الحلقات التي ننشرها أسفله يكتبها الصادق العثماني، مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، حول تاريخ وبدايات الإسلام في أمريكا اللاتينية، وهي تنقلنا إلى الجذور الأولى للإسلام في بلدان القارة الأمريكية، وبدايات هجرة المسلمين إليها، والتعدد الثقافي والديني بها. وقد وقع الاختيار على هذه الحلقات، نظرا لقلة ما يعرفه القراء عن الإسلام في أمريكا اللاتينية، لذلك فهي رحلة في الماضي والحاضر من خلال عدسة ملاحظ معايش. الإسلام في أمريكا اللاتينية قديم وهذا ما تؤكد بعض الدراسات التاريخية والإثنوغرافية الحديثة رغم أن التاريخ الرسمي لم يتحدث عن ذلك؛ لأن الأمر كان يتعلق بمسلمين سريين مارسوا عقيدتهم في الخفاء خوفا من محاكم التفتيش الإسبانية في غرناطة، ثم في العالم الجديد .. والتاريخ كما يقول الأمريكان هو قصة المنتصرين، تقول الباحثة الإسبانية المعروفة «إيزابيل أل فيريس دوتوليدو» في كتابها المطبوع سنة 2000 بعنوان «من إفريقيا إلى أمريكا» وتؤكد من خلاله وبالحجج المادية الملموسة والتي تملك في مكتبتها وثائق ومخطوطات نادرة من ضمنها وثائق مسلمي أمريكا الجنوبية سجلتها في كتابها هذا، ومما جاء فيه « أن ياسين والد عبد الله بن ياسين –مؤسس دولة المرابطين- قطع المحيط الأطلسي وذهب إلى المناطق شمال البرازيل، وغينيا، ونشر فيها الإسلام، وعندما استعمرت هولاندا جمهورية سورينام جلبت الكثير من الأفارقة «العبيد» لاستخدامهم للعمل في مزارع قصب السكر والبن والشاي، مع حفر الآبار وشق الأنهار وتعبيد الطرقات..!! كانوا في الحقيقة الخلايا الأساسية لوجود الإسلام، والبذور الطيبة التي أنبتت أنوار القرآن في جمهورية سورينام؛ لأن أغلب هؤلاء الرجال الأحرار كانوا من المسلمين الحفاظ للقرآن الكريم، ولقد مارست عليهم هولاندا سياسة الاستعباد والظلم والقهر والإرهاب والتعذيب النفسي والجسدي، فتمردوا وثاروا عليها بقيادة أحد الحفاظ الزنوج، مشكلين وسط الغابات قرى محصنة، ظلت في صدام مستمر مع المستعمر من أجل الحرية والكرامة حتى نالوها سنة 1863م، وهم من يعرفون اليوم باسم زنوج الغابات (جيوكا) ومعظم عاداتهم وتقاليدهم في اللباس والأكل والشراب إسلامية، ومازال الكثير منهم إلى حد الآن لا يأكل لحم الخنزير ولا يشرب الخمر، ومنهم من عاد إلى الإسلام، كما وصلت سورينام مجموعة من السوريين واللبنانيين.. بحثا عن فرص جديدة لتحقيق حياة أفضل، وانضاف إليهم في السنوات الأخيرة عدد لا بأس به من أبناء بعض دول إفريقيا وخصوصا نيجيريا، وبلاد إسلامية وعربية أخرى، وتقدر نسبة المسلمين من إجمالي السكان ب35%، وبذلك تكون جمهورية سورينام أعلى البلدان في أمريكا اللاتينية نسبة من المسلمين؛ وفي السنوات الأخيرة بدأت كل جالية تؤسس جمعيتها فهناك جمعيات إسلامية هندية، وجمعيات باكستانية، وجمعيات عربية، وجمعيات إفريقية، وجمعيات سورينامية ..كل جمعية تحاول المحافظة على عاداتها وتقاليدها ولغتها، بالإضافة إلى ارتباطها العضوي بوطنها الأصلي، وهذا ينعكس سلبا في كثير من الجوانب وأهمها التعليم الإسلامي الموحد؛ فتجد الجالية الهندية المسلمة تتكلم أغلبها بالأردية، كما تجد الكثير من المسلمين يتكلمون لغة «تاكي تاكي» وهي خليط من اللغة الهولندية والإسبانية والإنجليزية، أما الأندونيسيون فيتكلمون عادة اللغة الملاوية، ولولا مشكل اللغة والاختلافات المذهبية الضيقة الطاغية على الساحة الدعوية في جمهورية سورينام، لأصبح الإسلام دين الأغلبية في هذا البلد؛ لهذا تجد لكل طائفة مساجدها ومدارسها تعلم فيها أبناءها الدين الإسلامي حسب مذهبها ولغتها..!!