خاصة في ظل التقارب السياسي بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال قد يتوج بتنسيق نقابي لمواجهة الحكومة. بنكيران يعرف جيدا أنه في مواجهة أحزاب سياسية مدعومة بأذرعها النقابية، بعدما حسم معركة السجال السياسي لصالحه واستطاع طوال ولايته الحكومية أن يعذب أحزاب المعارضة عدا بعض التوتر الذي بدا عليه أثناء تقديمه لحصيلته الحكومية، وعليه أن يعرف الآن أن فتح معركة نقابية مع المركزيات النقابية معركة خاسرة من أساسها، لأنها لن ترتبط بالسجال السياسي. وفوق ذلك فإن المرحلة الحالية تتسم بالكثير من الحساسية بالنظر إلى ما سماه البوقرعي بالحملة الانتخابية المفتوحة التي تنخرط فيها جميع الأحزاب السياسية بدون استثناء. نعود إلى نقطة التنسيق النقابي وإلى إمكانية تحققه خلال الأسابيع القليلة المقبلة. بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، المفخخ على جميع الجبهات: المجلس الوطني، المكتب السياسي، الفرق البرلماني، الذراع النقابي، لا يستطيع في المرحلة الراهنة على الأقل الانخراط في أي تنسيق نقابي مهما كانت طبيعته مادامت خلافاته الداخلية دخلت مرحلة عصية على الفهم بعد أن لجأ بعض منخرطيه إلى حسم صراعاتهم بالكريموجين والسيوف، وبعد أن وصلت هذه الخلافات إلى القضاء. صحيح أن إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، يسعى جاهدا إلى حسم هذا الصراع داخل المكتب السياسي، لكن الطريقة التي يبتغي بها الخروج من النفق المسدود ستؤبد المشكلة، لأن مساندة تيار دون غيره ورقة جربها قبله اليازغي وأثبتت فشلها الذريع. جبهات الصراع بين الحكومة والمركزيات النقابية تعطي الانطباع بأن حل التوافق يبدو بعيدا جدا، فقد فجر مشروع قانون تمديد سن التقاعد، الذي تقترحه الحكومة، صراعا عنيفا كان ينمو ببطء، قبل أن يتحول إلى جمرة حامية تحرق الجميع، ولا ننسى أن بوادر التوتر بين الطرفين بدأت منذ أن أعلنت الحكومة عن قرارها النهائي بالاقتطاع من أجور المضربين، حيث دخلت النقابات في معركة طويلة مع وزير العدل مصطفى الرميد انتهى أحد أشواطها بتدخل القوات العمومية بإفران. لاشك، والحالة هاته، أن الساحة السياسية مقبلة على دخول نقابي ساخن أبرز سماته صراع جديد/قديم بين الحكومة وبين النقابات. صراع سيكون محكوما بخلفية سياسية محضة تريد الأحزاب السياسية أن توظفه في حرب الانتخابات الجماعية المقبلة.