سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محاولة قتل تكشف خبايا الصراع حول 16 مليار من أموال القمامة بالرباط شركات استفادت من الملايين مقابل أطنان من النفايات الوهمية وبرلماني يحذر من استمرار الفساد في القطاع
لم تكن محاولة القتل التي تعرضت لها إحدى المهندسات ببلدية الرباط سوى الجزء الظاهر، من جبل جليد تختفي تحته حقائق صراع شرس، حول كعكة مالية تتجاوز قيمتها 16 مليار سنتيم، هي مجموع ما تدفعه المدينة مقابل جمع نفاياتها. طريقة تداول جزء من هذه الملايير كمداخيل وأرباح كان أمرا مسكوتا عنه، قبل أن تنكشف بعض الخيوط مع رحيل شركة فيوليا الفرنسية، بعد أن تم تجميد العمل بدفتر التحملات لصالح صفقة خرجت من ولاية الرباط سنة 2012عن طريق التفاوض فقط، ما فجر صراعا غير مسبوق مع مسؤولين بالبلدية، اعتبروا أن الأمر تم "خارج القانون"و"تحوم حوله شبهات كثيرة"، وهي المخاوف ذاتها التي تجددت في الآونة الأخيرة مع اقتراب الإعلان عن طلب عروض جديد. الكثير من سكان الرباط لا يعلمون أن البلدية "تكردعت" في ملايين الدراهم التي منحت لشركات النظافة، مقابل أطنان من الأزبال الوهمية التي تم التصريح بها لتتحول إلى أموال ذهبت لحسابات شركات نظافة تتقن جيدا اللعب والتلاعب، كما كشف عن ذلك عبد السلام بلاجي نائب عمدة مدينة الرباط، والنائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الذي قال "لقد اكتشفنا قبل سنتين تلاعبا خطيرا في حجم كمية الأزبال التي كان يتم التصريح بها، بعد أن اتضح أن نصفها غير موجود، ما كلف سكان الرباط الملايين، وهي الأموال التي ذهبت إلى حسابات الشركة دون وجه حق". والغريب أن الشركات التي كانت تنفخ في كمية الأزبال، استفادت في مقابل هذا التلاعب من حصانة مطلقة، وجهت أصابع الاتهام في منحها، لبعض المسؤولين وفق بلاجي الذي قال إن قيمة الذعائر التي فرضت على هذه الشركات وصلت إلى مليار و500مليون سنتيم لم يتم السماح بتحصيلها، وهو ما طرح علامات استفهام كثيرة. حاليا عاد الحديث عن التدبير المفوض لقطاع النظافة والملايير التي يتم التهامها كل سنة من ميزانية العاصمة إلى الواجهة، موازاة مع شروع البلدية في مناقشة دفتر تحملات جديد وسط تخوفات وتحذيرات من لوبيات قوية، تسعى جاهدة إلى انتزاع نصيبها من الصفقة خارج القانون في استنساخ للسيناريو الذي حدث سنة 2012. في هذا الصدد قال بلاجي"بعدما وقفنا عليه من فضائح سنة 2012انتزع منا تفويض النظافة بالعنف، وتم اللجوء إلى سيناريو تعاقد مؤقت خارج القانون وخارج المجلس، بعد طبخه في الولاية ليتم العمل به لغاية الآن ". وووجه بلاجي أصابع الاتهام إلى ما وصفها ب"لوبيات تستفيد من ملايير النظافة، وغير مستعدة لأن تفقد ما تستفيد منه أو تتخلى عنه"، وقال "نحن الآن نتوقع تحركا صارما من الوالي الجديد بما لديه من إرادة قوية وبناء على توجيهات ملكية بأن يضع يده في يدنا من أجل فتح الملف، وتطهير القطاع من مظاهر الفساد الذي يستشري فيه"، علما أن المدينة تخسر الملايير مقابل حاويات متسخة وأزقة مليئة بالقمامة. بداية الحكاية أزبال