بعد أن مرت بضعة أسابيع على انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر، يلاحظ أن الرسالة التي أراد أن يوجهها النظام إلى المجتمع المصري هي أنه يسعى إلى «استرجاع هيبة الدولة» إثر محاكمات استهدفت الإخوان المسلمين، وأُعدِم فيها المئاتُ من أعضاء الجماعة «الإرهابية» حسب تعبير النظام. ودون شك، فإن المصريين يرغبون في العيش في وضع سياسي وأمني مستقر، إلا أن هذا الاستقرار يظل هشا في ظل نظام سلطوي يتحكم فيه الجيش في جميع القرارات السياسية ويحافظ فيه على امتيازاته الريعية بدعم جيوسياسي ومالي أمريكي وسعودي. ومنذ سقوط بن علي ومبارك على إثر الاحتجاجات الجماهيرية التي عرفتها كل من تونس ومصر، وضعت الأنظمة شعوب المنطقة أمام اختيارين: إما أن تحافظ على الاستقرار في ظل الأنظمة القائمة مع وعود بإصلاحات طفيفة لا تغير طبيعتها السلطوية في شيء؛ وإما أن تستعد للتضحية بحياة أبنائها ولسفك الدماء في الطريق إلى أوضاع قد تكون أسوأ بكثير مما هي عليه اليوم مع انتشار جماعات مسلحة غير متحكم فيها. ولا أحد يمكنه أن يتجاهل سقوط سوريا في دوامة العنف، وغياب سلطة مركزية تجمع بين الانتماءات القبلية والجهوية في تراب موحد في ليبيا. وإذا كانت اختيارات الشعوب الغربية غير مقتصرة على الاختيار بين العنف، من جهة، والاستقرار، من جهة أخرى، بل يتاح لها اختيار ثالث ألا وهو الاستقرار الديمقراطي، فإن الدولة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تبني مؤسسات ديمقراطية حقيقية وتحافظ على الاستقرار في نفس الوقت هي تونس. ومن ضمن العوامل المتعددة التي ساهمت في بناء الاستقرار الديمقراطي نذكر، هنا، خضوع الجيش للسلطة المدنية ونضج النخبة السياسية، بمختلف مكوناتها، التي استطاعت أن تتجاوز اختلافاتها الإيديولوجية في حوار بناء، رغم لحظات عصيبة في بعض الأحيان، توصلت به إلى دستور تخضع فيه جميع السلطات إلى المراقبة والمحاسبة. ومقارنة بالأسس الهشة التي يتميز بها الاستقرار السلطوي، ألا وهي تقديس الحاكم واحتكار جميع السلط وتركيزها بين يديه وقمع القوى السياسية والاجتماعية الحية، يرتكز الاستقرار الديمقراطي على المواطنة وعلى بناء مؤسسات منبثقة من المجتمع. وفي النظام الديمقراطي، الضامنُ الأول للاستقرار هو المواطن لأنه يعيش في دولة تضمن له تكافؤ الفرص وتسمح له بالاستفادة من خدمات عمومية تشمل التربية والتكوين والصحة؛ وفي حالة فشل الدولة في القيام بمهامها، يحاسب الحاكم في انتخابات نزيهة مفتوحة لجميع المتنافسين. إذن، لا يوجد تناقض بين المطالبة بالتغيير الديمقراطي الحقيقي، من جهة، وبين الحفاظ على الاستقرار، من جهة أخرى، بل الديمقراطية تظل النظام الأكثر استقرارا على المدى البعيد. صحيح أن المغرب حافظ على استقراره، إلا أن المغاربة لازالوا يعيشون في نظام سياسي تحافظ فيه الملكية على سلطات واسعة غير خاضعة للمراقبة وللمساءلة على حساب حكومة منبثقة من الانتخابات ومخالفة لروح دستور 2011 الذي فتح هامشا ولو محدودا لممارسات سياسية جديدة؛ فتوسيع دائرة صلاحيات الحكومة ورئيسها وفقا للدستور، وبصفة أعم توسيع دائرة القرارات السياسية الخاضعة للمراقبة والمساءلة، هو من أهم التحولات التي يمكن أن تسمح للمغرب بأن يحافظ على استقراره على المدى البعيد. يوسف بلال