سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ليوطي المغربي : هكذا كان ليوطي يطمح إلى تشكيل قيادة على الحدود المغربية الجزائرية ستمكنه من أن يجمع بين يديه صلاحيات الجمهورية الفرنسية والمملكة الشريفة
عديدة هي الكتب التي ألفت عن الماريشال ليوطي وعن علاقته بالمغرب، فقد ارتبط اسمه بالدولة الحديثة في المغرب إلى درجة أن المؤرخ إبراهيم بوطالب قال مرة إن ليوطي «ينتمي إلى المغرب أكثر مما ينتمي إلى فرنسا». ويعتبر كتاب «ليوطي المغرب» الذي كتبه الجنرال جورج كاترو عام 1952 أقدم وثيقة شاملة عن حياة ليوطي وسياسته في المغرب، فقد عاش بجانبه طويلا في الجزائر قبل أن يأتي إلى المغرب بطلب من الماريشال ويلازمه في كل تحركاته. «المساء» تنشر الكتاب مترجما إلى العربية للمرة الأولى، كونه يفتح عينا على الماضي الذي صنع الحاضر. كانت هذه النتائج التي تحققت ثمرة منهجية ليوطي المختلفة عن منهجية «الحملات العسكرية». فقد كانت منهجيته أقل كلفة من حيث الكوادر البشرية، ومعتمدة على البناء عوض اعتمادها على الهدم. فعندما وصلت القوات الفرنسية إلى تازة تركت وراءها مناطق شاسعة، غير خاضعة فقط، بل منظمة ومسالمة وتحت السيطرة. لقد كانت سياسة ليوطي كما وصفها هو بنفسه سياسة «آلة الثقب» التي تنفذ، وليست سياسة «المطرقة» التي تحول كل شيء إلى مسحوق. وقد أفادت هذه السياسة في دحر التمرد وإخماد الفوضى وإعادة السلطة والنظام وكسب الثقة بفضل احترام التقاليد والأساليب الإنسانية، بعيدا عن اللجوء إلى القوة. والفضل في هذا يعود إلى ليوطي، الذي أرسى دعائم هذه السياسة حتى قبل احتلال وجدة، وذلك في عين الصفرا، حينما كان يبحث عن الصيغة المناسبة التي تضمن استقرارا دائما، في مواجهة الفوضى في المغرب، من أجل الحفاظ على المناطق المحاذية للجزائر آمنة. وقد تمكن منذ تلك اللحظة، بعقله الإيجابي ذي الخيال الواسع، من وضع لبنات تلك النظرية التي سيطبقها لاحقا. وقد استفاد أيضا من فكرة عجيبة وضعها الجنرال جونار، المقيم العام في الجزائر، كان ليوطي يعتبرها «منتجة وقابلة للتطبيق». جاءت تلك الفكرة من تفسير موسع لروح الاتفاقيات الموقعة عامي 1901و1902 بين الجمهورية والحكومة الشريفة من أجل التعاون بين المسؤولين العسكريين لدى الطرفين على إعادة الهدوء إلى الحدود المغربية الجزائرية. وقد كانت تلك الاتفاقيات تنص على تفاهم السلطات الحدودية وتبادل المساندة لمنع القبائل في الجانبين من اللجوء إلى العنف أو المساس بأمن الحدود. بيد أن هذه الاتفاقيات لم يتم تنفيذها سوى من الجانب الفرنسي، بينما عجز المسؤولون المخزنيون عن تنفيذها، ولم يستطيعوا التغلب على القبائل التي تتجاوز وادي ملوية، والتي كانت ترفض الانصياع للسلطان وتخضع لتأثير الروكي أو أحد الطامعين في الإمبراطورية، ولتأثير الرجل المسن «بوعمامة»، عدونا اللدود. لقد كانت أراضي هذه القبائل تشكل مأوى للمتمردين الجزائريين، وتشكل منطلقا لعدد من الحملات الموجهة ضد مناطق الجنوب ووهران. أما ليوطي، الذي كان عليه حراسة المناطق الصحراوية التي نحتلها ونتركها وراءنا، فقد كان هدفا للضربات القادمة من المغرب، دون أن تكون له القدرة على صدها وهو يتوغل، ودون أن ينتظر عونا من السلطات المخزنية. وقد كان بمقدوره أن يلجأ إلى «الحق في المتابعة»، ولكن احترام سيادة السلطان كانت تمنعه، وهو فوق التراب المغربي، من إقامة المنشآت الدائمة التي توفر له إمكانية القضاء على مخططات الهجوم في المهد، ووقف عمليات الاختطاف التي كانت تقوم بها قبائل معروف ولاؤها للمخزن. كانت فكرة الجنرال جونار ترمي إلى إزالة العوائق، التي تعترض حركة ليوطي في الأوضاع المليئة بالتناقضات. وقد كانت تقضي بوضع سلطة فعلية، هي سلطة ليوطي، في المناطق المعرضة للفوضى على الحدود المغربية تعوض الحراس المغاربة المتخاذلين المرعوبين، بعد موافقة من السلطان. وبكلمة أخرى، ستمكن تلك السلطة ليوطي من أن يجمع بين يديه صلاحيات الجمهورية الفرنسية والحكومة الشريفة في المناطق الحدودية بين المغرب والجزائر. هذه الصيغة المبتكرة كانت تغري ليوطي، أو بأسلوبه هو، «تشعله حماسا»، ولم يفتأ يكرر المطالبة بها بطريقة ملحة في الرسائل التي كان يوجهها، من عين الصفرا، إلى أصدقائه النافذين. وقد كتب يوم 26 أبريل 1904 إلى أوجين إيتيان، الوزير السابق والمستقبلي والرئيس المتنفذ للمدرسة الكولونيالية الفرنسية، الذي حاول ليوطي أن يكسبه في صفه، وجاء فيها: «إن الحل الأفضل يتمثل في إنشاء قيادة مسؤولة عن البلدين معا، وأرى في نفسي في المستقبل القريب جنرالا فرنسيا في الحملة الجزائرية، وفي نفس الوقت قائدا عسكريا مغربيا في الحملة المغربية، حيث أتلقى الأوامر بالنسبة للأولى من الجزائر، وبالنسبة للثانية من اللورد كرومر القادم (كرومر كان ديبلوماسيا بريطانيا في المستعمرات، وليوطي يغمز بها هنا إلى أوجين إيتيان، الذي سيتولى بعد عامين من ذلك حقيبة وزير الحرب)». بعد ذلك بأربعة أشهر أعاد ليوطي نفس الفكرة في رسالة وجهها إلى أوجين إيتيان، كتب فيها: «ليس هناك مدى متوسط. إذا كانت لدي رئاسة القيادة في المنطقة إلى حدود ملوية، باسم السلطان، سأبدأ منذ الآن في فرض النظام بالبلاد، بتعيين القواد وتشكيل الكوم (كلمة كوم تعني المجندين المغاربة والجزائريين مع فرنسا، مأخوذة من كلمة قوم) ودفع حملاتي العسكرية كنقاط إسناد إلى ملوية، حيث لن يكون الروكي سعيدا. إنني متشكك حيال مسألة التدخل السلمي الصرف والبسيط، فعندما يكون أمامنا أشخاص مسلحون ببنادق متطورة لا نستطيع التوغل إلا إذا أرادوا هم ذلك أو أن نكون مؤهلين لاستعمال القوة وفرض الاحترام عليهم».