تعد الفضاءات الخضراء عموما متنفسا للسكان يقضون فيه أوقات فراغهم بعيدا عن مشاكل العمل والبيت، إلا أن الحدائق العمومية في الدارالبيضاء تعاني من الإهمال، فقد أصبحت وجهة للمنحرفين ومكانا لالتقاء العشاق وتعاطي المخدرات، هذا الوضع أثار حفيظة بعض المواطنين، الذين تأسفوا على الوضعية الكارثية التي أضحت عليها هذه الحدائق. "المساء" زارت بعض الحدائق العمومية في العاصمة الاقتصادية لرصد الحالة المزرية التي أضحت عليها. داخل الحديقة الكائنة بالقرب من باب مراكش وجدنا العشرات من المشردين، بهضهم يفترشون "كارطونات"، وبعضهم منهمك في لف "الجوانات"، ومعاقرة الخمر، واستعمال القرقوبي، وشم "السيلسيون. المتجول داخلها يقف على الوضع الكارثي، الذي أصبحت عليه هذه الحديقة، رغم حداثتها، كما أنه قد تفاجئك بعض السلوكات غير المتوقعة كتفضيل البعض قضاء حاجته داخلها. مظاهر متكررة تخلق نوعا من التخوف لدى المارة، بحيث صاروا يتفادون المرور بمحاذاة هذه الحديقة. انتقلنا إلى حديقة الجامعة العربية، وهي أقدم حديقة في الدارالبيضاء، لرصد وضعية هذه الحديقة وما آلت إليه، أول ما يثير انتباه المتجول في هذه الحديقة، هو الكراسي المتكسرة، وكلما توغل داخلها تزكم أنفه بعض الروائح الكريهة. وفي محاولة منا لمعرفة مكان انبعاث الرائحة، حاولنا اقتفاء الأثر، حينها اكتشفنا أن هناك من يمارس هواية سقي حائط رغم أنه كتب عليه ممنوع "التبول". مظاهر وسلوكات صادفناها داخل الحديقة، تبرز بجلاء الوضعية الكارثية التي آلت إليها حدائق الدارالبيضاء بسبب نقص الثقافة البيئية، وطغيان بعض السلوكات اللاحضارية، التي قضت على الوجه الجمالي للكثير من الحدائق، وهو ما جعل إقبال العائلات عليها قليلا. ومن بين الأمور الأخرى، التي تثير انتباه المتجول في هذه الحديقة، أنها مكان لأصحاب المواعيد ذوي العلاقات غي الشرعية. لقد أصبحت الحدائق مكانا لالتقاء الفتيات بالشبان، ومكانا للتخطيط للدعارة والفساد. ففي جل الحدائق هناك إقبال للشباب عليها، ومنهم من ساهمت في انحرافه بدل تقويم سلوكه. إن الحديقة موروث ثقافي متجذر في الذاكرة الشعبية المغربية، حيث كانت الحدائق تؤدي دورا رائدا في التلاقي وتبادل الأفكار بعيدا عن ضغوطات الحياة، وكانت مكانا يجد فيه الأطفال فضاء واسعا للعب، إلا أنه ويا للأسف أصبح الكثير ممن ينحرفون تكون خطواتهم الأولى من الحدائق. فمعظم الذين نصادفهم يشتكون من وضع بعض الحدائق التي هجروها بعدما كانت تشكل بالنسبة إليهم ملجأ لتفريغ ضغوطات حياتهم اليومية. لقد حان الوقت لإعادة النظر في وضعية الحدائق العمومية، وأن يعي المسؤولون الدور الذي تقوم به وتطويق ظاهرة الانحلال الخلقي والخلاعة وتعاطي المخدرات في بعضها والمخدرات قبل فوات الأوان