محمد بصير اسم تفرق مصيره بين الدول، هو مؤسس «الحزب المسلم» وقائد أول انتفاضة في وجه الاستعمار الإسباني في الصحراء، وهو «الأب الروحي» كما تصفه جبهة البوليساريو التي تاجرت بقضيته قبل أن تتخلى عنه، خوفا من زعامته وولائه للمغرب، وهو «الابن العاق» الذي ساهمت المخابرات المغربية في رسم صورته، بكونه انفصاليا رغما عنه ودون علمه، بدايات مجهولة، وشباب متحمس وثائر، ونهاية غامضة لأهم الشخصيات في تاريخ الصحراء بالمغرب المعاصر، تضرب إسبانيا أسوارا من القيود حول مصيره، وتمنع أسرته من دخول أراضيها للاطلاع على أزيد من مليون وثيقة تخصه، قائد انتفاضة «الرملة» الذي مرت 44 سنة على اختفائه فيها في 17 يونيو 1970م، من يكون محمد بصير الذي ولد بزاوية والده الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط بأزيلال؟ «المساء» تعيد تجميع ما تناثر من حقائق حول شخصيته وتكشف الخيوط الخفية حول شخصية رسمت بغموضها قضية الصراع في الصحراء بين المغرب وإسبانيا وجبهة البوليساريو والجزائر. يروي سيدي أحمد رحال رفيق محمد بصير في حركة الطليعية وفي السجن بعد ذلك، في شهادته على الأحداث التي كان مشاركا فيها،»وفي يوم 16 من نفس الشهر يونيو 1970 قامت الحركة بمسيرة منظمة على متن السيارات حاملة لافتات وشعارات مناهضة لبقاء الاستعمار بالصحراء، وفي صبيحة 17 يونيو وعلى الساعة السابعة صباحا تجمع في المكان المذكور، ولم يذهب أحد إلى المكان الذي دعت إليه السلطات الاسبانية فجاءت الشرطة المحلية وطوقت الجماهير وظلت في إنصات للخطباء المناهضين للمستعمر، وبعد حوار مع المسؤولين جاء الحاكم العام إلى مقر تجمع المنظمة، والذي كان، وقتئذ، هو الجنرال بيريز ديليما تيخيرو ، وخصصت له خيمة ولجنة حوار دام 45 دقيقة ولم يتم الاتفاق معه، فذهب غاضبا وبعد مدة وجيزة هجمت الشرطة على المتظاهرين وشهر النقيب لباخو مسدسه وأطلق منه النار على الجمهور فأصاب المناضل السيد محمد مبارك ولد الشيخ، فانقضت الجماهير على الشرطة بالحجارة وتحت هذا الهجوم على الشرطة، انسحبت الشرطة حاملة الجريح وعدة معتقلين.. وبعد أقل من ساعة جاءت قوة عسكرية إضافية من الجيش فتمركزت قبالة المتظاهرين وأطلقت الرصاص عشوائيا.. وبعد تفريق المتظاهرين بالقوة انطلقت السلطات في البحث عن الزعيم بصير الذي ألقوا القبض عليه قبل غروب الشمس ذلك اليوم بمنزل زوجة ابن عمه السيد موسى ولد سيدي لوشاعة بصير « شهادة سيدي أحمد رحال، ضمن أعمال ندوة سيدي محمد بصير أحد رجالات المقاومة المغربية في الصحراء ، يونيو 2008 بالعيون ص 100 ، 101 . كان اعتقال محمد بصير بعدما رفض الهروب حيث يسجل التاريخ لمحمد بصير في مختلف الوثائق التي كتبت عن انتفاضة 17 يونيو 1970 سواء المغربية أو الاسبانية أو الموالية للبوليساريو أن زعيم الحركة الوطنية لتحرير الصحراء رفض الهروب بعد الأحداث رغم الفرص التي كانت متاحة، وأوضح سيداتي ولد الغلاوي ما دار في الاجتماع الذي جمع بصير ببعض معاونيه، عقب أحداث الرملة حيث نصحه هؤلاء بضرورة مغادرة المكان، فهو حسب قولهم مغربي الأصل وليست لديه وثائق، ويتابعون الحديث بصدد تقييم وضعهم فيقولون لبصير: هناك سيارة جاهزة فلنذهب إلى موريطانيا فرد بصير قائلا: «أبدا لن يقال إنني الشخص الذي دفع بقومه إلى الهلاك ثم اختفى». وفي نهاية المطاف وبعدما حدث ما حدث، وبعد انتهاء المجزرة، وبعد إطلاق الرصاص من طرف كتيبة من الجيش الاسباني واتضح أن الأمور اتجهت نحو الأسوأ، توجه بعض رفاقه إليه وطلبوا منه الفرار فقال لهم كلمته المشهودة «لن يكتب التاريخ أنني الشخص الذي أتيت لتحرير بلدي وقدت أبناء عمومتي إلى الهلاك وتركتهم وهربت، لن يسجلها التاريخ «. كانت كلمات محمد بصير رغم إغراءات رفاقه في الحركة السرية لتحرير الصحراء، مؤشرا لديهم على أنه لن يتنازل عن فكرته بأن يكون في مقدمة الصفوف، ورغم أنه «ظل بعيدا عن الأيدي وأعين السلطات الاسبانية إلى يوم 19 يونيو 1970، وحينما عرض عليه رفاقه الفرار رفض ذلك، وقال لهم لن أهرب حتى لا يقال إنني جئت من المغرب لإثارة الفتنة والتضحية بالصحراويين، سأسلم نفسي ليتأكد الصحراويون والإسبان أننا في سبيل مغربية الصحراء نضحي بالغالي والنفيس» الحرب المنسية، عشر سنوات في السجون السرية للبوليساريو ص 142. ويواصل سيدي أحمد رحال ما وقع في المعتقل الذي كان فيه رفقة محمد بصير «فحملوه إلى ثكنة الشرطة مع المئات الذين خضعوا للتعذيب وعلى رأسهم هو، محمد بصير ، وبعد تصفية البحث تم إطلاق من أطلق وبقاء من يستحق التحقيق والتعذيب في نظرهم، دام التحقيق أزيد من عشرين يوما، حملونا بعدها إلى السجن الأكحل، وفي نهاية يوليوز أفرغوا السجن من الجميع إلا ثلاثة وهم : الزعيم محمد بصير، وابن عمه محمد محمود، وعبد ربه هذا المتكلم سيدي أحمد رحال وبقينا في هذه الوضعية المزرية إلى 10 غشت الموالي فحملوا محمد محمود إلى ثكنة الشرطة، وبقيت أنا والزعيم محمد بصير إلى صبيحة يوم الجمعة الرابع عشر من غشت، في قرابة الساعة الرابعة صباحا سمعت جلجلة الأبواب الحديدية فنظرت من نافذة صغيرة من باب الزنزانة التي كنت بها، فإذا بالحارس أخذ بمنكب الزعيم وهو مقيد اليدين مرتديا دراعة خضراء ولثامه متدلي على منكبه الأيمن ولم أسمع أن أحدا رآه أو سمع عنه خبرا بعد تلك اللحظة الأليمة « شهادة سيدي أحمد رحال ، ضمن أعمال ندوة سيدي محمد بصير أحد رجالات المقاومة المغربية في الصحراء ، يونيو 2008 بالعيون ص 101. يروي نور الدين بلالي أحد المشاركين في أحداث انتفاضة 17 يونيو 1970 وأحد مؤسسي جبهة البوليساريو فيما بعد ما وقع خارج المعتقل قائلا : قامت الحركة بمظاهرات جالت في شوارع المدينة باللافتات والسيارات. فبادر الاحتلال الإسباني إلى مطالبة الحركة بحل المخيم، فرفضت الحركة ذلك المطلب، فتم إطلاق النار على المتظاهرين فسقط العشرات من الضحايا والجرحى والاعتقالات، كما اعتقل الضباط من العسكر الذين ينحدرون من الصحراء في جزر الكناري، وفيه مجموعات أخرى تم اعتقالها في الداخلة وأوسرد وتفاريتي ومختلف مدن الصحراء، وعمل الاحتلال بسياسة الإبعاد بحيث يتم اعتقال كل مجموعة في مكان بعيد عن مدينتها أو منطقتها الأصلية، وهناك مجموعات أخرى فرت إلى موريتانيا وتابعت استمرار الحركة من خلال الاتصال بالسفارات الأجنبية وكتابة المذكرات. وأنا أتذكر أننا كنا من ضمن مجموعة من العناصر ذهبت إلى موريتانيا بحيث عملنا على إنشاء مجموعة تلتقي مع السفارات الأجنبية خصوصا سفارات عربية وأوربية شرقية، كما أرسلنا مبعوثا إلى جبهة التحرير الجزائرية في بشار بمذكرة وأعلنا عن أنفسنا بأننا نحن الحركة التي ضربتها إسبانيا ونحن لا نزال مستمرين في مناهضة الاحتلال وطالبنا بالدعم والمساعدة «نور الدين بلالي حوار مع جريدة هيسبريس الاليكترونية. ستحصل حادثة مثيرة بعد اعتقال محمد بصير، حيث سيتم الإفراج عن محمد أحمد باهي والمسرحي الصغير المسكيني والمحامي عبد الحق أوطال، وحمد بن الشيخ عبد الله بصير بعد ثلاث سنوات من دون محاكمة، وهو ما يكشفه المسرحي الصغير المسكيني في اتصال ب»المساء» : «أفرج عنا بعد ثلاث سنوات من الاعتقال عقب إصدارنا في جمعية المثقف الثوري بيانا هاجمنا فيه ما أسميناه بالقوى الرجعية قبل أن توجه إلينا تهما ثقيلة منها محاولة اغتيال شخصيات سامية ويقصد بها الجنرال أوفقير، ممرنا في تلك السنوات الثلاث من دار المقري وكاريان سنترال».