معادي أسعد صوالحة « إن صنع السلام أصعب من خوض الحرب، لأن صنعه والمحافظة عليه يتطلبان الشجاعة ويفترضان أحيانا مقاربات جديدة وصعبة، والتمتع بشخصية مدنية مُحببة ورأسمال ضخم من الإرادة والطموح والعمل والمثابرة والعزيمة للوصول إلى الهدف «، بهذه الكلمات بدأت الكاتبة البريطانية انجليكا روتر تصف حياة نساء دافعن عن حقوق الإنسان بشجاعة ومثابرة، ناضلن في سبيل الحقيقة والعدالة والأمل والإصلاح والحرية والسلام حتى كوفئن أخيرا بجائزتها العالمية التي أوصى بها ألفريد نوبل قبل وفاته تكفيراً عن شعوره بالذنب لاختراعه الديناميت القاتل...، إنهن نساء دافعْن عن القضية الإنسانية وحملن لأجلها راية الحرّية والديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان.... إنهن نساء السلم والسلام». كان خبر فوز شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام هو أول خبر سار في زمن صعب كما عبر عنه اتحاد الكتّاب الإيرانيين، حيث أورد بيانه الذي صدر عقب فوزرها بالجائزة «...بعد أعوام من استماعنا للأخبار المتعلقة بقتل وحبس وتهجير زملائنا من الكتّاب، سمعنا هذه المرة خبرا يبعث على السرور كثيرا، خبر طنّ في آذان العالم، خبر مشفوع بالشوق والحنان والفرح والتضحية، إن السيدة شيرين عبادي الكاتبة والمحامية الإيرانية المناضلة والناشطة والمثابرة من أجل حقوق الإنسان وحرية الرأي قد فازت بجائزة نوبل للسلام، إنه لخبر مُفرح في خضم توتر مُدمر يهز منطقة الشرق الأوسط ويضفي الغمامة على أفق حياة شعوب هذه البقعة من العالم ومستقبلها وفي خضم صراع بين جهتين: قوى عسكرية أجنبية غازية من جهة، وقوة قمعية ضاغطة لديكتاتوريات محلية من جهة ثانية، لكن مثل هذا المديح وهذا التفاوت صورة لم تبدو واضحة على الدوائر السياسية الرسمية التي تجاهلت جرائدها ومحطات إذاعاتها تناول الخبر وذكره، مُعتبرة إياه تدخلا من قبل الغرب في الشؤون الإيرانية، واستنادا إليهم ما كان لعبادي أن تنال جائزة نوبل لولا موافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تعتبرها مصدر الشرور في العالم، وبالتالي تم اعتبارها أداة في يد الأجانب وخائنة ومسلمة عاصية.....»، أما شيرين عبادي فقد خرجت لتقول أمام حشد كبير كان في استقبالها بمطار مهرباد بطهران «... إن الخوف هو حالة مثل غيرها كالجوع مثلا، إنه ينتاب المرء كثيرا لكنني تعلمت كيف أتعامل معه، إن كل من يناضل في سبيل حقوق الإنسان في إيران سيعيش الخوف، لكن ينبغي عليكم أن تتغلبوا على خوفكم، أن تمضوا نحو المستقبل بثبات وقوة وعزيمة، إن وجودكم هنا الآن يشكل لي أملا في المستقبل، إن هذه الجائزة ليست لي بقدر ما هي لجميع من يعملون في إيران لأجل حقوق الإنسان والديمقراطية واستمرار مهمتي في إخبار العالم بأن أبناء شعبي ينبذون الحرب والعنف ويطالبون بحقوقهم على نحو مسالم، ينبغي علينا الاستمرار بهذا النهج ........»، وختمت قائلة «... إنني أقول للعالم الذي منحني جائزة نوبل للسلام وأنا مسلمة أنتمي إلى بلد إسلامي إننا شعب مسالم ننبذ العنف والإرهاب ونرغب في العيش بسلام مع الأديان الأخرى، كما أدعو السلطات الإيرانية إلى تحرير السجناء السياسيين حتى يعيش شعبنا مُوحدا وحرّا...». يروي الكاتب الإيراني (فرج سر كوجي) الذي نال عدّة جوائز وتعرض بدوره للخطف على يد المخابرات الإيرانية بمطار طهران نيسان/أبريل 1990 ووضع في السجن واصفا شيرين عبادي بالقول «... كل من يعرف تلك المرأة قصيرة القامة يصفها بأنها شجاعة وذات صوت محترف، تمتلئ بالمثابرة والذكاء وتتحلى بالقوة والعزيمة، ولا شك أنها احتاجت إلى شجاعتها وقوتها في مواجهة رجال الدين ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن، كانت تشعر مثلي وتخاف من القتل، لكنهم لم يستطيعوا قتلي وقتلها وقتل صوتها رغم وضعها لفترة قصيرة في زنزانتها الصغيرة المظلمة....، لقد استطاعت شيرين عبادي أن تصل بحقوق الإنسان إلى المنصة الدولية، وينبغي أن لا ننسى بأنها لا تدافع عن قضيتها فقط وعن قضية شعبها بقدر ما تدافع عن قضايا المجتمع في أرجاء المعمور، وسارت في طريقها لتحمي حقوق الإنسان، وهي الطريق التي ستبقى طويلة أمامها والمناضلين من أمثالها ليقتربوا من تحقيق أهدافهم ورسائلهم النبيلة لفرض الديمقراطية الحقيقية وإقرار العدالة الاجتماعية والمساواة في المجتمع بين الرجل والمرأة والغني والفقير، لن يكون هذا ممكنا دون خلع السلطة الحاكمة وديكتاتوريتها بواسطة الشعب نفسه الذي عليه أن يثور ثورة أخرى لتحقيق مطالبه....