لا يمكن الحديث عن الإسلام والمسلمين في إسبانيا، بمعزل عن عموم الدول الأوروبية. إذ تتقاسم إسبانيا مع هذه الدول العديد من أوجه التشابه المتعلقة بالأسباب، التي أدت إلى تشكله بالصورة التي أصبح يفرض بها نفسه اليوم، ليس فحسب في أوروبا، وإنما في باقي دول الغرب. وتعد الهجرة من بين أبرز الأسباب التي ساهمت في وضع اللبنات الأولى لفرض هذا الموضوع. «ففي العقدين الأخيرين، بزغ الإسلام كعاقبة غير متوقعة لهجرة العمالة إلى أوروبا، حاملة معها تغيرات ثقافية وعرقية غير متوقعة للمجتمعات الأوروبية. وقد بدأت الموجة الأولى للهجرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى سبعينيات القرن العشرين، وسادها تحرك جماعي كبير من العمالة الزائدة الوافدة من العالم الثالث وشرق أوروبا. وأثناء فترة الازدهار الاقتصادي الكبير التي اجتاحت العالم الغربي منذ عام 1945 حتى عام 1969، ارتبط النمو الاقتصادي في البلدان الصناعية لغرب أوروبا ارتباطا وثيقا بالعرض الكثيف للعمالة وزيادة القدرة على الإنتاج. وحفزت هذه العوامل الهجرة المنظمة التي تكفلها الدولة لاستقدام مجموعات من العمال الذكور من شمال أفريقيا والهند وباكستان وتركيا، تصادف أنهم كانوا أيضا مسلمين. وانتهى استقدام الدول الأوروبية للعمال الأجانب بصدمة البترول في عام 1973، لكن هذا التوقف عن جلب العمالة الأجنبية إلى غرب أوروبا لم ينقص من وفود أشكال أخرى من الهجرة، كالهجرة لجمع شمل الأسرة، والهجرة الموسمية، والسفر ذهابا وإيابا عبر الحدود». وخلال هذه الفترة، لم تهتم التقارير والدراسات الأولى عن الهجرة بالبعد الإسلامي تماما. ونفسه الأمر لوحظ على علم اجتماع الهجرة خلال الفترة الممتدة فيما بين ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. إذ ركزت دراسات وأبحاث أخصائيي هذا العلم على انعكاسات هجرة المسلمين على سوق العمل وقطاع الإسكان، غير آبهة بالمسألة الدينية لهؤلاء المهاجرين المسلمين الذين بدؤوا في هذه المرحلة يجمعون شمل أسرهم، وبالتالي تحولهم عن النظر إلى الإقامة في أوروبا كشيء مؤقت. عندئذ بدأت الدراسات تهتم بعدد من القضايا التي أفرزتها ظاهرة التجمع الأسري، وفي مقدمتها المرأة المسلمة التي حاولت هذه الدراسات شرح أحوالها في أوروبا» بتبني– عن وعي أو عن لا وعي- المنظور الكولونيالي للتفسير، الذي يفترض مسبقا وجود تعارض جذري بين الإسلام والغرب». و« في الدراسات التي أجراها عدد من الخبراء الإسبان حول المهاجرين المسلمين منذ بداية الهجرة إلى إسبانيا، يظهر بكل وضوح أن معاناة المهاجرين المسلمين حاليا في ذلك البلد الإيبيري وغالبيتهم من المغاربة، تعود إلى تأويل خاطئ ومقصود للتجربة التاريخية مع العرب»، بل إن المسلمين سيما المتحدرين من أصول مغربية يواجهون نفورا أصيلا في المخيلة الإسبانية، وليس من السهل محوه، «على الرغم من ارتفاع عدد من الأصوات المثقفة، التي تؤكد انضباط المسلمين عموما بمن فيهم المتحدرين من أصول مغربية، باعتبارهم الأقلية المسلمة الأكثر حضورا في إسبانيا، كما أنهم «بخلاف مهاجري جنوب الصحراء الأكثر خضوعا، يعرفون حقوقهم ولهم جمعيات ونقابات تدافع عنهم». هذا في الوقت الذي يسجل فيه على الصحافة الإسبانية «استهانة بما يصيب المهاجرين المغاربة». وإجمالا، يمكن حصر الموجة الأولى للمسلمين الذين رحلوا إلى إسبانيا، في الهجرة المغربية والمشرقية. «ويعتبر عبد السلام برادة أقدم مهاجر عربي في إسبانيا، وهو من مواليد فاس . في منتصف القرن التاسع عشر كان يقيم بإسبانيا، حسب بعض المصادر، ومن بينها رسالة بعث له بها والده من فاس بتاريخ 22 صفر 1267ه/1851م. والرسالة تسمي المرسل إليه الحاج عبد السلام برادة، الأمر الذي يعني أنه انتقل إلى إسبانيا بعدما أدى مناسك الحج، ويطلب من ابنه أن يؤدي إلى مغربيين سيسافران إلى إسبانيا نفقات ابن له تركه في فاس، تكفل بتربيته وتعليمه أحد أعمامه. الرسالة تطلب كذلك من عبد السلام برادة إرسال بعض الأموال إلى والدته. كان عبد السلام برادة يمتلك محلا لمنتجات الصناعة التقليدية المغربية في مدينة إشبيلية. وقد تزوج هناك زواجا ثانيا من فتاة من عائلة، مدينة سيدونا العريقة، هي أماليا دي مدينة سيدونيا. وحافظ دائما على لباسه المغربي، الذي كان يثير الإعجاب، إلى درجة ان بعض شباب الطبقة الأرستقراطية أصبحوا يرتدون سراويل شبيهة بتلك التي كان يرتديها». وخلال هذه الفترة لم يكن لعاملي اللغة والدين ليشكلا أي عائق أمام اندماج المسلمين في المجتمع الإسباني، وهو الأمر الذي تؤكده رواية كتبها بينيتو بيريز غالدوز سنة 1859، وهو أشهر أديب إسباني في عصره، حيث نقرأ عنده ما يلي عن هجرة المغاربة : «ليس هناك شيء أسهل بالنسبة إلى المغربي من المجيء إلى هنا؛ يتعلم اللغة في وقت قياسي ويصبح إسبانيا. لقد تعرفت إلى مغربي من العرائش أصبح اسمه هنا، بابلو طريس، لا يمكن لأحد أن يكتشف أنه ليس إسبانيا، بل وحتى العفاريت يمكن أن تنطلي عليها الحيلة».