يبدو أن الدولة وقطاعا واسعا داخل حزب الاستقلال أصبحا يستشعران عبء حميد شباط على المشهد السياسي المتسم سلفا بالضعف والهشاشة. ففاتورة الرجل، المادية والرمزية، في المجال الحزبي والتشريعي والنقابي والجماعي.. وحتى القضائي، أصبحت ثقيلة. فمن الناحية الرمزية أصبح عدم انضباط شباط مُحرِجا لكل من ساهم، بحسن نية أو بسوئها، في صنعه أو دعمه، لأن الرجل متى تحدث في مجال من المجالات إلا نقلت عنه الصحافة من السفاسِف المضحكات، أكثر من الأفكار والمقترحات؛ مثلما حدث مؤخرا عندما قال إن بنكيران له علاقة ب«الموساد» و«داعش»، ثم أكمل ذلك بأن تصرف كتلميذ مشاغب و«باسل» يترك الدرس ويتفرغ لمعاكسة زميل له بالتلويح بلوحة عليها كلمات مستفزة لإغاظته. ولأول مرة يتم تقريع شباط، في اجتماع اللجنة التنفيذية، على سلوكاته التي تأكد بأنها تخجل وتضعف حزب الاستقلال والمعارضة أكثر مما تربك الحكومة ورئيسها وتشوش على الحزب الذي يقودها. أما من الناحية المادية فقد أصبحت مسيرات شباط الاحتجاجية ومهرجاناته الخطابية مرهقة لمموليها الذين تعاقدوا معه على أساس: «النفط مقابل الغذاء»، فوفروا له الدعم المالي والسياسي، لكنه لم يضمن لهم الوزارات والسفارات والإدارات التي وعدهم بها. لذلك ظهر شباط في المسيرة التضامنية مع غزة مجردا من الجماهير (ومن الحمير)، التي لم يكن يربطها بالحزب والنقابة سوى التصفيق و(النهيق). الغريب أنه كلما ازداد استهجان السياسيين والنقابيين والحقوقيين والمثقفين لسفاسف شباط وامتعاضهم منها، كلما أمعن هو فيها بقصد مدروس، الشيء الذي جعل عددا من الملاحظين يؤكدون أن ما يريده شباط، ومن يقفون جنبه أو خلفه، ليس سوى تمييع وتتفيه كل ما يمكن تمييعه وتتفيهه، بما في ذلك إفراغ الحزب الذي يوجد على رأسه من تقاليده وأفكاره ونخبه. الآن، بعدما طفح الكيل، بدأ العديد من رموز الحزب السابقين يخرجون عن تحفظهم ويتحدثون صراحة بأن شباط جاءت به جهة داخل الدولة، في هذه المرحلة الاستثنائية، إلى منصب الأمين العام للحزب، لإقامة نوع من التوازن مع عبد الإله بنكيران الميال إلى السجال وعدم الترفع عن الخوض في أتفه التفاصيل.. وبأن هذا الدور لم يكن عبد الواحد الفاسي، الخجول والهادئ، ليُجيده أو يتطوع أصلا للقيام به. ويضيف هؤلاء الاستقلاليون بأن مهمة شباط قاربت على نهايتها، وأن كل من راهن عليه للعب الدور الذي أسند له اكتشف بأن الشخصية التي تقمصها هي شخصيته الحقيقية التي لا يقوى عن الانسلاخ عنها لأنه لا يعرف لعب غيرها... حيث إنه إذا أسند إليه، مثلا، لعب دور القاتل في مشهد من عرض مسرحي، سيستمر في تقمص تلك الشخصية طيلة العرض كله! لكن لا أحد من هؤلاء الاستقلاليين المحترمين اعترف بأن قيادة الحزب السابقة هي التي رعت وشجعت حميد شباط ليكون، كما يقول الفرنسيون، «رجل المهمات القذرة» (L'homme des missions sales) وينوب عنها في أدوار لم تكن تجرؤ على القيام بها، مثل تصوير رئيس حزب منافس هو عبد الله القادري وإلى جانبه قنينة خمر، ووضع الصورة على غلاف كتاب، وتوزيعه في حملة انتخابية سابقة. لا أحد من هؤلاء الاستقلاليين المحترمين اعترف بتكليف شباط بالتخلص من عبد الرزاق أفيلال، باستثناء عبد الواحد الفاسي. لا أحد منهم اعترف بأنه صفق أو صمت عندما قام شباط بالانتقام، نفسيا، للاستقلاليين من الاتحاديين بوصف رمزهم المهدي بن بركة بالقاتل. لا أحد منهم استنكر اتهامه لمسؤولين في الدولة والأحزاب، بالاسم، بالاتجار في المخدرات. لا أحد استنكر تشنيع شباط بالجسم القضائي حين نعت قاضية بالانحلال الأخلاقي ورئيس نادي القضاة بالكذب. لا أحد منهم عبر عن رفضه لتشهير شباط بوزير في حزب التقدم والاشتراكية، وهو حليف استراتيجي لحزب الاستقلال، بالقول إنه دخل إلى البرلمان في حالة سكر... لماذا بقي هؤلاء القياديون المحترمون، من رموز الحزب وضمائره، يتفرجون، بصمت، أو يصفقون لحميد شباط وهو يخوض معاركه، ويؤسس شخصيته السياسية داخل حزب الاستقلال بعيدا عن أخلاق وتقاليد الحزب؟ لماذا لم يسائلوه عن مصادر ثروته، هو الذي لا يعرف له مصدر غير راتبه كأجير بسيط؟ هل كانوا يعتقدون أن الرجل سيظل يسقط خصومه وخصوم الحزب بالضربة القاضية، تحت الحزام، ثم يطأطئ رأسه ويعود إلى آخر الصف في انتظار الإشارة إلى خوض معركة أخرى بالنيابة؟ هل كانوا يظنون بأن شباط في أسوأ الأحوال والسيناريوهات سيمر من قيادة الحزب وينتهي؟ كلا شباط لن يكون عابرا في كلام عابر، لأنه ليس وحده، وإذا رَحل أو رُحّل من قيادة الحزب، سيترك قاعدة واسعة من أتباعه ومقلديه. كلفة شباط على حزب علال الفاسي ستكون غالية، فهل سيقوى الاستقلاليون على أداء فاتورتها لإعادة الحزب إلى سابق عهده دون إضعافه؟