سعيد أكدال تقع آثار هذه المدينة بالقرب من مدينة القنيطرة على ضفاف نهر سبو. فخلال تنقيبات الباحث الأركيولوجي تيسو Tissot الأثرية بالمغرب، عثر بالقرب من بلاد زمور على آثار مهمة اعتبرها بقايا لمدينة تموسيدا التي تحدثت عنها النصوص التاريخية القديمة (BESNIER .M, 1904, page 359 ). وقد أكدت الحفريات التي أجريت بهذا الموقع الأثري بأن تاريخ هذا المركز الحضري يعود إلى القرن الأول الميلادي، بل وقد يكون المركز عرف تواجدا بشريا منذ القرن الثاني ق.م (نعيمة الخطيب بوجبار، مصدر سابق، ص 46). فمنذ سنة 1959، تم السماح بإجراء حفريات من طرف مدرسة روما الفرنسية، حيث تم القيام بثلاثة تنقيبات أولية، وبالرغم من غياب معالم أثرية، وقد تأكد بأن الموقع كان مأهولا خلال العقود الأولى من التاريخ الميلادي. ويعتقد بأنه تم التخلي عن هذا التجمع البشري وهجرانه ربما خلال الحملة الرومانية، حيث غمرته مياه نهر سبو ولم يعد مؤهلا لإيواء ساكنته. لكن خلال القرن الثاني للميلاد أعيد تعمير مدينة تموسيدا من جديد. وقد تبين من خلال نتائج الدراسات الأثرية أن المدينة تعرضت للهدم والتخريب من جراء القلاقل والاضطرابات التي عرفها المغرب القديم في نهاية القرن الثاني الميلادي. كما انتهت استنتاجات الباحثين الأركيولوجيين بأنه قد تمت إعادة هيكلة تصميم المدينة. ومن خلال شكل مدينة تموسيدا ومكوناتها المعمارية، إضافة إلى موقعها جنوبموريتانيا الطنجية، فإنها كانت عبارة عن موقع عسكري، وهو ما يفسر إلى حد ما تعرض هذه المدينة لعدة تقلبات على مر تاريخها ومنذ نشأتها. ويتكون الموقع الأثري لتموسيدا من جزأين : فهناك من جهة أولى المدينة التي كان يقطنها المدنيون، حيث ما زالت مآثر بعض منازلها ومعبد صغير على مقربة من نهر سبو وحمامين. وهناك من جهة ثانية القلعة التي تم العثور داخلها على تمثال صغير لسجين موري، وهذا ما يؤكد أن هذا المركز العمراني كان يمثل مركزا عسكريا متقدما للمراقبة وأيضا للحد من انتفاضات القبائل الأمازيغية الموجودة جنوب البلاد. وحتى لا يقع نوع من التحامل التاريخي على الرومان، فإن الباحثين الغربيين كانوا يلجؤون إلى تفسيرات يبررون بها النهج الاستعماري الروماني. فالباحث ماريون مثلا يظن بأن سكان تموسيدا كانوا في أغلبهم أمازيغ اختاروا أسماء رومانية، إما لاعتبارات مصلحية أو تعاطفية مع الرومان، أو أن اختيار اسم روماني كان مسألة تدخل في إطار موضة العصر (MARION.J, 1950, page 180)، وهذه الفرضية تحاول إظهار مدى تبعية الأمازيغ للرومان ومدى ولائهم لهم. وقد يكون الهدف من ذلك هو تبيان مدى تعلق السكان المحليين بالسلطة الرومانية ومدى تعاطفهم معها. ومع كل ذلك، نرى أنه يدخل في إطار إستراتيجية ترمي إلى تبرير الاستعمار الروماني وإيهام القارئ بأن السكان الموجودين بمدينة تموسيدا ليسوا رومانيي الأصل، وإنما هم أمازيغ، مما يفهم منه أن روما لم تكن تهدف إلى احتلال البلاد بقدر ما أنها كانت تريد تطويرها. بانسا يرجع الفضل في تحديد موقع هذا المركز الحضري إلى الباحث شارل تيسو، الذي ضبط مكانها سنة 1871 (MONGNE .P , 2005, page 237 ) عند الضفة اليسرى لمجرى نهر سبو بوسط سهل الغرب على الطريق الرابطة