، ثورة سلمية بعيدا عن العنف والدماء التي لا نحتاجها ولا نريدها بعد أن دفعنا من أجلها وقدمنا لها الكثير من الأرواح...». أما عبادي نفسها فتروي مسارها النضالي والجهود السلمية التي خاضتها لتحقيق المطالب الاجتماعية في إيران بعد تأكيدها على أن مثل هذه الجهود هي الفرصة الواقعية الوحيدة لإحداث التغيير «.... ينبغي إتمام جميع الإصلاحات على نحو سلمي، فقد انتهى زمن الحقد والعنف، فالنضال يجب أن يتم داخل البلاد والمجتمع بعيدا عن أي تدخل أجنبي الذي سوف يؤدي إلى تفاقم الصراع لأجل الحرّية..»، رافضة بذلك وبشدّة جميع محاولات إدخالها المعترك السياسي بعد أن فضلت الإقامة بعاصمة الضباب لندن «.... أتمنى أن لا أصبح أبدا طرفا في الشجارات السياسية والصراعات على السلطة أو جزءا من الحكومة، فالمناضل لأجل حقوق الإنسان ينبغي عليه أن ينتقل ويقيم بين الشعب، وأن يكون حياديا على الدوام، ولم أخض معركتي إلا لتحقيق دعائم هذه الحقوق والتي منحتني نوبل المزيد من الطاقة لأجلها ولمتابعة الطريق بمزيد من القوة والعزم، فأنا إنسانة متفائلة جدا واعتقد بأن الأمور ستتحسّن قليلا يوما بعد يوم بمزيد من الصبر فقط....». وختمت كلماتها بالقول انطلاقا من قناعاتها ومواقفها التي التزمت بالاستمرار بها رغم إقامتها خارج إيران ورغم حصولها على جائزة نوبل للسلام «....إن دعواتي وقناعاتي بإلغاء عقوبتي الرجم وقطع اليد في بلادي إيران سوف تشكل مؤشرا على إرساء الديمقراطية، كما أن تغيّير سن الزواج للإناث حتى سن الخامسة عشر هو قرار أساسي كونه يمس بحرية وحياة الشعب وأمنه، إننا نؤمن بأن إيران لن تتطوْر ولن تتمكن من البقاء إلا إذا ما دعت سريعا إلى الإصلاحات الجذرية، والأهم هو أن يتم إصلاح قانون الانتخابات بالمصادقة على مشروع تعديل قانون الانتخابات حتى يتمكن الناس من انتخاب ممثليهم في البرلمان بحرية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال ضرورة الفصل بين الدين والسياسة، لأن هناك عددا من (آيات الله) التي توافق على هذا التوجه...»، كما عارضت عبادي ومن خلال حملاتها المتوالية التهديدات والمضايقات الغربية على بلادها وكذلك التدخل السافر للدولة الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني «.... إن حملتي لتعزيز حقوق الإنسان هي ذات وجوه متعددة وأتوجه بها إلى كل أنحاء العالم حيث الدول التي تحاول انتهاك ومضايقة بلادنا وشعبنا والتي لا نريدها حتما ولا نريد تدخلها بحجة حماية حقوق الإنسان التي تنتهكها بنفسها ومازالت تنتهكها بحجة محاربة الإرهاب الذي صنعته بنفسها، فكيف لدول تريد التدخل في بلادنا بحجة حمايتنا وحماية حقوقنا تدعم (إسرائيل) التي تنتهك يوميا حق الشعب الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه ووطنه في ظلّ حالة من الصراع غير المتكافئ، حيث السلاح والقوة والغطرسة التي تصب حممها ضد الأطفال والحجارة هكذا بقيت شيرين عبادي تردّد كلماتها بخصوص إقرار الحق والعدالة والديمقراطية والمحافظة على حقوق الإنسان والمرأة خاصة في مسقط رأسها إيران حسب ما أوردته في كتابها الشهير (يقظة إيران) الذي أوردت فيه «.... لقد تبيّن لنا كيف أن النظام القديم أمر بأن تنزع النساء الحجاب عن وجوههن بالقوة، وكيف أن الحكومة الثورية الجديدة أمرت بأن ترتدي النساء الحجاب من جديد، فالممارسات التي يفترض بأنها ممارسات دينية وتضطهد النساء هي في الواقع جزء من تقاليد قبلية أبوية لا بد من القضاء عليها عبر الوسائل المختلفة التي تركز على تنمية النساء وتعليمهن في ظلّ الحياة المأساوية للمرأة، وفي ظلّ المحاكم الدينية التي تعتبر أن قتل المرأة تعد نصف جريمة قياسا بقتل الرجل الذي تعدّ حينها جريمة كاملة، إن الديمقراطيات تتعثر وتتراجع حينما تحجب الحقوق القانونية لنصف العالم ألا وهو المرأة، وبالتالي يجب أن نسير نحو إقرار المساواة لها وإقرار حقوقها أينما وجدت وأينما حلت وارتحلت وليس فقط في بلدي ومسقط رأسي إيران...».