الحلقات التي ننشرها أسفله يكتبها الصادق العثماني، مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، حول تاريخ وبدايات الإسلام في أمريكا اللاتينية، وهي تنقلنا إلى الجذور الأولى للإسلام في بلدان القارة الأمريكية، وبدايات هجرة المسلمين إليها، والتعدد الثقافي والديني بها. وقد وقع الاختيار على هذه الحلقات، نظرا لقلة ما يعرفه القراء عن الإسلام في أمريكا اللاتينية، لذلك فهي رحلة في الماضي والحاضر من خلال عدسة ملاحظ معايش. جمهورية غويانا هي إحدى دول أمريكا الجنوبية، تحدها شرقا سورينام، وغربا جمهورية فنزويلا، وشمالا المحيط الأطلسي، وجنوبا الجمهورية الفدرالية البرازيلية، كان يطلق عليها سابقا غويانا البريطانية، لأنها كانت مستعمرة تابعة لها، وهناك غويانا الهلندية وهي جمهورية سورينام الحالية، كما توجد غويانا الفرنسية، وفي السابق كانت غويانا واحدة، فقسمها الاستعمار إلى جمهوريات صغيرة؛ لكن غويانا حاليا أصبحت جمهورية مستقلة، اكتشفها «كولومبس» سنة1448م، نزل بها البحارة والقراصنة الإنجليز والفرنسيون والبرتغاليون والهلنديون في بداية القرن السادس عشر، وتقاتلت عليها هذه الدول الثلاث منذ بداية القرن السابع عشر، من سنة 1499-1620م. ألغيت العبودية والرق في سنة 1834م، وحصلت غويانا على استقلالها سنة 1966م. أما دخول الإسلام إلى غويانا فتحدثنا العديد من الآثار التاريخية الموجودة الآن في كثير من المناطق بدول أمريكا الجنوبية والشمالية، بالإضافة إلى المخطوطات المكدسة في المتاحف البرتغالية والإسبانية، والبرازيلية، من أول وهلة في تحليلها وتحقيقها ودراستها على أن المسلمين والعرب اكتشفوا هذه البلاد واستوطنوها قبل أن تطأها أرجل «كرستوفر كولومبس» بمئات السنين، نجد مثلا في لغة الهنود الحمر هناك الكثير من الكلمات العربية والأمازيغية، ولا يمكن أن تكون موجودة إلا بسبب وجود عربي أو أمازيغي قديم في هذه القارة؛ فبرغم المجهود الكبير الذي قام به الإسبان والبرتغال لطمس معالم هذا التاريخ ومسح أي أثر لوجود الإسلام والمسلمين في القارة الأمريكية؛ إلا أن الانفتاح العلمي والمعرفي والثقافي بين الشعوب والقارات سهل على المؤرخين والمحققين إعادة كتابة التاريخ من جديد إنصافا للحق والحقيقة؛ بعدما كانت أوروبا تحاول تحريفه وتشويهه لتثبت القيادة والريادة والزعامة للرجل الأوروبي الأبيض، ولقد ذكر الشريف الإدريسي -الذي عاش بين (1099-1180) والذي كان من مدينة سبتة المغربية، وهوشريف النسب حموديا ادريسيا، وكان العالم الجغرافي الذي اختاره «روجر» الملك النورماندي لصقلية المعروف بتعاطفه مع المسلمين، ولم يضطهدهم عندما احتل النورمانديون صقلية وأخذها من أيديهم- في كتابه القيم «الممالك والمسالك» قصة الشباب المغرورين؛ الذين خرجوا ببواخرهم من «لشبونة» وكانت في يد المسلمين وقتها؛ بحيث قطع هؤلاء بحر الظلمات، ورجع بعضهم، وذكروا قصتهم وأنهم وصلوا إلى أرض وصفوها ووصفوا ملوكها.. والشهيد عندنا أنهم ذكروا بأنهم وجدوا أناسا يتكلمون بالعربية هناك، وكانوا ترجمانا بينهم وبين الملوك المحليين..نسوق هذه الدلائل ليس لنحيى جماجم الأفارقة وهي رميم، الذين استعبدتهم القوة الهمجية البرتغالية والإسبانية؛ بحيث استعملتهم في مزارع السكر وحفر الآبار وشق الأنهار وقطع الأشجار وتعبيد الطرقات..وكان أغلبهم من المسلمين، وفيهم علماء، وحفاظ القرآن الكريم، وشعراء..