هذه حكايات فيروز شاه وهي قصة غريبة الوجود فيها سر الأولين وعبرة للاحقين، وأخبار الأمم الماضية اعتبارا للباقين وهي قصص ينازع فيها الخيال الواقع ويتحقق المحال، وهي مستقاة من السيرة الشعبية فيروز شاه بتصرف من الكاتب، نقدمها للقارئ الكريم وبالله التوفيق. .. ووقف فيروز شاه أولا في نصف الساحة وهو مقيد الأرجل ومربوط الأيدي لا يستطيع حراكا فأيقن بالهلاك، وبكى عليه أخوه فرخو زاد وهو يتمنى لو قتل قبله، ولا يراه مضرجا بدمائه أمامه ولما أتى الجلاد وأخذ بيده السيف وعول على إنفاذ أمر سيده نهض أحد أمراء هورنك وكان اسمه الأمير ميمون .. وقبل الأرض بين يديه وسأله أن يؤخر قتل الأسيرين إلى حين الوصول إلى الديار .. وأشار عليه إلى أن يحملهما إلى زوجته لكي تنظر قتلهما ويرتاح بالها بالانتقام لولدها .. فلما سمع الملك هذا الكلام رآه عين الصواب وقال: صحيح فإني نسيت أن زوجتي أوصتني أن آتيها بقاتل ولدها فقد أقسمت أن لا تأكل لحما ولا تشرب خمرا ولا تنام بفراش حتى تأخذ بثأرها من عدوها.. فأمر أن يرد فيروز شاه وفرخو زاد إلى الأسر إلى حين عودتهما إلى الديار. وفعلا رحل الجيش بالأسيرين للعودة إلى بلاد الزنوج، وكان الأسيران في أسوأ حال لما نالهما من العذاب والتنكيل .. ولم يتعال النهار حتى حملت الأحمال واعتلت الفرسان فوق الجياد ومشت العساكر صفوفا وفي وسطهم فيروز شاه وفرخو زاد، وهما مشدودان بالحبال، وساروا يقطعون البر إلى أن وصلوا إلى الشاطئ، حيث كانت المراكب تنتظر قدومهم وسافروا في البحر أياما بموافقة الريح حتى رست بهم السفن في موانئ بلادهم .. فصعدوا إلى البر ونقلوا كل الأحمال والخيل، وساروا بالأسيرين إلى السجن .. ودخل هورنك على زوجته وأخبرها بالخبر السعيد وأنه أتى لها بقاتلي ولدها، فسرت وفرحت وابتهجت كل الابتهاج، فقالت له: حسنا فعلت، فلو كنت قتلت قاتلي ولدي دون أن أراهما، لا يشفى لي كبد ولا يهنأ لي عيش.. قالت: أريد أن أراهما الآن .. قال لها: هما الآن في يدنا فافعلي بهما ما بدا لك.. قالت: أمري هو أن يعين يوم لهلاكهما تتجمع به المدينة بأسرها ليعلم الصغير والكبير أننا ما تقاعدنا عن أخذ ثأرنا من عدونا.. ثم أنه بعد ثلاثة أيام يكون قتل الأسيرين فنادي في أهل مدينتك ليحضر الجميع في تلك الساعة ويشاهد مقتلهما. وشاع الخبر في المدينة فانتظر الكبير والصغير الوقت المعين إلى أن حان. ودخلت زوجة هورنك على السجينين، فلما رأتهما ورأت قصرهما شكت في أمرهما، وكيف يقدران على قتل ابنها وهو ضخم الجثة طويل القامة، فقالت في نفسها لا بد أنها مكيدة، فذهبت عند زوجها غاضبة وقالت له: لقد غشك الشاه سرور واحتال عليك فليس فيهم من قتل ولدي فكيف تترك الشاه سرور يمكر بك ويستصغر عقلك؟ فاسودت الدنيا في عيني الحاكم هورنك وأقسم على قتل الشاه سرور وتعجيل من الدنيا مرتحله، وتخريب بلاده من أولها إلى آخرها.. وقرر أن يرسل فيروز شاه وفرخو زاد إلى سجن الجزيرة حتى ينظر في أمرهما ... وفي سجن الجزيرة صار فيروز شاه وفرخو زاد أحسن حالا وتمتعا بالطعام والشراب لأن زوجة مورنك أمرت بالاعتناء بهما بعدما رأت أنهما ليسا من قتل ولدها... أما ما كان من أمر الحكيم طيطلوس فإنه طال به الانتظار وانقطعت عنه أخبار فيروز شاه وفرخو زاد، فزاد انشغال باله وفي الأخير قرر أن يخبر ضاراب باختفاء ولده.. فذهب عند ضاراب وأخبره بما كان من أمر ولده وكيف اختفى عن الأنظار وانقطعت منه الأخبار فصار الضياء في عينه ظلام، ولم يعد يبدي سلاما ولا كلام.. قال له طيطلوس: أتيت إليك لأعلمك بأمر ولدك حتى ترسل إلى العواصم والبلدان تبحث عنه وتسأل عن خبره، فربما خرج للفرجة كالشباب في سنه أو قصد بلاد جده... وقد أخفى طيطلوس عن شاه سرور قصة الحلم الذي رآه ابنه ثلاث مرات وحكاية الصبية عين الحياة التي شغلت باله عدة أيام حتى لم يعد يأكل ولا ينام، لأنه لو أخبره بذلك سيسأله لماذا لم يخبره في حينه وربما ينتقم منه شر انتقام، لأنه كان يحب ابنه حبا كثيرا ولا يطيق فراقه.. وأما ضاراب فبعث بالرسل حالا إلى كافة بلدان مملكته فانشغل الجميع بأمر غياب فيروز شاه .. وصارت الرسل تعود وراء بعضها بالخيبة وضياع المسعى، أما الملك ضاراب فكاد يفقد عقله حزنا على ولده، وتضرع إلى الله تعالى أن يحفظ ابنه ويعيده سالما، فاحتجب في بيته قائما على الصلاة والصوم والتضرع إلى الله تعالى أن يحفظ ولده ويرجعه إليه.. واستمر الأمر على ذلك الحال إلى يوم من الأيام دخل عليه فيها وزيره فليزور والد فرخو زاد ، و كان محبوبا عنده مسموع الكلمة، وقال له: إن قلبي من جهة ابنك وابني مطمئن، وهما لاشك على قيد الحياة وسيعودان إلى الأوطان في أقرب الأزمان، فلا تشغل بالك عليهما .. وهما كباقي الشباب قد يكون خرجا من البلاد لشيء من ثلاثة أشياء إما طلبا للفرجة والسياحة وإما بقصد الزواج أو من أجل مقارعة الفرسان.. كما أخبره أن الوحيد الذي يمكن أن يصل إلى خبرهما ويؤمن عودتهما هو الحكيم طيطلوس، فهو حكيم كما تعلمون خبير بكل الأمور، حسن التدبير... وبعد ذلك خرج الشاه سرور إلى الديوان وأمرهم أن يأتوه بالحكيم طيطلوس في الحال وأنه يطلبه للاستعجال. و لما حضر الحكيم طيطلوس بين يديه أخبره بالكلام الذي دار بينه وبين الوزير، وكيف أنه هو الوحيد المسؤول عن العثور على فيروز شاه وفرخوزاد .. فارتبك طيطلوس في أمره كل الارتباك، وطلب من الشاه سرور أن يهمله بعض الوقت لغرض العثور على ولده ... فخرج طيطلوس حزينا لا يعلم الجهة التي يبحث منها، وهو خائف أن يكون فيروز شاه قد قضى نحبه، أو وقع بمصيبة فخطر له أن يخرج إلى خارج المدينة وأن يزور القصر الذي تربى فيه فيروز شاه فرأى رجلا قادما من بعيد وهو راكب على هجين، فلما نظره خفق قلبه فرحا فلم يكن الرجل إلا شياغوش النقاش. د محمد فخرالدين