عديدة هي الكتب التي ألفت عن الماريشال ليوطي وعن علاقته بالمغرب، فقد ارتبط اسمه بالدولة الحديثة في المغرب إلى درجة أن المؤرخ إبراهيم بوطالب قال مرة إن ليوطي «ينتمي إلى المغرب أكثر مما ينتمي إلى فرنسا». ويعتبر كتاب «ليوطي المغرب» الذي كتبه الجنرال جورج كاترو عام 1952 أقدم وثيقة شاملة عن حياة ليوطي وسياسته في المغرب، فقد عاش بجانبه طويلا في الجزائر قبل أن يأتي إلى المغرب بطلب من الماريشال ويلازمه في كل تحركاته. «المساء» تنشر الكتاب مترجما إلى العربية للمرة الأولى، كونه يفتح عينا على الماضي الذي صنع الحاضر. كانت تعاليم ليوطي تؤكد على أنه في الحالة التي يتعلق فيها الأمر بالعمل السياسي، وخاصة ما يتعلق بالعمل السياسي في ما وراء البحار، لاشيء كبيرا ودائما يمكن تحقيقه بغير المبادرة الشخصية لرجل ملهم يستطيع أن يخطط ويقود، رجل يركز بين يديه جميع الشؤون، ويتوفر على نظرية مناسبة وفعالة، وعلى الوقت الكافي لإكمال مهمته، ويكون مطوقا ب«فريق» مختار جيدا ومطيع لأفكاره، رجل يكون بشكل خاص محظوظا ومدعوما من الرأي العام. وقد شاءت الصدفة أن يكون ليوطي هو هذا الشخص الذي يتوفر على كل هذه الخصال الكفيلة بتحقيق النجاح، التي من النادر ومن العابر أيضا أن تجتمع في شخص ما في هذا العصر الديمقراطي، لكنها اجتمعت فيه هو، وقد ساعدت عبقريته الشخصية على إفرازها، كما أن الآلهة ساهمت في ميلاد تلك الخصال. وقد قبض ليوطي، الذي كان لديه حظ استثنائي، على تلك الخصال وحقق بها الاكتمال، ومن هنا يمكن تفسير نجاحه الباهر في المغرب. مسار ليوطي، أو مشواره الإفريقي، تمثل في ثلاث محطات: محطة عين الصفرا عام 1903، التي كانت في نفس الوقت نقطة الانطلاق، ومحطة وهران عام 1907، وأخيرا محطة الرباط عام 1912. ومن بين هذه المحطات الثلاث فإن المحطة الأولى هي التي يمكن القول بأنها كانت حاسمة فيما يتعلق ب«الحظ الشخصي» لليوطي، ضربة الحظ الحقيقية التي خلقت الظرفية السياسية، في جنوب وهران، والتي أدت إلى اختياره من أجل التعامل معها، حين كان ما يزال في ألونسون (مدينة فرنسية عين فيها ليوطي عام 1902 في قيادة الفيلق14). لم يكن ليوطي على علم بهذا الاختيار الذي شكل مفاجأة له، كما لم يكن لديه أي علم بالمحطتين الأخريين لأنه إذا كان قد انتقل من عين الصفرا ثم إلى وهران، بعد قضاء مدة عابرة في الراين، وبعد ذلك إلى الرباط، فلأن مهارته أصبحت معروفة بشكل باهر لدى الجميع، وظهر باعتباره الرجل المناسب الذي اختارته الظروف أكثر من أي شخص آخر. ولقد كان دور الحظ في المحطتين الثانية والثالثة أنه مد إليه يده التي أمسكها، من دون أن يبحث عنها، لأن تعيينه في القيادة في وهران وفي منصب الولاية في المغرب قد جاءه دون أن يكون قد طلبه. لقد كان الحظ الرئيسي لليوطي، الذي يختلط مع حظ فرنسا، أنه كان مؤهلا لفهم أسرار القضية المغربية مدة طويلة قبل أن يتحمل مسؤولية حلها، وأن يكون عين على رأس القيادة في عين الصفرا وبعد ذلك في وهران، حيث كان قريبا جدا من الفوضى المغربية، ومسؤولا عن مراقبة الحملة على الحدود الجزائرية. فأثناء هذه التجربة، ومن خلال مهماته اليومية لحفظ الأمن، تمكن من الاطلاع على مختلف الأوجه والعناصر الداخلية والخارجية للمشكلة الفرنسية المغربية، واستطاع أن يفهمها جيدا في الزمان والمكان، وأن يصيغ لها الحلول من خلال تأملاته وتجاربه. كانت تلك السنوات السبع سنوات التخمر والتأهل التي نجح أثناءها في وضع نظريته حول الحماية وسياسته المتعلقة بفرض التهدئة. وعندما تولى المسؤولية في المغرب عام 1912، في ظرفية عصيبة، استطاع أن يمسك بعارضة سفينة في حالة تيه، مثل ربان محنك وذي تصميم. وللمرة الثانية حالفه الحظ الذي جاء للتدخل من أجله. كان ذلك في شهر غشت من عام 1914، عندما فتحت الحرب أمامه طريق النجاح، في ما يشبه المفارقة. لقد وضعت الحرب مخططه، الذي كان قد رسمه للتو تحت التهديد، لكنه تمكن من تجاوز تلك المخاطر بفضل نباهته وفطنته. فبعد أن كان مقيد الحركة في السابق، صار اليوم سيدا على المغرب بلا نزاع، مثل قائد سفينة يقف على متنها، بصلاحيات لم تعد محل نقاش وبمصادر مالية هائلة، ومحررا من العراقيل الدولية والعقبات التي كان يضعها الألمان، وأكثر من ذلك مسلحا بسلطات ومسؤوليات جعلته بمثابة نائب الملك.