قوم عند قوم فوائد، هي العبارة التي تترجم حقيقة كيف تحولت أطنان القمامة التي زحفت على شوارع الرباط قبل سنتين إلى صفقة طبخت بعناية، بعد أن تم وأد دفتر التحملات، والقفز على المحاولات الهادفة إلى إحداث شركة للتنمية المحلية. فبعد المشاكل التي راكمتها شركة فيوليا الفرنسية في تدبير قطاع النظافة في مسلسل انتهى بإعلانها انسحابا مفاجئا ومهينا بواسطة رسالة هاتفية قصيرة، وجهت للمسؤولين المغاربة قبل أن يليها "فاكس" بجمل مقتضبة، تركتهم في ورطة غير مسبوقة، بعد تراكم عشرات الأطنان من النفايات بالشوارع، قبل أن يتم الاعتماد في حل ترقيعي على بعض آليات البلدية، وشاحنات قامت الولاية بتأجيرها، وكذا خدمات شركة للنظافة تم الاستنجاد بها في آخر لحظة لمدة ستة أشهر، دون أن يتم دفع مستحقاتها. هذا الوضع استمر لأسابيع غرقت فيها البلدية في جدل ساخن بسبب التطاحنات السياسية، في الوقت الذي كانت فيه تفاصيل صفقة مثيرة تنسج في الخفاء، قبل أن تخرج للعلن من رحم أزمة النظافة ويتم إجبار المنتخبين على القبول بها. هذه المفاجأة جاءت رغم مصادقة مجلس مدينة الرباط بالإجماع على دفتر التحملات الخاص بالتدبير المفوض لمرفق النظافة،عقب أزمة الأزبال التي شوهت العاصمة، على أن تتكلف "شركة تنمية محلية" بعد انسحاب شركة "فيوليا"بتدبير مرفق النفايات، وأن يمتلك المجلس الجماعي حصة 51 في المائة من رأسمالها، فيما يمتلك الخواص 49 في المائة المتبقية. دفتر التحملات الجديد نص في سابقة من نوعها على اعتماد تقنية "جي بي اس" بمقاطعتي حسان ويعقوب المنصور و"تواركة" بشكل يمكن من تتبع حالات الحاويات من خلال إعطاء إشارة إلى غرفة التحكم بامتلائها، وبالتالي تحريك الشاحنة الأقرب لجمعها، وهو النظام الذي كان يحتاج إلى شركات رائدة في المجال على المستوى الوطني وبتعاون مع شركات أجنبية متخصصة في الميدان لجعل مدينة الرباط نموذجية في مجال تدبير النفايات باعتبارها العاصمة الإدارية للدولة. هذا القرار أزعج بعض من تهمهم كثيرا أزبال العاصمة، والذين سارعوا للتحرك، وإجراء اتصالات مع عدد من الأرقام الحمراء لقطع الطريق على تدبير القطاع وفق الصيغة الجديدة، وهو ما ترجمه بشكل صريح المستشار الجماعي عبد المنعم مدني الذي كان مكلفا حينها بالقطاع، حيث خرج في تصريحات قوية، أكد فيها بأن البلدية ستمضي قدما في هذا الاختيار، وقال "نحن مصرون على الاستمرار رغم أننا نشعر ببعض المضايقات، لأن ذلك لا يرضي بعض الأطراف التي تعودت على الربح الوفير". الرد على هذا الكلام لم يتأخر كثيرا بعد أن تم إقبار شركة التنمية المحلية ليتم الإعلان في غفلة من الجميع عن صفقة انفردت بها ولاية الرباط في يوليوز من سنة 2012، والتي وبدون معرفة الأسباب أخذت المبادرة وأعلنت من جهة واحدة عن طلب عروض في الموضوع مع تعديل بنود الطلب الأول. مواجهة مكشوفة الصفعة التي تلقتها بلدية الرباط والمنتخبين جعلت البعض يبلع لسانه، فيما تمت المسارعة لعقد اجتماع عاجل لبحث طريقة الرد على ما وصف بانفراد بعض مصالح الولاية بتدبير صفقة جديدة لقطاع النظافة، بل إن حدة الغضب