فهؤلاء الأحرار «العبيد» هم بذور نور الإسلام بغويانا وعلى أكتافهم وعرق جبينهم قامت الجمهورية، وبتضحياتهم استمرت رسالة الإسلام في هذه البلدان، ولولا القمع المسلط عليهم، ومحاكم التفتيش التي أجبرتهم على تغيير دينهم وأسمائهم لكانت قارة أمريكا اليوم قارة إسلامية بدون منازع..!!ومع ذلك استمر الإسلام بهذه الجزيرة، وخصوصا عندما خلف البريطانيون الهلنديون في احتلال جمهورية غويانا استقدموا إليها بالحديد والنار العمال الهنود والآسيويين؛ لاستعمالهم في الزراعة والفلاحة وحصد قصب السكر..وكان من بينهم الكثير من المسلمين، بالإضافة إلى عودة الكثير من الأفارقة إلى دين آبائهم وأجدادهم ألا وهو دين الإسلام العظيم، وقد تصل نسبة المسلمين اليوم حوالي 15% ؛ أي ما يزيد عن 150 ألف مسلم، وأول جمعية إسلامية قانونية تأسست على أرض غويانا سنة 1936م هي جمعية (صدر أنجمان الإسلامية المتحدة)، وظلت الناطق الرسمي للمسلمين على ما يزيد عن 25 سنة؛ لكن للأسف وكسائر الجمعيات في بلاد الاغتراب دبت وسط أعضائها خلافات سياسية ومذهبية ضيقة، أدت بها إلى التشتت والضعف ..وبدأت كل فرقة تدعي بأنها هي الممثل الوحيد والشرعي للمسلمين في الجمهورية، حاول بعض الإخوة جمع شمل الجالية المسلمة في إطار جمعوي واحد يكون هو الممثل الوحيد أمام السلطات الرسمية، للدفاع عن قضاياهم وتثبيت دينهم الإسلامي المهدد بين الفينة والأخرى، من طرف أقليات أخرى ولوبيات معادية للإسلام والمسلمين، لكن دائما لا حياة لمن تنادي..واستمرت الجمعيات والمراكز في التناسل، وكل حزب بما لديهم فرحون.. !! لكن لا ننكر بأن هناك هيئات إسلامية دولية فاعلة تقوم بمساعدة الجالية بغويانا وفي مقدمتهم أمة الإسلام الأمريكية ولها نشاطات لا بأس بها تجاه تحسين أوضاع الأقلية المسلمة اقتصاديا وتنمويا؛ بحيث اشترت مساحة واسعة من الأراضي الفلاحية لاستخدامها في تحسين المنتوج الفلاحي للمسلمين، بالإضافة إلى تمويل بعض الفقراء والمدارس والجمعيات الخيرية من المحاصيل الزراعية لهذه الأراضي..ومن أهم التنظيمات الإسلامية النشطة في غويانا «المنظمة الإسلامية المركزية» التي تأسست سنة 1979م، ويرأسها حاليا الحاج فضيل محمد فيروز، وتحاول أن تتعاون مع جميع الهيئات والجمعيات والمراكز الإسلامية ألأخرى بدون تفريق بينها وعلى مستوى كافة التراب الوطني الغوياني، ومن المشاهير في جمهورية غويانا الذين اعتنقوا الدين الإسلامي وحسن إسلامهم الدكتور خليل محمد، أستاذ في مادة الأديان بجامعة «سان دييغو/ كاليفورنيا» بالولايات المتحدةالأمريكية، وهو أيضا إمام وواحد من العلماء القلائل الذين يحظون بقبول جميع التيارات الإسلامية لما له من رصيد ثقافي وعلمي وحكمة في تبليغ هذا الدين..ولد بغويانا وتابع دراسته في المكسيك وكندا وموريتانيا والعربية السعودية وسوريا واليمن..حاز على الكثير من الشواهد والألقاب منذ دخوله الإسلام، وحصل على شهادة الدكتوراه في اليهودية والإسلام..وقد بلغ عدد المساجد في غويانا ما يزيد عن 150 مسجدا، ويقطن أغلب المسلمين في العاصمة «جورج تون» كما ينتشرون في عدد من القرى والمدن منها «ديمرارا» و«بربيله» و«كوينزتون».. ولجمهورية غويانا علاقات طيبة ببعض الدول العربية والإسلامية، منها المملكة المغربية الشريفة، ومما يثبت هذا التهنئة التي قدمها رئيس غويانا «بهارات جاغديو» بمناسبة الذكرى التاسعة لعيد العرش المجيد للمملكة المغربية، معربا في برقيته عن أصدق وخالص متمنياته بالصحة والعافية لجلالة الملك، ومزيد من التقدم والازدهار والسلم والأمان للشعب المغربي، كما أشاد بالمناسبة، بعلاقات التعاون القائمة بين البلدين، وكذا بروابط الصداقة التي تجمعه بجلالة الملك محمد السادس .