كتابة بصباغة باهتة على الجدار تدل على المكان، "حديقة الحيوانات عين السبع"، بالدارالبيضاء، بالقرب من بابها يجلس فوق كرسي خشبي رجل في عقده الرابع، يحرس دراجات الزبناء، يرتدي نظارات شمسية وجلباب أسود ولا شيء يدل على أنه حارس، بجانبه يجلس رجل في مثل سنه يبيع الحلويات بأنواعها فوق عربة صغيرة، فيما اختار آخر بيع الألعاب، التي رصها على الأرض بمحاذاة الحديقة، لجلب انتباه الأطفال، الذين يزورون الحديقة رفقة أبائهم. تفتح حديقة الحيوانات أبوابها في وجه الزوار، على التاسعة صباحا وتغلقها على السادسة والنصف مساءً، رغم أن الإقبال يكون كبيرا نوعا ما بعد صلاة العصر، حسب تصريح موظف بالحديقة. لا شيء يدل على أن الحديقة عبارة عن منتجع طبيعي من المفروض أن يضم أنواعا من النباتات، والورود.. فبمجرد أن تطأ قدماك مدخلها، بعد تأدية ثمن تذكرتها الذي يبلغ درهمين للكبار ودرهما واحدا للصغار، تصطدم برائحة تزكم الأنوف، أقفاص وبنايات قديمة، تفتقد أدنى شروط العيش الكريم لحيوانات بئيسة لا حول ولا قوة لها، حتى أن بعض الأبنية مهددة بالانهيار وتسكنها العديد من الفئران، التي اختارت العيش بداخلها متجولة بحرية بين أقفاصها. أسود وغزلان وقردة ونعام وغيرها من السلالات المختلفة المتبقية بالحديقة، تسكن أقفاصا، عليها إشارات مكتوبة بحبر متآكل، بعضها غير صحيح، بحيث تجد حيوانات في أقفاص لا علاقة لها بالاسم المكتوب في الإشارة، جل هذه الأقفاص تنبعث منها روائح كريهة بسبب الإهمال، الذي شمل مختلف أرجاء الحديقة. أما التماسيح، فهي غير موجودة، لأنها، حسب إفادة أحد العمال بالحديقة، نفق معظمها... في وسط الحديقة، توجد مقهى مقفلة، رصت خارجها ألعاب من قبيل "البيلياردو"، وغيرها من الألعاب، التي لم تسلم، هي الأخرى، من الإهمال، ومرحاضا، واحد للذكور وآخر للإناث، إضافة إلى محلات لبيع المثلجات والحلويات، والبالونات للأطفال. وفي جانب من الحديقة، يتوزع عدد من المتسكعين يأتون إلى الحديقة لتزجية الوقت وتدخين الحشيش، بعيدا عن أنظار الشرطة، بينما اختار آخرون مرافقة الفتيات، للاختلاء بهن في بعض أركان الحديقة الشاسعة، التي لا يتعدى حراسها خمسة عمال.. يقول أحدهم ل"المغربية"، وكله أسى وحسرة على ما آلت إليه حديقة كانت تعتبر من أهم المتنزهات بمدينة الدارالبيضاء، التي يعود تأسيسها إلى سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، إذ كان يسيرها أجانب عملوا على جعلها رمزا طبيعيا يفتخر به كل البيضاويين. غبار وأتربة تكتسيان فضاء الحديقة، حتى أن أغلب الزائرين لا يتوجهون إلى عدد من الأقفاص لكثرة الأوساخ المنتشرة حولها، كما صرح أحد الزوار. أسود الأطلس أكثر الحيوانات زيارة داخل حديقة عين السبع هي الأسود، وعددها ثلاثة، بينها لبوؤة تبدو داخله نحيفة ومتسخة. قال أحد باعة الفشار القدامى بداخل الحديقة، إن والده كان حاضرا أيام تشييدها، مضيفا، بصفته أحد أبناء منطقة عين السبع، أن الحديقة تغيرت كثيرا، منذ تأسيسها في الثلاثينيات، بسبب ما يطالها من تهميش وإهمال من طرف المسؤولين، وعن إقبال الناس عليها، يقول إنه متوسط، وهو التقدير نفسه الذي أكده أحد موظفيها، دون أن يعطي أرقاما محددة. وأشار إلى أن أغلب زوارها هم من سكان الإقامات الجديدة، التي جرى تشييدها بالقرب من الحديقة، إذ يلجأ معظمهم إليها قصد تمضية بعض الوقت رفقة أطفالهم، خصوصا، خلال نهاية الأسبوع، مع تأكيده أن ما تعيشه الحديقة حاليا من أوضاع مزرية، سيؤدي بها لا محال إلى الإندثار في ظرف السنوات القليلة المقبلة. أما حنان،(19 سنة)، تلميذة في السنة الأولى من التعليم الثانوي، وهي من سكان منطقة عين السبع، فقالت ل"المغربية"، وكلها غيرة على حيها، الذي أصبح يفتقر لحدائق ومتنزهات في مستوى المطلوب، بعدما كان في الماضي مركزا للفضاءات الترفيهية والخضراء بالدارالبيضاء، أنها لا تذهب إلى حديقة الحيوانات، رغم قرب المسافة بينها وبين مقر سكناها، لما تعرفه من تقصير ولا مبالاة، فلا شيء أصبح فيها يثير الرغبة في زيارتها، ابتداء من مدخلها إلى أخر ركن فيها.