جعلت بعد المستشارين يلوحون بفتح عدد من الملفات، من بينها طريقة تدبير الغرامات، التي تجاوزت مليارا و500 مليون سنتيم استخلصت منها 300 مليون فقط بالتقسيط المريح، فيما ظل باقي المبلغ مجهول المصير. قيمة الصفقة كانت مغرية بعد أن وصلت إلى 3 ملايير سنتيم مقابل تدبير مؤقت لمدة ثمانية أشهر في المقاطعات التي كانت تشتغل فيها "فيوليا" وهو ما جعل المكلف بالقطاع بالمجلس الجماعي لبلدية الرباط ينتفض ويتهم الولاية بالتطاول على اختصاصات المنتخبين، ويؤكد على أنه لن يوقع على قرار يسمح لأي شركة بتدبير القطاع انطلاقا من التفاوض الذي شرعت فيه الولاية مع خمس شركات، ما لم يتم اختيار الشركة عن طريق طلب عروض "مفتوح ومطلق الشفافية"، لكن ما حصل في النهاية هو أن الشركة المحظوظة التي اختارتها الولاية شرعت في العمل وتم التمديد لها أيضا رغم أنف المنتخبين قبل أن تدخل الجمعيات الحقوقية على الخط وتطالب وزير العدل بفتح تحقيق في الموضوع. على طاولة وزير العدل تطورات ملف النظافة بالعاصمة تحولت الآن إلى شكاية تضمنت معطيات مثيرة تقدمت بها الشبكة المغربية لحماية المال العام لوزير العدل، وطالبت فيها بفتح تحقيق في ملابسات خروج صفقة التدبير المفوض للنفايات للعلن في سنة 2012. وأكدت الشكاية بأن إحدى الشركات تقدمت لطلب العروض معززة عرضها بإدخال فاعل فرنسي رائد في مجال المناولة في ما بعد التجميع بهدف الاستجابة للشروط التقنية المنصوص عليها في طلب العروض، وبعد عدة تأخيرات متتالية لفتح الأظرفة من طرف ولاية الرباط، تم الإعلان عن الشركة الفائزة بالشطر المتعلق بمقاطعة حسان، ليتبين عدم التطابق ما بين دفتر التحملات الأصلي والواقع. ونبهت الشكاية إلى أنه للتدليل على عدم التطابق، تم طلب رأي شركة "أومنيوم فرنسا" باعتبارها رائدة في خدمة ما بعد التجميع لخمسين سنة، لتؤكد أن السعر المقدم من الشركة الفائزة لا يمكن أن يستجيب للشروط التقنية المتضمنة لدفتر التحملات، ليتم الطلب من الشركة الفرنسية نفسها للقيام بمراجعة بنود الصفقة الأساسية مع السعر المقدم، وبعد شهور من التحري أجابت معززة جوابها بصور أن هناك فرقا كبيرا ما بين بنود دفتر التحملات وما يجري على أرض الواقع. وكشفت الشكاية ذاتها أنه بعد التحري تبين فيما بعد أنه تم تعديل الصفقة الموقعة مع الشركة الفائزة بعد فوزها، لتستفيد من تعديل ثاني تحولت معه الصفقة إلى مجرد اتفاقية، أي أن دفتر التحملات الأول والذي كان من المفروض أن يجعل مدينة الرباط نموذجية في تدبير النفايات تم تفصيله فيما بعد على المقاس، لتستفيد الشركة من الصفقة بالسعر نفسه الذي تقدمت به، بعد تغيير الشروط الأولى، مع ضمان التوصل بمستحقاتها كل شهر عكس شركة فيوليا. واعتبرت الشكاية أن هذا التعديل في دفتر التحملات يعتبر "تزويرا وضربا للمنافسة الشريفة، وتكافؤ الفرص "، وطالبت بفتح تحقيق حول الجهات المسؤولة عن هذا التعديل، وانعكاس ذلك على المال العام، حيث أن المبلغ المنصوص عليه في دفتر التحملات أصبح "لا يتطابق مع الخدمات المقدمة بعد التعديل وإرجاعه إلى اتفاقية". ذعائر بلون