، ورغم كثرة المصليات والمساجد والتي تصل إلى ما يزيد عن 150 مسجدا؛ لكن لا تلعب دورها الحقيقي والتاريخي في جمع كلمة المسلمين ونشر رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فبنظرة بسيطة في وضع الجالية المسلمة تكتشف بأن وضعها ليس على ما يرام، مقارنة بالأقليات الأخرى، وبالمثال يتضح المقال؛ فقد أسس المسلمون الهنود جمعية لهم سموها «جمعية المسلمين السورينامية» على المذهب الحنفي، وبنوا عدة مساجد ومدارس ابتدائية وثانوية، ولهم جمعية العلماء والتي تضم أئمة المساجد والدعاة، والهنود في الحقيقة هم أكثر المسلمين نشاطا في مجال الدعوة والعمل الإسلامي والخيري، وفي المقابل أسس أهل جاوة الأندونيسيون الاتحاد الإسلامي السورينامي على المذهب الشافعي، فإنشاء تلك الجمعيات على أساس مذهبي يولد الفرقة والعصبية والتشتت، وفي أغلب الأحيان ينشب التقاتل جسديا لا فكريا بين الإخوة الأشقاء..كما يعطي الصورة للآخر عن الإسلام والمسلمين مشوهة، يقول الداعية «أحمد مصلح ماردي» و«محمد علي أحمد» هيوجود مجموعة كبيرة من المسلمين في سورينام انضموا تحت جمعية تسمى (المغربين) يصلون إلى اتجاه الغرب، باعتبارهم لما كانوا في أندونيسيا كانوا يصلون إلى اتجاه الغرب! ولهم مساجد كثيرة بنيت على هذا الأساس، فهذه التناقضات الموجودة في واقع الأقلية المسلمة، تبرز خطورة المنظمات الأحمدية والبهائية والتي تنتشر في سورينام ودول أمريكا اللاتينية كالنار في الهشيم؛ لمالهم من أدوات مادية ومعنوية تتجلى في قنواتهم الفضائية المثيرة ومساجدهم ومعابدهم الفارهة المتقنة، ومدارسهم المنتشرة، كلها في خدمة أفكارهم البعيدة كل البعد عن تعاليم الإسلام وهديه صلى الله عليه وسلم، لكن الحكومة السورينامية لاتستطيع أن تميز بين المسلمين والبهائيين والأحمديين؛ بل هي تعتبر الجميع من فصيل الإسلام الواحد، ولهم قوة اقتصادية كبيرة، ولوبي سياسي خطير، من خلاله حصلوا على عدة مناصب في الحكومة، منها منصب وزير الدفاع، ووزير الصحة، علما أن البهائية التي كانت إلى وقت قليل، لاتكاد تبين، أصبحت لها نشاطات قوية على الأراضي السورينامية وأفكارها تنتشر رويدا رويدا، وقبلوها بقبول حسن؛ بوسائلها الإعلامية القوية، من راديو، وتلفاز، وقناة فضائية محترفة، يلتقطها جميع الشعب السورينامي من مسلمين وغيرهم، يبثون من خلالها برامج ثقافية وترفيهية، وندوات إسلامية علمية، ناهيك عن برامج حوارية خطيرة مع بعض الوجهاء والعلماء، وأصحاب الفكر، والرأي والقرار، فهذه الأمور كلها تصب تجاه تشويه دين الإسلام، الذي أصبح الضحية رقم 1 في عالم التكنولوجية المعاصرة..!!. مع كل هذه الأجواء القاتمة هناك بشائر طيبة وشموع في ظلام دامس بوجود مجموعة من الشباب الواعي المتعلم في الجامعات الإسلامية العربية، ورؤساء جمعيات تحاول جمع شتات المسلمين في وحدة إسلامية شاملة جامعة مانعة، وعودة الكثير من الأفارقة إلى دين الإسلام، دين أجدادهم وآبائهم، كما أن البرلمان السورينامي ربع أعضائه من المسلمين، بالإضافة إلى هذا والحمد لله، هناك وزراء من المسلمين في الحكومة لهم دورهم الإيجابي والفعال في تحسين صورة الإسلام بين الشعب السورينامي من بينهم الدكتور «ماوريتس حسن خان»؛ ناهيك عن ظهور عدد لابأس به من المجلات والجرائد الإسلامية في الساحة السورينامية. الصادق العثماني