بين سلا وليكسوس (CHATELIN .L, 1968 , page 70) بالمنطقة المعروفة بسيدي علي بلجنون، حيث مازالت هناك بقايا تشهد على تواجدها. وقد استقطب موقع بانسا اهتمام المستكشفين والتجار الذين حطوا الرحال بالمغرب القديم على مدى مختلف العصور. فهذه المدينة كانت تحتل موقعا إستراتيجيا على منعرج نهر سبو ذي المياه الوفيرة، فوق تل ذي ارتفاع قليل مطل على سهل واسع وممتد وخال من أي نتوءات تضاريسية (CHATELIN .L, 1968 , page 71)، وقد كانت بانسا في الوقت نفسه مركزا ممتازا للمراقبة ومحطة قوة ومحصنة بأسوار تحميها من الهجومات الخارجية. وقد ورد ذكر هذه المدينة بعدة نصوص تاريخية (المصطفى مولاي رشيد، الصفحات 37 و45 و53 و61)، ونجد أن بلينيوس الأقدم يتحدث عنها ويحدد موقعها الجغرافي بشكل خاطئ على بعد 85 ميلا من ليكسوس و35 ميلا من وليلي. وأخبرنا بأنها كانت مستعمرة لأغسطس تحمل اسم Valentia. وبفضل إحدى النقوش التي تم العثور عليها بموقع سيدي علي بلجنون تبين أن المدينة كانت تسمى مستعمرة جوليا بانسا « Colonia Aurelia Banassa» (BESNIER .B , page 359 ). ويميل بعض الباحثين إلى القول إن بانسا تعتبر إحدى المستعمرات التي أسسها أوكتافيوس (CARCOPINO.J , page 43) كما هو الشأن بالنسبة لمستعمرتي بابا وأصيلا.»ونجد الاسم الكامل لمستوطنة بانسا على نقيشتين لاتنيتن، على الصيغة التالية : يوليا فالنتيا بناسا (Iulia Valentia Banasa ). وقد أقيمت ما بين سنتي 33 – 27 ق.م، ويبدو أنها كانت مركزا فلاحيا، كما أن موقعها على نهر سبو يعطيها أهمية استراتيجية مهمة، على الطريق الرابطة بين طنجة ووليلي» (عبد العزيز أكرير، 2007، ص 98 ). إلا أن حفريات أجريت خلال سنتي 1955 و1956 انتهت إلى العثور على آثار فخار مزخرف شبيه بالنماذج القرطاجية في طبقات عميقة فوق آثار البنايات التي يرجع تاريخها إلى العهد الروماني. وهذا التأثير القرطاجي الذي يعود إلى القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، يقود إلى احتمال أن الوجود البشري بهذا الموقع إنما هو ضارب في القدم، ولا يعزى إلى الرومان وإلى القيصر أوكتافيوس (EUZENNAT.M, 1960, page 544 ). ولكن بالرغم من توفر بعض المعطيات الأثرية حول مدينة بانسا، فإن ما تم اكتشافه لحد الآن لم يسمح بمعرفة الكثير من التفاصيل والوقائع. فما تم التوصل إليه هو تحديد تصميم هذه المدينة التي تعرضت معالمها للاختفاء، فمنها ما غمرته مياه الواد المجاور كقنطرتها، ومنها ما داهمته الفيضانات أو تم هدمه (CARCOPINO .J, page 10 ). وهذا لا يمنعنا من القول إن اللقى المتوفرة والقطع الفنية التي تم العثور عليها بهذا الموقع الأثري، دلت على أن مدينة بانسا شهدت ازدهارا لمدة ثلاثة قرون دام إلى حدود أواخر القرن الثالث الميلادي (MONGNE .P , page 238 ). وستتعرض المدينة إلى حالة ركود ليتم هجرها فيما بعد، فتتحول إلى خراب «(...) وكأن حربا أصابت المدينة، وحملت سكانها الأثرياء إلى دفن كنوزهم وفرارهم بأنفسهم، إذ لم يبق بالمدينة إلا عدد قليل من الطبقة الفقيرة، بينما شلت الحركة التجارية شيئا فشيئا، حتى انقطعت نهائيا، وبانقطاعها أصبحت المدينة خرابا» ( نعيمة الخطيب بوجبار، ص 43 ).