الدم وفق ما كشفت عنه مصادر مطلعة فإن الوالي الجديد قام مباشرة بعد تعيينه بتحريك ملف النظافة، وطلب معلومات لتتبع مدى إنجاز ما اتفق عليه على مستوى الاستثمار، ليتفاجأ أن المهندسة المكلفة بتتبع الاستثمارات في صفقة تدبير النفايات في مقاطعة حسان ويعقوب المنصور أبعدت عن تدبير الملف لصالح مهندس آخر، وأمام إلحاح الوالي تكلفت المهندسة جميلة عدي بمراقبة الملف، لتكتشف غياب الاستثمارات الملتزم بها، ورغم ذلك تمت الاستفادة من المبالغ المالية المخصصة لها، لتقوم بحصر المبالغ واقتطاعها من المبالغ المحولة شهريا للشركات المستفيدة، أياما بعد ذلك، وأمام إصرار الوالي على تطبيق القانون وحرص المهندسة على الأمر نفسه ستتعرض لما وصفه ب"محاولة قتل" أمام منزلها من طرف شخص مجهول. وإلى الآن مازال الغموض يكتنف مسار التحقيق الذي بوشر في الاعتداء الإجرامي الذي تعرضت له المهندسة بواسطة مدية من قبل شخص ألحق بها جروحا خطيرة على مستوى الوجه واليد، وحاول الفرار باتجاه سيارة رباعية الدفع كانت تنتظره، غير أن المارة سيطاردونه ليتم اعتقاله وحجز سلاح أبيض وعبوة مسيلة للدموع كانت بحوزته. هذه الجريمة وقعت قبل أربعة أشهر، ومسار التحقيق والبحث جعل عددا من المستشارين بالبلدية يطالبون في وقت سابق والي المدينة بالتدخل، مع إحالة البحث في الملف على الفرقة الوطنية من أجل استجلاء جميع خباياه، بعد أن اتضح حسب التصريحات التي قدمها المعتقل أنه كلف بمهمة الانتقام من المهندسة بعد رصد اختلالات كثيرة تورطت فيها شركة للتدبير المفوض، ما أفضى إلى تغريمها مبالغ مالية كبيرة. وحسب ما أكده عبد السلام بلاجي نائب عمدة مدينة الرباط فإن متاعب المهندسة بدأت مع الجولات الميدانية التي باشرتها، والذعائر التي حررتها في حق شركات النظافة المخالفة للقانون. ووسط علامات الاستفهام الكثيرة التي يطرحها مسار البحث في هذا الملف، بعد مطالبة عدد من الهيئات السياسية بالكشف عن المتورطين الحقيقيين، وعدم الاقتصار على الأداة المنفذة فقط، أكدت مصادر مطلعة بالعاصمة أن ما وقع دليل واضح يكشف العقلية التي يتعامل بها بعض المستفيدين من ملايير الأزبال مع أي تهديد يعترض مصالحهم. وقالت المصادر ذاتها إن القطع مع واقع الفساد في قطاع النظافة، كان يجب أن يتم مع المراسلة التي وجهت إلى الولاية من أجل كشف مصير الغرامات المفروضة على شركات النظافة دون أن يتم الرد عليها، وهو ما شجع الشركات على التمادي في خرقها لدفاتر التحملات، بعد أن تم الوقوف على محاولات للحيلولة دون تغريم هذه الشركات مبالغ مالية كبيرة، مع الاقتصار على مبالغ تافهة لدر الرماد في العيون، علما أن قيمة الذعائر الحقيقية مسجلة في وثائق رسمية تم إنجازها اعتمادا على محاضر حررت من طرف أعوان محلفين. هذا التعامي عن تطبيق القانون هو ما مكن هذه الشركات من ضم قيمة الذعائر لأرباحها، وجعل ميزانية المدينة تتحول لبقرة حلوب لفائدة بعض الشركات المحظوظة التي نالت نصيبها من كعكة القمامة مقابل الملايير، قبل أن ترتفع عدة أصوات للمطالبة بفضح ما يجري في القطاع ووضع حد لنزيف الفساد.